في ظل الأزمة بين قطر وبعض من جيرانها في الخليج العربي، بدأت تظهر التداعيات المالية والاقتصادية للموقف.
ويعتمد البلد الذي قاطعته السعودية، والبحرين، والإمارات العربية المتحدة، ومصر على الدول الخليجية الأخرى لتزويده بحوالي 20% من وارداته، ونحو نصف عدد السياح الوافدين إليه، وفقاً لبيانات شركة "أرقام كابيتال" الواقعة في دبي.
وتأتي هذه الأزمة في ظل قيام الدوحة بمشاريع إنشائية تكلفتها مليارات الدولارات بينما تستعد لاستضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
ونقل تقرير لموقع بلومبيرغ عن جاب ميجر، مدير وحدة أبحاث الأسهم بشركة "أرقام" قوله: "نتوقع أن يكون لقرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر تداعياتٌ اقتصادية هامة بالنسبة للاقتصاد القطري، لكنَّ تأثيره سيكون محدوداً بالنسبة لبقية دول الخليج.
وقال نتوقع أن يكون مؤشر أسعار المستهلك أول المتأثرين بهذا القرار، لكنَّ النمو الاقتصادي والمشاريع الحكومية قد تتأثر أيضاً".
وهذا تحليلٌ للكيفية التي قد تؤثر بها الأزمة على الشركات في المنطقة:
القطاع المصرفي
تواجه الودائع الأجنبية، وخاصةً المملوكة للدول الست في مجلس التعاون الخليجي، والتي ساعدت مؤسساتٍ مثل بنك قطر الوطني (QPSC) والبنك التجاري (QSC) أخطاراً وشيكة.
إذ يعتمد النظام المصرفي المحلي في قطر بصورةٍ كبيرةٍ على تدفق الأموال الأجنبية، وبلغت ودائع غير المقيمين حوالي 24% من إجمالي حجم الودائع الموجودة في المصارف بقطر، والبالغ عددها 18 بنكاً في أبريل/نيسان 2017، وفقاً لبيانات البنك المركزي. وفي المقابل، تبلغ نسبة ودائع غير المقيمين من إجمالي حجم الودائع في السعودية حوالي 1.2%، وفي الإمارات نحو 12%.
الخاسرون المحتملون: طُرِحَت أسهم بنك قطر الوطني للتداول خلال الأسبوع الماضي بأدنى سعر لها منذ عام 2013 مقارنةً بأسعار أسهم البنوك العالية المنافسة له، وذلك بناء على تقييم للسعر على أساس تقدير الأرباح المستقبلية.
ويقول آرثي تشاندراسيكاران، نائب رئيس وحدة الأبحاث بشركة شعاع كابيتال في دبي: "يعتمد بنك قطر الوطني بشكلٍ كبير على التمويل الأجنبي، وبالأخص السوقين الخليجي والمصري".
وتابع: "سنُحجم عن شراء أسهم البنوك القطرية بشكلٍ عام رغم حركة التصحيح الحادة مؤخراً".
ووفقاً لشركة مينا كورب، فإنَّ البنوك الإماراتية الكبرى مثل بنك أبو ظبي الأول وبنك الإمارات دبي الوطني قد "تعاني من تراجع أنشطة الأعمال القادمة من قطر".
وتقول شركة الوساطة المالية المتمركزة في دبي: "قد يؤثر هذا على الودائع والقروض، إذ قد يلجأ العملاء المقيمون في قطر إلى سحب أموالهم لتجنب غموض القرارات الحكومية الخاصة بتجميد الحسابات المصرفية وغيرها من الإجراءات".
قطاع الطاقة والخدمات
الرابحون المحتملون: قد تكون شركة الكهرباء والماء القطرية "الشركة القطرية الوحيدة التي يراها المستثمرون أكثر أماناً من غيرها" رابحة وفقاً لسانيالاك مانيبهاندو، مدير وحدة الأبحاث بشركة الأوراق المالية NBAD. وتراجعت أسهم الشركة بحوالي 9% خلال الأسبوع الماضي.
وقد يعزز النزاع الدبلوماسي من موقع الشركات الأميركية المصدرة للغاز الطبيعي في السوق العالمية. إذ حوّلت الناقلات الحاملة للغاز الطبيعي المسال القادمة من قطر مسارها بعد بدء الحصار الاقتصادي. وعلى النقيض من العديد من شحنات الغاز الطبيعي المسال، لا تتقيد الشركات الأميركية بأي عقدٍ يُلزمها بتصدير الغاز إلى وجهات معينة، ما يجعل المصدرين الأميركيين مصدراً مرناً للوقود. وبينما يتصاعد التوتر، قد تختبر الشركات الأميركية ارتفاعاً في حجم الطلب على المعروض الوفير من احتياطي الغاز الصخري الأميركي.
الخاسرون المحتملون: لا تزال شركة دولفين للطاقة، والتي تُزوِّد الإمارات وعمان بحوالي 2 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي القطري في اليوم عبر أنابيب تحت سطح البحر يمتد طولها إلى مسافة 364 كيلومتراً، تعمل رغم التوتر الدبلوماسي. وسيؤدي أي إغلاق محتمل لخط الأنابيب إلى التسبب في "مشكلة حادة" في الإمارات، إذ يرتفع الطلب على الكهرباء في الصيف، وفقاً لروبن ميلز، مدير شركة قمر لاستشارات الطاقة والمتمركزة في دبي.
قطاع الأغذية
الرابحون المحتملون: تُجري قطر مباحثاتٍ مع إيران، وتركيا، وغيرها من الدول لتأمين احتياجاتها من الغذاء والمياه. ويقول تويجون أوناران، مدير وحدة الأبحاث لدى شركة أوياك للأوراق المالية في إسطنبول: "يتوقف مدى تأثر أسهم شركات تصنيع الأغذية على نوعية الأغذية التي قد تطلبها قطر.
وستستفيد على الأرجح شركات بانفيت، وبينار إت أون، وبينار سوت، سواءٌ كان الطلب على منتجات الألبان، أو الدجاج، أو اللحوم".
الخاسرون المحتملون: تُعَدُ شركة الخليج للسكر، وهي أكبر شركة مطلة على الساحل في العالم لتكرير السكر، ويقع مقرها في دبي، شركة تكرير السكر الوحيدة في الإمارات العربية المتحدة، وفقاً لما ذكرته مؤسسة "إس أند بي غلوبال بلاتس" المتخصصة في نشر بياناتٍ عن قطاع الطاقة.
وجاء في تقريرٍ صادر عن شركة "إيه دي إم إنفيستور سيرفسز" المتخصصة في الوساطات الاستثمارية أنَّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قد أوقفتا تصدير السكر الأبيض إلى قطر.
وستسارع الهند وبعض الدول الأوروبية إلى تلبية احتياجات قطر من السكر، وفقاً لما ذكره يزيد الملاط، الرئيس التنفيذي لشركة البحرين العربية للسكر.
وتعتمد شركة المراعي لمنتجات الألبان، والتي يقع مقرها في الرياض، على جيرانها من الدول الخليجية في تحقيق أكثر من ربع إيراداتها، مع أنَّ الحصة التي تُسهم بها قطر في هذه الإيرادات غير معروفة.
وكانت أسهم الشركة قد انخفضت إلى أقل مستوى لها في ثمانية أشهر يوم الإثنين الماضي، 5 يونيو/حزيران، وهو أول أيام الأزمة.
وقال مانيبهاندو، المُحلِّل في بنك أبو ظبي الوطني، إنَّ الأسهم، التي تعافت قليلاً منذ ذلك الحين، من المُرجَّح أن تنتعش أسرع من أسهم الشركات الأخرى لأنَّ نشاطها متنوع تنوعاً جيداً على المستوى الإقليمي.
تمتلك شركة أولكر، وهي أكبر شركةٍ تركية لإنتاج الحلويات والوجبات الخفيفة، 11% من أسهم سوق تجارة البسكويت في مصر، و18% من أسهم سوق تجارة البسكويت في المملكة العربية السعودية.
وقال بهلول كاتاس، وهو محلِّلٌ في شركة "دينيز إنفيست" للتخطيط المالي التي يقع مقرها في إسنطبول: "تشعر شركة أولكر بمرارةٍ من الخلاف بين دول الخليج، إذ كانت الشركة تضع عملياتٍ وخططاً من أجل التوسُّع". ويُذكَر أنَّ أسهم شركة أولكر قد انخفضت بنسبة 6.5% الأسبوع الماضي.
النقل والمواصلات
الرابحون المحتملون: أكبر المستفيدين هما شركتا طيران الخليج والخطوط الجوية السنغافورية، اللتان تتنافسان مع شركة الخطوط الجوية القطرية على مسارات النقل الرئيسية.
وقال ديوجينيس بابيوميتيس، مدير قسم الطيران بشركة فروست أند سوليفان المتخصصة في الأبحاث التسويقية: "إذا أخذنا في الاعتبار أيضاً التأثير السلبي المحتمل على العلامات التجارية عبر جميع شركات النقل في دول مجلس التعاون الخليجي، سنجد أنَّ أكبر المستفيدين هم شركات طيران سنغافورة، ولوفتهانزا، وشركات الطيران المحلية الرئيسية في المسارات الجوية الأساسية، مثل شركات الخطوط الجوية الماليزية، والخطوط الجوية الفلبينية، والتايلاندية، والسريلانكية". بالإضافة إلى شركات الخطوط الجوية الأخرى في هذه المسارات، مثل شركة الخطوط الجوية الكويتية، وشركة السعودية للطيران، وشركة الخطوط الجوية الفرنسية (كيه إل إم)، والتي من المُرجَّح أن تشهد زيادةً في عدد الحجوزات.
وقال نيل ديفيدسون، وهو محلِّلٌ بارز في شركة دروري القابضة لاستشارات الشحن، إنَّ الموانئ العمانية والإيرانية قد تستفيد أيضاً. ويُذكر أنَّ معظم الحاويات التجارية المتجهة إلى قطر كانت تمر عبر الإمارات والسعودية. ويمكن أن يكون البديل هو تشغيل سُفن من الموانئ المركزية في الدول التي لا تشملها المقاطعة. وهناك خيارٌ آخر متمثل في الموانئ الكويتية، ولكن ذلك سيؤدي إلى انحرافٍ كبير في مسار السفن.
الخاسرون المحتملون: من المتوقَّع أن تكون شركة الخطوط الجوية القطرية التي تمتلكها الحكومة القطرية واحدةً من أكبر الخاسرين في هذه الأزمة. إذ تُسيِّر الشركة 52 رحلةً يومياً إلى الدول الأربعة، وفقاً لبياناتٍ صادرة عن شركة "أو إيه جي" المتخصصة في تقديم معلوماتٍ عن الرحلات الجوية. ويمكن أن يتأثر حوالي 30% من إيرادات شركة الخطوط الجوية القطرية، وفقاً لما ذكره بابيوميتيس، مدير قسم الطيران بشركة فروست آند سوليفان، والذي أضاف أنَّ تأثير الحظر ربما يكون هائلاً، ويعتمد التأثير المالي على طول مدة تعليق الرحلات.
ونقلت "بي بي سي" عن غانم نسيبة، مدير شركة "كورنر ستون" للاستشارات: "إذا كانت هناك رحلة إلى أوروبا تستغرق في المعتاد ست ساعات، وأصبحت الآن تستغرق ثماني أو تسع ساعات لاضطرارها لتغيير مساراتها، فإن ذلك سيجعلها أقل جاذبية بكثير، وربما يبحث المسافرون عن أماكن أخرى."
ويمكن أن تستفيد شركتا طيران الإمارات وطيران الاتحاد الوطنيتان الإماراتيتان على المدى القصير، لأنهما ستستقطبان حركة النازحين من شبكة عملاء شركة الخطوط الجوية القطرية، حسب شركة "أرقام كابيتال".
ولكن على المدى الطويل، يقول محللون إنَّ التأثير السلبي سيفوق التأثير الإيجابي. ومن المتوقَّع أن تشهد دول الخليج انخفاضاً في معدلات سفر رجال الأعمال، مما سيؤثر على حجوزات الدرجات المتميزة وأسعار السفر بها عبر المنطقة. ومن المُرجَّح أن تُزيد شركة الخطوط الجوية القطرية تخفيضاتها على أسعار السفر لضمان استقرار تدفُّقاتها النقدية، وهو ما سيؤثر بالتبعية على أسعار الرحلات الجوية في المنطقة بأسرها. وسيؤثر عدم الاستقرار الجيوسياسي الملحوظ في منطقة الخليج والدعاية السيئة تأثيراً سلبياً على سمعة العلامات التجارية لشركات النقل الخليجية على المستوى العالمي.
الإنشاءات والعقارات
الخاسرون المحتملون: قال مجد دولا، وهو من كبار مُحلِّلي الأبحاث في شركة "الرمز كابيتال"، المتخصصة في مجال تداول الأوراق المالية، إنَّ شركة "درايك أند سكال" الدولية (ش.م.ع) المتخصصة في أعمال الإنشاءات ويقع مقرها في دبي، والتي خفَّضت قيمتها السوقية بأكثر من 10% هذا العام، لديها مشروعاتٌ بقيمة 500 مليون درهم إماراتي (حوالي 136 مليون دولار) في قطر، فضلاً عن توقيع الشركة عقداً بقيمة 343 مليون درهم إماراتي (حوالي 93 مليون دولار) لإنشاء المرحلة الأولى من مترو الدوحة، والذي من المفترض أن يكتمل بحلول عام 2020، وفقاً لما ذكرته شركة مينا كورب للخدمات المالية.
وقال دولا إنَّ شركة أرابتك الإماراتية القابضة (ش.م.ع) لديها مشروعان مشتركان في قطر، في انتظار حل القضايا القانونية ومشكلة المستحقات.
وأضاف: "من الصعب جداً تحديد حجم التأثير المباشر على هذه الشركات، ومع ذلك، لن يكون التأثير إيجابياً على المدى القصير". ويُذكر أنَّ أسهم هاتين الشركتين قد انخفضت بنسبة 41% هذا العام.
وكانت شركة داماك الإماراتية للعقارات، والتي يقع مقرها في دبي، قد بدأت الشهر الماضي في أعمال بناء برجٍ سكنيٍ فاخر مكوَّن من 31 طابقاً، فضلاً عن بناء مبنيين شاهقين آخرين في البلاد. ومع ذلك، لا تبلغ نسبة العائدات التي تجنيها شركة داماك من خارج الإمارات العربية المتحدة سوى 5%، وفقاً لما ذكرته في بيان أرباح الربع السنوي الأول الصادر عنها.
الإعلام والترفيه
الرابحون المحتملون: لم تجنِ شركة اتصالات قطر، واسمها المختصر أوريدو (ش.م.ق)، التي يملكها القطريون، سوى 6.6% من عائداتها من دول مجلس التعاون الخليجي في العام الماضي. وكانت أسهم الشركة قد انخفضت بنسبة 6.1% في الأسبوع الماضي، ولكنَّ قيمة أصول الشركة لم تشهد تغيُّراً على المدى القصير، وقد يوفر بيع الأصول الذي حدث مؤخراً فرصة شراءٍ تكتيكية، وفقاً لما ذكره بنك أرقام كابيتال.
الخاسرون المحتملون: تُعد شركة "دي إكس بي" للترفيه، والتي يقع مقرها في دبي، والمتخصصة في تشغيل مُدن الملاهي، إحدى الشركات المعرضة للخسارة، إذ أنَّ ثاني أكبر المُساهمين في الشركة هو جهاز قطر للاستثمار. وقال دولا، المُحلِّل في شركة الرمز كابيتال، إنَّ الشركة "قد تواجه مزيداً من الضغوط إذا تأزَّم الموقف أكثر من ذلك". وقد تواجه خطط الشركة من أجل التوسُّع، بما في ذلك خططها للتوسُّع في قطر، تحدياتٍ في ظل تزايد عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.