أسرار الفضاء لا تنتهي، وكلما توصَّل علماءُ الفلك إلى فكِّ رمزٍ من رموزه، اكتشفوا ألغازاً جديدة، وآخرها "إشارات غامضة" اكتشفت قبل خمس سنوات فقط، وتكرَّرت منذ لاحظها علماء الفلك 150 مرّة.
وأَطلق عليها العلماء اسم FRB 121102، تمييزاً لها عن الموجات القديمة التي تحمل اسم FRB، والتي تم اكتشافها في العام 2007، استناداً إلى البيانات الأرشيفية لتلسكوب باركس في أستراليا.
وعلى مدار سنوات، نشأت الكثير من النظريات والتخمينات حول أصل تلك الموجات الجديدة، بدءاً من كونها طاقة خارجة من أحد الثقوب السوداء في الكون، إلى كونها إشارات ترسلها حضارات أخرى تعيش خارج كوكب الأرض.
لكن في العام 2012 اكتشف العلماء سراً غامضاً، يتمثل في موجات تصل مراراً إلى الأرض من مكان بعيد في الكون، وتختلف عن جميع الإشارات و"الضوضاء" التي نستقبلها يومياً من الفضاء لسبب غريب، هو أن هذا الصوت يعود مراراً.
موقع هيئة الإذاعة البريطانية باللغة الإسبانية BBC Mundo أفرد تقريراً حول هذه الإشارات الغامضة جاء فيه أن هذا الصوت يأتي من مجرة قزمة، وبقوة ضياء 500 مليون شمس وهكذا يحاول العلماء العثور على خيط لفكِّ غموض لغزٍ عمره 5 سنوات فقط.
الخيط الأول: جزء على ألف من الثانية
البحث تم بناءً على معلومات من مرصد ARECIBO الفلكي في بورتوريكو
يبدو الآن أن فريقاً من علماء الفلك قد تمكَّن من العثور على طرف للخيط، كما ذكر بعض العلماء خلال الاجتماع الأخير للجمعية الفلكية الأميركية، الذي عقد في واشنطن، في الثامن من يناير/كانون الأول 2018، كما نشرت مجلة نيتشر العلمية في دراسة لها أمس الأول، لكن التحليل الدقيق لأصل هذه الموجات لا يزال بعيداً.
وتُمثل موجات الراديو سريعة التدفق (FRB) أحدَ الألغاز الأكثر غموضاً في علم الفلك، وهي عبارة عن نبضة راديوية عابرة، تستمر لعدة مللي ثانية- مقياس يساوي جزءاً على ألف من الثانية، ولا يزال البحث مستمراً عن تفسير علمي دقيق لأصلها الفيزيائي.
الخيط الثاني: مجرة قزمة وضئيلة وبعيدة
وبينما كان علماء الفلك يبحثون عن نماذج جديدة من النجوم النيوترونية الممغنطة، أو النجوم المغناطيسية، التي تُسمَّى النجوم النابضة، اكتشفوا عوضاً عن ذلك ظاهرةً جديدةً، وهي انفجار موجات الراديو التي تم التقاطها وتسجيلها في العام 2001 ، من دون أن يلاحظها أحد أو يعرف كُنهها.
في العام الماضي، قال العلماء إن هذه الانبعاثات، التي تساوي طاقة قدرها 500 مليون شمس، جاءت من مجرة قزمة وضئيلة، تقع على بعد 3000 مليون سنة ضوئية من الأرض، تبلغ كتلتها حوالي 1% من مجرة درب التبانة.
ومن هذا المكان البعيد في الكون، سافرت تلك الموجات في رحلة واسعة عبر الزمن والفضاء بين المجرات، قبل أن تصل إلى كوكبنا. ولكن واحداً فقط من مصادر الطاقة تلك "اندلع" أكثر من مرة، وهو "FRB 121102".
ويحاول الباحثون باستخدام أحدث الاكتشافات، التي وفّرها مرصد "أريسيبو" في بورتوريكو، معرفة المزيد عن تلك البيئة التي يفترض أن تكون مصدراً لهذا الانفجار الغامض للموجات، خاصة أن لهذا المرصد تاريخاً طويلاً في اكتشاف الأجرام السماوية.
الخيط الثالث: انبعاثات قريبة من ثقب أسود هناك
مرصد VLA في نيوميكسيكو هو أول مرصد فلكي التقط الإشارات الغامضة
يعتقد العلماء أن هذه الانبعاثات تأتي من نجم نيوتروني، أو نجم نابض، وهو نوع آخر من النجوم النيوترونية الدوّارة والممغنطة بشدة، التي تغير لمعانها بصورة مستمرة لعوامل داخلية في النجم نفسه.
في كلتا الحالتين، يفترض العلماء أن هذه النجوم قريبة من ثقب أسود، أو جزء لا يتجزأ من سديم (أجرام سماوية ذات مظهر منتشر غير منتظم مكون من غاز متخلخل من الهيدروجين والهيليوم وغبار كوني).
وقد جاءت هذه الافتراضات بعد الكشف عن ملاحظات غريبة في استقطاب موجات "FRB 121102″، وهو الاتجاه الذي تتذبذب فيه؛ فعندما تمر موجات الراديو المستقطبة عبر منطقة ذات مجال مغناطيسي، يكون الاستقطاب "ملتوياً" في دوران يعرف باسم/ تأثير فاراداي.
ويقول عالم الفلك دانييل ميشيللي، الأستاذ بجامعة أمستردام وكاتب الدراسة المنشورة في مجلة Nature، إن "المصادر الوحيدة في درب التبانة التي تلتوي بنفس القدر مثل FRB توجد في مركز المجرة، وهي منطقة ديناميكية قريبة من ثقب أسود هائل، وربما توجد موجات الراديو المتدفقة بسرعة FRB في بيئة مماثلة في المجرة المضيفة". "ومع ذلك، يمكن أيضاً تفسير التواء انفجارات الراديو إذا كان المصدر يقع في سديم قوي، أو بقايا (سوبر نوفا) المستعر الأعظم". ومع ذلك، لا تزال الشكوك حول هذه النبضات مستمرة.
والخيط الأخير: هل هي آثار حضارة فضائية؟
ووفقاً للباحث لفيشال غجار، من مركز أبحاث SETI Research Center في بيركلي بولاية كاليفورنيا، فإن الآلية التي تنشأ من خلالها أو الكيفية التي يمكن بها للنجم النيوتروني أن يخلق كمية كبيرة من الطاقة التي تنتجها FRB لا تزال مجهولة.
وأضاف غجار نقطة أخرى، تزيد من الشكوك حول أصل هذه الإشارات، حيث قال: "بشكل عام، لا نستطيع استبعاد فرضية كونها قادمة من حضارة غير أرضية". وحتى الآن لا يزال الغموض مستمراً حول أصل تلك الموجات التي تتكرر في الفضاء.
الجدير بالذكر أن فكرة أن يكون هناك حضارات أخرى في الفضاء لطالما راودت البشر، وفي عام 2016 أعلن رجل أعمال روسي مهتم بشؤون الفضاء ويدعى يوري ميلنر بالتعاون مع باحث العلوم الكونية الشهير ستيفن هوكينغ عن إطلاق مشروعه البحثي Breakthrough Starshot الذي سيعمل على إثبات أنه من الممكن دفع مركبة فضائية متناهية الصغر بسرعة تبلغ خُمُسَ سرعة الضوء، من أجل محاولة اكتشاف حضارات أخرى فضائية.
وقال ميلنر أيضاً إن الناس عليهم ألا يقلقوا من أن إرسال مركبات النانو خارج نظامنا الشمسي من شأنه تنبيه حضارات فضائية أخرى معادية إلى وجودنا هاهنا.
ويرى علماء الفلك والفضاء حسب تقرير سبق وأن نشره موقع "عربي بوست" إن هناك احتمالاً معقولاً جداً بوجود كوكب كالأرض ضمن "المناطق القابلة للحياة" ضمن نظام رجل القنطور ثلاثي النجم؛ بيد أن ميلنر قال إن الأبحاث المبدئية أظهرت أن الاحتمال أكبر بوجود مظاهر حياة بدائية بسيطة هناك مع عدم ترجيح كفة احتمال وجود حياة ذكية ضمن ذلك النظام.