المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر يصرح بأن الحكومة العراقية هي من تحدد الدور التركي في معركة الموصل، وأن أي دور تركي منوط بالتنسيق مع العراقيين، وعلى كل الدول الجارة للعراق احترام سيادته ووحدة أراضيه.
من جانب آخر، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، إنه لم يتم بعد الاستعانة بطائرات تركية في الهجوم الذي يستهدف استعادة مدينة الموصل العراقية من تنظيم داعش، ولكنه قال إنه سيتم إرسال طائرات عندما يأتي الوقت المناسب لذلك، بينما في هذا الوقت القوات الكردية والعراقية تسيطر على نحو 20 قرية على أطراف المدينة في اليوم الأول من عملية استعادة آخر معقل كبير لتنظيم داعش في العراق.
مع هذا دخلت تركيا في أزمة مع بغداد، بسبب وجود القوات التركية في معسكر بعشيقة شمال العراق والأطراف المشاركة في عملية الموصل؛ حيث دربت ما يصل إلى 3000 مقاتل يشاركون في العملية، لكنها قلقة من أن يؤجج الهجوم التوترات الطائفية، ويؤدي إلى تغييرات ديمغرافية في الموصل وعمليات انتقام، كما صرح بذلك عدة مرات الرئيس التركي.
وهنا صار واضحاً أن الدور الذي تتطلع إليه أنقرة في معركة الموصل يلقى رفضاً قاطعاً من قِبل بغداد، فقد تحول الجدل بهذا الخصوص إلى حرب تصريحات إعلامية وتحذيرات من الحكومة العراقية بأن أي تدخل عسكري تركي سيؤدي إلى حرب إقليمية، ومطالبة تركيا بسحب قواتها.
طالما أن المعركة لم تدخل في المرحلة الأهم منها، وأن واشنطن حريصة على أوسع مشاركة فيها، السؤال هنا: ماذا لو فشلت الإدارة الأميركية في تأمين مشاركة تركيا في معركة الموصل بسبب رفض بغداد؟ هل هناك احتمال توسيع عملية درع الفرات لتشمل الحدود مع العراق؟ وما هي الخطة "ب" التي تحدث عنها الرئيس التركي؟
تعني الموصل شيئاً مختلفاً تماماً بالنسبة لتركيا، كانت المدينة العراقية منذ أقل من مائة عام هي جزء من السلطنة العثمانية، وقد احتلتها القوات البريطانية بعد توقيع هدنة مودروس في عام 1918 بين السلطنة العثمانية والحلفاء، التي نصَّت على توقف الحرب بين القوات البريطانية والعثمانية، ولهذا اعتبرت السلطنة ما حصل يومها خرقاً للهدنة، دون أن تنجح باستعادة الموصل.
ولاحقاً عندما وقّعت تركيا اتفاقية لوزان في عام 1923، التي تعتبر النهاية الرسمية للسلطنة العثمانية والاعتراف بالجمهورية التركية الجديدة وفق الحدود الجديدة المتفق عليها، بقيت قضية الموصل خارج المعاهدة لتبت فيها عصبة الأمم، التي أرسلت بدورها لجنة تقصي حقائق أوصت بأن تبقى المدينة تابعة للعراق، وقد وافقت تركيا على ذلك، ووقعت اتفاقية ترسيم حدود مع العراق في عام 1926.
وبقيت الموصل تابعة للعراق الذي كان قد غيَّر اسم المحافظة إلى محافظة نينوى، في جميع الأحوال، لا تستطيع تركيا تخيل معركة الموصل من دونها، للأسباب التاريخية التي تحدثنا عنها؛ بل لأنها تعتقد أن مثل هذه المعركة لن تكون حاسمة ومصيرية من دونها.
إعادة ضم تركيا للموصل هي أمر مستبعد بالطبع، لكن هناك تفاصيل تتم مناقشتها حالياً، والاشتراطات الأميركية بأن يكون للعرب السُّنَّة دور أساسي في عملية تحرير الموصل، والقول إن مشاركة العرب السُّنَّة مشروطة بالتعهد بعدم انتشار الجيش العراقي في المدينة بعد نجاح التحرير.
فتركيا رسمت لنفسها استراتيجية قائمة على تحييد كل مهددات الأمن القومي، التي تحصرها في 3 تنظيمات هي: تنظيم داعش، وجماعة فتح الله غولن، وحزب العمال الكردستاني المعارض "بي كا كا"؛ لذلك فهي تريد المشاركة في المعركة؛ لأنها مرتبطة على نحو وثيق باثنين من هذه المهددات، هما "داعش" و"بي كا كا"، ولا تريد تركيا أن يهرب مسلحو "داعش" من الموصل إلى شمالي سوريا، فيزيد تهديدهم للقوات التركية هناك.
وتركيا التي تستضيف نحو 2.7 مليون لاجئ تخشى موجة لجوء أخرى لأهالي الموصل، ذات الأغلبية السنية؛ لأنها لا تستطيع استقبال المزيد من اللاجئين، فأهالي الموصل لن يذهبوا بطبيعة الحال إلى سوريا؛ بل سيتحركون شمالاً نحو تركيا؛ لذلك تريد أنقرة اتخاذ إجراءات ضرورية للتأكد من أن سكان الموصل سيبقون في مدينتهم بعد طرد تنظيم داعش منها.
ومن جانب مهم آخر، تريد أنقرة إحداث نوع من الموازنة في شمال العراق، والإبقاء على كثافة سُنية تكون بمثابة حزام آمن لها، ويقدم لها العون في عملياتها ضد مسلحي "بي كا كا" المتمركزين في جبال قنديل شمالي العراق، وللموصل أهمية كبيرة في تحقيق هذا الهدف، فهي تعد أكبر مدن العراق من حيث الكثافة السكانية.
من جهتها، تناولت الصحف الغربية واقعة الموصل بشيء من الإسهاب والتدقيق؛ إذ انتقدت صحيفة "إندبندنت" ما وصفته بعدم وجود خطط متماسكة في مكانها الصحيح لتقاسم السلطة بين الطوائف المختلفة في الموصل، وقالت إن المدينة في أمَسِّ الحاجة لهذا الأمر بعد طرد "الجهاديين" منها.
ورأت أن المشكلة الحقيقية لهذه المهمة ستبدأ عندما تتم استعادة المدينة؛ نظراً للسياسات الطائفية الانقسامية التي خلفتها حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي التي كانت ترعاها الولايات المتحدة وبريطانيا بعد نهاية الاحتلال.
وأنَّ شن الحملة العسكرية قد يتبين أنه الجزء الأسهل في مهمة الموصل، وأن ما سيتكشف في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة سيلعب دوراً حاسماً فيما إذا كان سيتم نزع فتيل الفتنة الطائفية أو تأجيجها في العراق والمنطقة على نطاق أوسع.
بينما ترى صحيفة "الغارديان" أن دحر تنظيم الدولة لن يحل مشكلات العراق؛ إذ إن عملية الموصل تحمل ثقلاً خاصاً؛ لأن تحرير المدينة سيكون إيذاناً ببداية فعلية لما يمكن أن يسمى ما بعد طرد داعش، وأوضحت أن هناك تشكيلة من الجماعات المختلفة القوية والمدججة بالسلاح التي لها أجندات وطموحات متضاربة؛ حيث يرى كل فصيل تأثيره وسيطرته على المحافظة كنفوذ محتمل في ما يتعلق بالنزاعات المعلقة التي كانت بينهم على مدى العقد الماضي على الأراضي، وتقاسم السلطة وموارد الطاقة بالعراق.
الموقف الرافض لمشاركة تركيا في معركة الموصل تتداخل فيه عدة قوى، وحلحلة هذا الموقف ليست بيد حكومة بغداد؛ بل بيد القوى النافذة سواء إيران أو أميركا. محور الخلاف في معركة الموصل بين تركيا وإيران يدور حول من يدخل المدينة بعد اندحار "داعش".
ستلعب السياسة التركية في الأيام المقبلة الدور الحاسم في الأمر، عبر المفاوضات مع الطرف الأميركي تحديداً، الذي ستكون حساباته مرتبطة بالدور التركي الذي يريده في معركة مدينة الرقة السورية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.