لو كنت مكان جون كيري!!

لو كنت مكان جون كيري لفكرت بنفس الطريقة التي فكّر بها، وقدّمت نفس العرض المذلّ الذي قدمّه، ولتأكدت أنه لا يوجد أحدٌ على استعدادٍ لقلب الطاولة كما تأكّد هو حين قدّم عرضه!!

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/25 الساعة 02:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/25 الساعة 02:10 بتوقيت غرينتش

لو كنت مكان جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، وسألت نفسي وأنا في طريقي للقاء رئيس وأعضاء الهيئة العليا للمفاوضات التي ستشكل وفد المعارضة للمفاوضات مع وفد بشار الأسد: ما هي الشروط التي يمكنني أن أمليها عليهم لتكون أسس عملية التفاوض بينهم وبين وفد النظام؟

لن أختار بصراحة شروطاً مختلفة عن تلك التي اختارها جون كيري وأملاها عليهم، وسأغادر وأنا على ثقة بأن سحابة الانزعاج التي ستخيّم على أجوائهم لن تكون طويلة، وسيجري همس بينهم عما إذا كانوا سيرفضون، لكنهم في النهاية سيقولون لأنفسهم دعونا نفضّل صوت العقل ونوافق، وسيستشيرون رعاتهم والكل سيقول لهم نعم لصوت العقل، وهذا هو عين الصواب، ومن الولدنة والمراهقة أن نرفض ونضيّع على أنفسنا الفرصة، لكن أكثر ما سيثير انزعاجهم ليس إجبارهم على القبول ببشار الأسد، بقدر ماهي الطريقة المناسبة لإخراج هذا الحل كي يبدو مقبولاً ومستساغاً من قبل السوريين.

وسأقول لنفسي كما قال كيري لنفسه: أنا أعرف أني أفرض عليهم استسلاماً حين أفرض عليهم أشخاصاً محسوبين على روسيا وإيران والنظام نفسه أكثر مما هم محسوبون على المعارضة، وأن بعضاً من قوات هؤلاء تقاتل كتفاً إلى كتف إلى جانب النظام، وأعرف أني أغيّر في صيغة اتفاق جنيف حين أقول لهم ما سيجري بينكم وبين النظام هو محادثات لتشكيل حكومة وحدة وطنية مع النظام وليس مفاوضات لتشكيل مجلس حكم انتقالي بصلاحيات كاملة، وأعرف أني ألغي اجتماع فيينا حين أقول لهم انسوا أمر تنحي بشار الأسد، وبقائه مؤقتاً في الحكم لثمانية عشر شهراً، فهو سيبقى ومن حقه ترشيح نفسه في أية انتخابات رئاسية قادمة، أعرف كل ذلك، ولكني أعرف أكثر أنهم سيقبلون في النهاية.

وسأقول لنفسي كما قال كيري لنفسه: تجربتي مع فريقي الأزمة السورية علمتني أن النظام لم يغيّر مواقفه ولم يتنازل، بينما قدّمت المعارضة عشرات التنازلات وهي مستعدة للمزيد، صحيح أنها تتأفف أحياناً ولكنها ترضخ في النهاية.

ونحن نمون عليها لأننا أصحاب اليد الطولى في تشكيلها، وسفيرنا السابق كان يجلس خلف كواليس كل اجتماعاتها، ويُستشار ويأمر وينهى ويُطاع، ونحن على دراية كاملة بالطريقة التي كانت تغيّر فيها مواقفها، حسب الجهة الراعية في كل مرحلة من مراحل مجلسها وائتلافها وأخيراً هيئتها، ونحن الذين قررنا ومازلنا نقرر معتدليها ومتطرّفيها، ولدينا سيرة ذاتية لكل فرد فيها، من يتعامل معنا ومن يتعامل مع غيرنا، ومن قبض وكم قبض، ومن استزلم ولمن استزلم، ونحن نعرف أننا نستطيع أن ندخل بين أفرادها ونخلق محاور ونفتعل صراعات، ونشكّل أحزاباً وندعم تيارات، وبحسب تجربتنا نعرف أنهم سيرضخون لكل شروطنا.

وسأقول لنفسي كما قال كيري لنفسه: لقد وقفنا طوال الحرب السورية على الحياد فعلياً، مع بعض التصريحات الضرورية لصورتنا في ملف حقوق الإنسان، لكن أياً من هؤلاء المعارضين لم يرفع صوته في وجهنا، وإذا تحدث فقد كان يتحدث معنا غالباً في السر، وحتى عندما قتلنا مدنيين عند قصفنا لمقرات جبهة النصرة أو داعش، لم نجد هيئة من هيئات المعارضة تصدر بياناً ضدنا، واليوم عندما نفرض عليهم شروطنا للحل نحن نعرف أن أكثر رد فعل لهم هو إظهارهم لبعض الاستياء، على الأقل لتبرئة أنفسهم أمام السوريين كما نظن.

وسأقول لنفسي كما قال كيري لنفسه: معلوماتنا المؤكدة تقول أن هؤلاء المعارضين علاقتهم سيئة بالمقاتلين، ولذلك ليس لديهم قوة أو شعبية يستندون إليها، وعند أية مشكلة جدية معهم يمكننا محادثتهم مباشرة أو الطلب من الدول الراعية لهم لتقرص آذانهم وتجعلهم يتفاعلون مع مشاريعنا، ونادراً ما نحتاج لذلك، لأن أغلبهم إن لم يكن كلّهم يتنافسون على الوشاية ببعضهم البعض لنا، وتقديم كل واحد لنفسه بأنه الأنسب والأكثر شعبية للزعامة.

وسأقول لنفسي كما قال كيري لنفسه: كثير منهم وخاصة المنشقين عن النظام يتمنون العودة إليه، وعلاقتهم بفكرة الثورة علاقة سياحية، بعضهم انشقّ وهو يظن أنه يلقي بنفسه من المركب الغارق، ثم اكتشف سوء تقديره، وبعضهم رماه النظام من مركبه بعد أن استهلكه وملّ من جشعه، ولذلك سيعتبر هؤلاء أن عودتهم إلى النظام بضمانتنا هي عملية إنقاذ وتكريم لهم، ومن سيرفض منهم يعرف أن لديه ميزات في الدولة الراعية له تفوق الميزات التي سيحصل عليها فيما لو عاد إلى النظام.

لو كنت مكان جون كيري لفكرت بنفس الطريقة التي فكّر بها، وقدّمت نفس العرض المذلّ الذي قدمّه، ولتأكدت أنه لا يوجد أحدٌ على استعدادٍ لقلب الطاولة كما تأكّد هو حين قدّم عرضه!!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد