ذراع بن سلمان الضاربة مصري.. ثار ضده المصريون وهرب من سجن السيسي ويشرف على التعذيب في السعودية

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/15 الساعة 08:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/15 الساعة 08:46 بتوقيت غرينتش

كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، استعان بوزير داخلية مصر في عهد مبارك، حبيب العادلي، الهارب من العدالة ببلاده، في حملته لقمع معارضيه والنخب الملكية والاقتصادية للبلاد.

وقال تقرير للصحيفة الأميركية إن ولي العهد السعودي، بدعمٍ ضمني من والده، رسَّخ قدميه كأقوى شخصية بالعالم العربي، واندفع إلى مواجهاتٍ على كل الجبهات في الوقت نفسه.

فقد أَمَرَ ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، باعتقال 11 أميراً من أسرته الحاكمة، وقرابة 200 عضو من نخبة الأعمال السعودية، وبدأ يسحب السلطة من رجال الدين المُحافِظين في المملكة.

وحاصر أيضاً قطر المجاورة، واتَّهم إيران بالقيام بأعمال حرب، وشجَّع استقالة رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري. وفي اليمن، تُقاتِل قواته المسلحة فصيلاً مُصطفّاً إلى جانب إيران في حربٍ مستعصية خلقت أزمةً إنسانية.

قلق أميركي والمستثمرون يهربون

تقول الصحيفة: "لقد تحرَّك ولي العهد السعودي بسرعةٍ جداً، لدرجة أنَّ المسؤولين الآخرين وغيرهم قلقون من أنَّه يُزعزع استقرار المنطقة. وتتزايد العلامات على إمكانية حدوث ارتدادتٍ عكسية.

فقد نقل المستثمرون، القلقون من خططه، أموالهم خارج المملكة. وسعى الأمير محمد لمواجهة هروب رؤوس الأموال من خلال الضغط على المحتجزين وآخرين لتسليم أصولهم.

ويقول داعمو الأمير محمد إنَّه ببساطة يتَّخذ إجراءات قاسية لازمة لتحويل اقتصاد المملكة القائم على الفساد والمعتمد على النفط، في الوقت نفسه الذي يتصدَّى فيه للعدوانية الإيرانية.

لكنَّ المُحلِّلين في أنحاء المنطقة يتجادلون حول ما إذا كان الاندفاع المتهور له ربما يأتي مدفوعاً أكثر برغبته في ترسيخ سلطته قبل خلافةٍ محتملة للعرش، أو حاجته الشديدة للأموال لتمويل خططه، أو ببساطةٍ طموح جامح لوضع بصمته على الشرق الأوسط الأوسع نطاقاً.

ورغم تحمُّس الرئيس الأميركي دونالد ترامب للأمير، فإنَّ البعض في وزارتي الخارجية، والدفاع، ووكالات الاستخبارات الأميركية يقولون إنَّهم يخشون من أن يؤدي اندفاعه إلى إعاقة أهدافه وزعزعة استقرار المنطقة.

وقال فيليب غوردون، مُنسِّق شؤون الشرق الأوسط بالبيت الأبيض في ظل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما: "لقد قرَّر ألّا يفعل شيئاً بحذر، لكن إذا بالغ ولي العهد في استعداء الأمراء وأعمدة النظام الآخرين، وسعى لصراعاتٍ إقليمية مُكلفة، وأثار قلق المستثمرين الأجانب، فإنَّه قد يُقوِّض أفق الإصلاحات ذاتها التي يحاول تطبيقها".

وزير داخلية مبارك

وقدَّم الأمير حملة الاعتقالات على أنَّها حملةٌ ضد الفساد، لكنَّ المُستهدَفين يصفونها بالابتزاز، وقد لجأ ابن سلمان إلى قائدٍ أمني مصري سابق (وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي) وُصِم في بلاده بالوحشية والكسب غير المشروع.

وقالت نيويورك تايمز إن حبيب العادلي، آخر وزير داخلية مصري في عهد مبارك -ويُقال بحسب أحد مستشاريه السابقين إنه يقدم الاستشارة الآن لمحمد بن سلمان- اشتهر بوحشيته وممارسة التعذيب خلال عهد مبارك.

ويقول محاموه إنَّه يعتزم استئناف الحكم الغيابي الصادر بحقه مؤخراً بالسجن 7 سنوات في مصر على خلفية اتهاماتٍ بالفساد.

وأحال مسؤولون بالديوان الملكي السعودي التساؤلات الصحفية بخصوص تلك التقارير إلى سفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن، والتي قالت المتحدِّثة باسمها، فاطمة باعشن، إنَّ السفارة لا يمكنها تأكيد تلك التقارير أو نفيها.

وكان حساب "العهد الجديد" على تويتر، ذكر أن السلطات السعودية استعانت بوزير الداخلية المصري إبان حكم حسني مبارك، حبيب العادلي، في جهاز أمن الدولة الذي أنشأته المملكة قبل عدة أشهر.

تعذيب ووداعاً لـ"أرامكو"

ووفقاً لطبيب يعمل في أقرب مستشفى ومسؤول أميركي يتابع الوضع، احتاج نحو 17 من المعتقلين إلى علاجٍ طبي؛ بسبب الاعتداء عليهم من قِبل مُعتقِليهم، حسبما نقل عنه تقرير "نيويورك تايمز".

ويقول مُحلِّلون إنَّ الاعتقالات خارج نطاق القضاء قد أثارت قلق المستثمرين بدرجةٍ تكفي لإحباط خطط الأمير للقيام بعملية طرحٍ عام أوليّ لشركة النفط العربية السعودية (أرامكو)، في نيويورك أو لندن العام المقبل (2018). وكان ذلك يُمثِّل حجر زاوية في إصلاحاته.

كما أثارت تهديدات ولي العهد ضد إيران ولبنان شبح حروبٍ، ليس الجيش السعودي، المُتعثِّر بالفعل في اليمن، مُهيَّئاً لخوضها. وستضطر الرياض إلى الاعتماد على الولايات المتحدة أو إسرائيل في أي صراعٍ جديد.

وفي الوقت نفسه، تُهدِّد حملة التطهير ضد الفساد في الداخل باستعداء أجزاء من الأسرة المالِكة والنخبة المالية، في لحظةٍ يبدو أنَّها تتطلَّب الوحدة، إمَّا لتيسير عملية خلافة العرش وإما لمواجهة إيران.

الاحتياطات تتآكل

وفي ظل تراجع أسعار النفط في السنوات الأخيرة، جمَّدت السعودية مشروعات وأنفقت أكثر من ثلث احتياطاتها المالية؛ ما أدَّى إلى تراجعها هذا الخريف إلى نحو 475 مليار دولار بعدما بلغت 737 مليار دولار في ذروتها أغسطس/آب 2014. وبمعدل الاستهلاك هذا، فإنَّ المملكة ليس لديها سوى سنوات قليلة كي تزيد إيراداتها أو تُخفِّض إنفاقها ليكون بمقدورها تفادي أزمةٍ مالية.

وفي ظل هذه الأحداث، يقول مؤيدو الأمير إنَّ حملة مكافحة الفساد تهدف إلى استعادة مئات المليارات من الدولارات التي سُرِّبت من ميزانية الدولة عبر الفساد المالي والعمل لتحقيق المصالح الشخصية، وهي الأموال التي يحتاج إليها من أجل تمويل خططه التنموية.

لماذا لم يستجيبوا لدعواته للاستثمار؟

وكان الأمير محمد قد ناشد أثرياء المملكة طوال شهورٍ أن يستثمروا في برنامج التحديث الخاص به. بيد أنَّ البعض اشتكى من أنَّ خططه لم تكن مدروسة جيداً وتتسم بالمبالغة ، ويظهر ذلك في مشروع إنشاء مركز أعمال جديد بتكلفة 500 مليار دولار أميركي "للحالمين في العالم" (نيوم)، الذي سيبنى من الصفر مع اعتماده بالكامل على الطاقة النظيفة، وبدلاً من الاستثمار في الوطن، نقل هؤلاء الأثرياء أصولهم بهدوءٍ إلى الخارج.

والآن، لم يعد يطلب منهم الإنفاق طواعيةً. وقال مسؤول أميركي عن حملة القمع وبعض المرتبطين بالأسرة المالكة، إنَّ الحكومة السعودية تضغط على بعض المعتقلين وآخرين لا يزالون طلقاء؛ كي يمنحوها مبالغ كبيرة مقابل تحسين معاملتهم. واستُدعي موظفون لدى بعض المعتقلين قبل أشهُرٍ للإجابة عن أسئلةٍ حول رؤسائهم، الأمر الذي يشير إلى أنَّ عملية التطهير تمت وفقاً لتخطيطٍ سابق.

وقال مسؤولٌ سعودي بارز يدافع عن حملة التطهير هذا الأسبوع، إنَّ ما حدث يهدف إلى إظهار أنَّ قواعد العمل القديمة في المملكة قد تغيَّرت.

وأضاف المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: "الفساد منتشر في كل المستويات، ويجري فقدان مئات المليارات من الريالات من الاقتصاد الوطني سنوياً. كان الهدف الرئيس هنا هو إحداث صدمةٍ، وبعث رسالةٍ مفادها أنَّه لن يجري التساهل مع ذلك بعد الآن وأن لا أحد مُحصَّن".

الأمراء الأكثر فساداً طلقاء!

وكان الفساد مستوطِناً بصورةٍ كبيرة منذ فترةٍ طويلة، بدءاً من عقود حكومية متضخمة لمشروعاتٍ كُبرى إلى رشى بسيطة للحصول على جوازات سفر، لدرجة أنَّ عدداً لا يُحصى من السعوديين ساهموا فيه. ومع ذلك، يبدو أنَّ بعض الأمراء سيئي السمعة المتورطين بوضوحٍ في الفساد قد تُرِكوا وشأنهم، الأمر الذي يثير تساؤلاتٍ حول هُوية المستهدفين وأسباب استهدافهم.

وعلى صعيدٍ آخر، تُشير بعض العلامات إلى احتمالية سعي الأمير محمد كذلك لإزاحة المنافسين المتصوَّرين على العرش.

ففي يونيو/حزيران 2017، قام هو ووالده بتجريد الأمير محمد بن نايف، البالغ من العمر 58 عاماً، من منصبي ولي العهد ووزير الداخلية مع وضعه تحت الإقامة الجبرية في قصره مؤقتاً.

وشعر بعض مُحبي محمد بن نايف، ولي العهد المعزول، بالارتياح الأسبوع الماضي، بعد نشر مقطع فيديو يُظهِر تحرُّك الأمير المعزول بحريةٍ في أثناء جنازة أسرية، وتلقيه قبلاتٍ على كتفه؛ تعبيراً عن الاحترام والولاء من مجموعةٍ من محبيه.

لكن يبدو أنَّ هذا العرض لشعبيته المستمرة كان أكثر مما يطيقه الأمير بن سلمان، الذي أمر في اليوم التالي مباشرةً بمصادرة أصول ولي العهد السابق بالإضافة إلى أصول زوجته وبناته، وفقاً لما ذكره شخصان مُقرَّبان من أسرته.

وقالت فاطمة باعشن، المتحدثة باسم السفارة السعودية في واشنطن، إنَّها لا تستطيع التعليق على أية تحقيقات محتملة.

لماذا فعل ذلك؟

ويظن مسؤولون أميركيون أنَّ الأمير محمد ربما يهرع لإغلاق المنافذ المؤدية إلى السلطة؛ تحسُّباً لتنازل والده الملك سلمان، الذي يقول متخصصون ومسؤولون غربيون إنَّه قد يكون مصاباً بالخَرَف، عن العرش رسمياً.

وحين زار ترامب الرياض لحضور اجتماع قمة في الصيف الماضي، ظل الملك جالساً بينما كان يعاني لقراءة بيانٍ مُعَدّ له. وفي بعض الأحيان، كان خطابه ركيكاً، أو مُتقطِّعاً، أو تداخلت كلماته. ونادراً ما يتحدث الملك علانيةً. لكنَّ مسؤولين سعوديين يُصرّون على سلامة قدراته العقلية.

ويقول أنصار الأمير محمد إنَّ التهديدات السعودية الأخيرة ضد إيران ولبنان جاءت رداً على استفزازات لم يستطع تحمُّلها، مضيفين أنَّه في أثناء انشغاله بحملة مكافحة الفساد، أطلق حلفاء طهران في اليمن صاروخاً إيراني الصنع في اتجاه الرياض، وجرى اعتراضه على مشارف المدينة.
وكان رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، قد أعلن استقالته من منصبه في اليوم نفسه، عبر بيانٍ تلفزيوني من الرياض، اتهم فيه إيران وذراعها اللبنانةي، حزب الله، بزرع بذور "الفتن والخلاف والدمار" في المنطقة.

كوشنر وترامب

غير أنَّ كثيرين، من بينهم دبلوماسيون أميركيون حاليون وسابقون، يقولون إنَّ جرأة الأمير محمد تعكس كذلك قناعته بأنَّه يحظى بتأييد ترامب.

وحتى في الأيام الأخيرة لإدارة أوباما، بدأ الأمير محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، الذي كوَّن هو الآخر علاقات عميقة بواشنطن، في الترويج لنظيره السعودي لدى فريق الرئيس القادم آنذاك ترامب باعتباره حليفاً مفيداً. ويبدو أنَّ الأميرين كوَّنا علاقةً خاصة مع غاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره، الذي يبلغ من العمر 36 عاماً، أي في سنٍ مقاربةٍ لسن الأمير السعودي الشاب.

جديرٌ بالذكر أنَّ ترامب اختار المملكة العربية السعودية لتكون وجهةً لأولى رحلاته الخارجية في رئاسته، وأقام الأمير بن سلمان وكوشنر علاقةً قوية جداً، لدرجة أنَّ مسؤولين أميركيين آخرين يقولون إنَّهم لا يجري إطلاعهم على ما يناقشه الرجلان.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، طلب عدم الكشف عن هُويته؛ كي يتحدَّث عن حالة الإحباط التي يجري الشعور بها تجاه البيت الأبيض: "غاريد بمثابة ثقب أسود. فليس لدينا معرفة بالمواقف التي يؤيدها. ولا يمكننا سوى التخمين بناءً على ماهية أفعاله والأماكن التي يذهب إليها".

وأضاف المسؤول: "كان الإماراتيون والسعوديون حريصين للغاية على تشجيعه واستمالته" إلى صفهم في "موقفهم العدواني بالمنطقة".

وعارض مسؤولٌ آخر في البيت الأبيض، أصرَّ كذلك على عدم الكشف عن هويته، تصوير كوشنر بهذه الصورة، قائلاً إنَّه يُطلِع وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي على رحلاته والمحادثات التي يجريها بانتظام.

محادثات منتصف الليل

وكان كوشنر قد أجرى زيارته الثالثة للمملكة في العام الجاري، -والتي لم تكن مُعلَنة هذه المرة حتى عودته إلى واشنطن- في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017.

ويقول مسؤولون أميركيون إنَّ الزيارة شهدت إجراء محادثات مع الأمير بن سلمان حتى وقتٍ متأخرٍ في مزرعة الأخير. ثم أُعلِنت عمليات الاعتقال بعد ذلك ببضعة أيام، وسرعان ما لقيت إشادة ترامب، على الرغم من أنَّ عدة مسؤولين في البيت الأبيض قالوا إنَّ السعوديين لم يُلمِّحوا لكوشنر بأي شيءٍ عمَّا ينوون فعله.

وقال ترامب في تغريدةٍ على تويتر بعد بدء الاعتقالات: "لدي ثقةٌ كبيرة بالملك سلمان وولي عهد المملكة العربية السعودية، فهما يعيان تماماً ما يفعلانه". وأضاف: "وبعض أولئك الذين يُعامَلون بصرامةٍ كانوا (يستنزفون) بلادهم لسنوات".

وقالت فاطمة باعشن، المتحدثة باسم السفارة السعودية، إنَّ المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة "تتمتعان بمجموعةٍ واسعةٍ من المناقشات التعاونية"، لكنَّها أكَّدت أنَّ "الشؤون الداخلية تبقى شؤوناً داخلية وحسب".

لكنَّ المسؤول سالف الذكر بوزارة الخارجية الأميركية قال إنَّ دبلوماسيي وزارته والبنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية، جميعهم شعروا بـ"خطرٍ متزايد"؛ لأنَّ الأمير محمد "يتصرف بتهورٍ من دون مراعاةٍ كافية لعواقب سلوكه المحتملة، وقد يضر ذلك بمصالح الولايات المتحدة".

تحميل المزيد