حُمَّى الكلمات

الكلمات رصاصة تُصوّب نحو قلبك دون زناد ودون عتاد وتملأ رمشيك بالرماد، ولا تدع لك حتى حق الاحتضار أو التفوّه بكلمة، وأنت في رمقٍ أخير.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/21 الساعة 07:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/21 الساعة 07:41 بتوقيت غرينتش

الكلمات أجنّة تولد من رحم الليالي، تصرخ قليلاً وتوقظ مَن لا ينام ليربت على أواخر ما قُلتَ بشيءٍ لم تعنِه، يشدّونها، يكسرونها، وأنت تحتاج لضمةٍ وسكون.

الكلمات تُزيح الستار عن زيف الوفاء، وتكشف لك ألّا وفاء مُطلق بينَ بينَ، وأن ما يُسمى مجازاً بالوفاء ما هو إلا أمر نسبي حسب ما تقتضي المرحلة.

الكلمات رصاصة تُصوّب نحو قلبك دون زناد ودون عتاد وتملأ رمشيك بالرماد، ولا تدع لك حتى حق الاحتضار أو التفوّه بكلمة، وأنت في رمقٍ أخير.

الكلمات سيف ذو حدٍّ واحد، والحد الآخر يقبع في غمدِ المعاني المسمومة، يُغزُّ في صميم روحك ويُصيبُ إحساسك في مقتل من مُهلهلٍ كان ثملاً في قيد سكرة.

الكلمات تأتي أيضاً على شكلِ حُقن، حُقن فوستان وأُخرى ياسمين، إن كُنتَ حذِقاً احقن الاثنتين في ذات الوريد، سترتاح، فحقن الياسمين نادرة الوجود.

الكلمات ليست بالضرورة أن تحمل رسالة، فبعضها تكون جوفاء إلا من هدب كاتبها، وهذا الجوف هو بحد ذاته رسالة لا أحد يستطيع أن يفقهُها.

الكلمات البسيطة العابرة المُعبّرة عن مكنونك بعضها يُنتج نقيضاً لسلاستها، البُسطاء يقرأونها نعمة والمُثقّفون يقلبونها نُقمة عليك، ففكرهم النيّر عتّم عليهم أنك تتوجه للبسطاء فيها.

الكلمات أيضاً قرابين وأضاحٍ، كعيد أضحى مثلاً في بلدٍ منكوبٍ كبلدي، يحتفلُ به من ضحّى بآخرين قُبيل ومع حلول الأضحى وأقام مجازر ومن وقاحته دعانا إليها.

الكلمات إن كانت رسالة فهي رسالة واضحة المعالم، الظرف أبيض، والورقة بيضاء، والحبر أسود يُزيّنُهُ شريط بلود الدم، مُقدّمة الرسالة: إلى قتيل.

الكلمات قد تكون لفافة تبغ كالتي أشعلتُها الآن، راحة خلّبية لبضع دقائق، حالكَ كحالها صفاء قلبك في جحيم وصفية اللفافة يُبعثرها الجحيم، وكلا الجحيمين لن يتجاوز الدقائق.

الكلمات بلسم مرئي لنظر العيون، ونبض القلوب، وراحة الروح، وسكون العقل، وشعلة التفكير، وطيب الجوارح، ورهافة الأحاسيس، وأمل الأمنيات.

الكلمات أيضاً تُغيّر مصائر شعوب، وتُشعّب رتابة الأشياء وتشي بخبايا النفوس، وتُنفّس عن مظاليم الحياة، وأحياناً تصل بك إلى حبل المشنقة، إن نطقتها بجنون.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد