سأخرج عن طوري لبعض وقت حتى أنهي هذه الكلمات، إن كان لهن نهاية بين دفَّتي هذه المقالة.
هل يحب أحد من العالَمين أن يجرب أن يكون عربياً لبعض الوقت؟ من المحبب أن يكون أجنبياً بيننا (طبعاً ليس ريجيني أو من هو بحكمه) ولكن عربي فأنا أشك في ذلك.
هل سيرضى أن يتخلى عن إنسانيته؛ لأنه لا يستطيع إلا أن يتخلى عنها. أن يصبح ويعامل كالحيوانات، وفي الحيوانات الكواسر والأليفة. أن يعامل بغريزته لا بعقله. وكل الإناث مباحات له، هذه آخر امتيازات العقول المنحرفة، العقول العربية المنحرفة، كل الإناث مباحات إن لم يكن جنساً فقتلاً.
يعجبني تحليل مصطفى صادق الرافعي في "السحاب الأحمر" عن الوصف الحيواني بأنك لن تحمل الحقد على حيوان آذاك، بينما تحمل مختلف أنواع الضغائن على بشري مسَّك بسوء؛ لذلك إن أردت أن يتطهر قلبك من الأحقاد، احسب ذاك الشخص الذي آذاك حيواناً من الحيوانات.
من نحن العرب في هذا العصر الحديث، لقد بدأنا نحيد عن أن نكون مادة الإسلام، فماذا تبقى لنا من أنفسنا؟ طوائف يقتل بعضنا بعضاً، مادة للعنف واختبار الأسلحة، قبائل تتقاتل وتتصارع على فتاتٍ يتساقط من بقايا الموائد، مضرب مثلٍ فيمن يقيم للظلم نظاماً ودولة.
أنا نفسي جُنّ جنوني وأخذت أشرق وأغرب عندما وجدت نفسي مظلوماً في دولة عشائرية لا يأخذ الضعيف فيها حقه إلا بأسباب من الناس.
أما أسباب الله فقد تعاضد الجمعُ على إبطالها عندما اعترفوا بسيادة أحقية الواسطة والمحسوبية على أحقية الكفاءة، وعلى عدم اعتبارهما شكلاً من أشكال الفساد وتضييع الحقوق.
فماذا يفعل مَن كل سلاحه كفاءته في مثل هذه الدولة وهؤلاء الناس؟ إنهم حقاً كما وُصِفوا "مجتمع الكراهية"، وأنا جربت معاني هذا الوصف جيداً. ولمن لا يعرف التاريخ هذا وصف شخصية بموقع رئيس وزراء في فترة جد حرجة.
إذا خرجتَ عن جميع الأطوار إلا طور "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا مَن ظُلم" فأنت مجنون مع أن معك دليلاً واضحا من كتاب الله.
أما جنون (اجرِ جري الوحوش.. رزقك ورزق غيرك تحوش) فهذا شيء مقبول وعادي وطبيعي في "مجتمع الكراهية".
في المجتمعات العربية الجميع عميان عما يفعله المتنفذون ما داموا ممن يحملون العِصِيّ، أما إذا تجردوا من مناصبهم وذهبت ريحهم، فإن قوانين أخرى تطبق عليهم، ويصبحون أمام خلفائهم عراة كما خرجوا من بطون أمهاتهم.
لماذا أكتب خارج البلد؟ لماذا اخترت "عربي بوست" للكتابة وتركت المواقع المستوطنة؟ لأنه لا توجد فائدة، حتى صدى صوتك سوف يضيع، ولن يتذكرك أحد، فأنت لست على قائمة دفع ما، ولست على قائمة رواتب ما، ورأيك غير مهم، وبعد أكثر من مائة مقال رأي، فإن رأيك غير معتبر حتى في بيتك الذي تسكن فيه.
صناعة الأمجاد كاسدة ما دامت صناعة العقول كاسدة، وأنا أرى أشخاصاً ممن لديهم فرص أفضل من فرصي لديهم نتائج أسوأ من نتائجي لنفس الأسباب في حالتي.
وأرى أشخاصاً لا يحملون مقومات النجاح يصولون ويجولون وكأن الشركات بقايا من بواديهم؛ لأن لهم لسانَ أمرٍ عند متنفذ مقتدر، فلا يمكن الانقلاب على مثل هذا الوضع إلا بجنون ما، أو بمجنون ما.
وطبعاً لا ينطبق التعريف الاصطلاحي على الجنون هنا؛ لأن ما يُستجاب به من مظاهر جنون هو قمة العقل، ولو أن أوضاع الوظائف ميسّرة ما بقي أحد مظلوماً في مكانه، فحاله يقول: راتبي آتيني آخر الشهر وأما بقية الأشياء فإلى حيث ألقت أم قشعم (أي إلى مصيبة الموت).
أنا لا أكتب ترفاً ولا طمعاً في جائزة ما وأكتب في: المقالة، الشعر، القصة القصيرة، الهايكو عند محمود الرجبي، وأخيراً أكتب أبحاثاً علمية في مواضيع لم يسبر أغوارها أحد قبلي، في الطاقة والزمن والأكوان المتعددة.
ومع كل ما سبق فأنا أحمل درجة الماجستير في مجالي وأعمل في مجال دراستي، إن أسوأ شيء في موقفي هو ليس فقط أن أجد شخصاً قد سلب منصباً هو لي بمحسوبية وواسطة ما، ولكن أن أجد مَن يصحح لي لغوياً وعلمياً.
بعد أن كتبت أبحاثاً عن صيغ الطاقة الكلية والحركية وبالاستنتاج طاقة الوضع أجد من يصحح لي علمياً.
ما هي مقومات الفاشلين إذا كنت أنا فاشلاً؟ لا يوجد شخص فاشل بل مجتمع فاشل، الجميع يضحكون عليك.. الجميع يخدعونك، حتى الشهادة التي تتفاخر بها لديهم مثلها، لكن بطريقتهم.
قدمت أول بحث علمي لي إلى مؤتمر محلي فلم يُقبل.
عندما استفسرت عن السبب من الأساتذة الذين رفضوه ممن درسوا معي في مرحلة الماجستير قالوا بأن البحث لا يحوي نتائج وأنه عبارة عن نقاش رأي لكاتبه، وذاك كان صحيحاً لكن، غير منطقي، ألم يكن من اللائق إرجاع البحث إلى مصدره لإضافة النواقص، هذا الحديث هو عن بحث منشور الآن في مجلة محكمة.
لقد سردت هنا كثيراً من حديث النفس للنفس فهل هذا موضوعي؟ إن طبيعتي أن أكتب كلمات وليس أقوالاً، فالذين يكتبون الكلمات قلة لكن القائلين كثر.
في كثير من الأحيان كنت أظن أنني سأعاقب، وفي أقل جواب أن أفصل من عملي ولكن ذلك لم يحدث. لماذا؟ هل السبب أنني مهجور لا يقرأ لي أم أن هناك سبباً آخر في ظل التركيز المستمر على كل شاردة وواردة؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.