من سيدفع الثمن باهظاً في تونس؟

الهدف الرئيسي الذي أراده الرئيس الباجي إشراك جميع الأطراف في الحكم من أجل تقاسم الحمل كي لا يثقل كاهل طرف دون آخر والهروب من أزمة شقوق حزبه، كما لا يخفى على أحد أنه أراد أن يمرر برنامج الإصلاح الهيكلي الذي سطره صندوق النقد الدولي للاقتصاد التونسي واعتبره العديد من الخبراء مدمراً.

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/22 الساعة 03:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/22 الساعة 03:34 بتوقيت غرينتش

كانت وثيقة "اتفاق قرطاج" اتفاقاً على برنامج عمل حكومي أبرمته 9 أحزاب سياسية و3 منظمات وطنية بقصر قرطاج، تحت إشراف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، ووقّعت عليه كل من حركة نداء تونس وحركة النهضة وحزب المبادرة والاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس وحزب المسار والحزب الجمهوري وحركة الشعب وحركة مشروع تونس، وكان الاتحاد العام التونسي للشغل من بين الثلاث منظمات الموقعة على الوثيقة..

فالهدف الرئيسي الذي أراده الرئيس الباجي إشراك جميع الأطراف في الحكم من أجل تقاسم الحمل كي لا يثقل كاهل طرف دون آخر والهروب من أزمة شقوق حزبه، كما لا يخفى على أحد أنه أراد أن يمرر برنامج الإصلاح الهيكلي الذي سطره صندوق النقد الدولي للاقتصاد التونسي واعتبره العديد من الخبراء مدمراً.

والجدير بالذكر أن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، أكد في أكثر من مناسبة بأن الاتحاد لن يمنح الحكومة صكاً على بياض، وأنه سيراقب مدى التزامها بأولويات العمل والبرنامج المتفق عليه، والذي ورد في وثيقة قرطاج.

الملفت اليوم عندما تطلع على بيانات المنظمات الوطنية، وخاصة اتحاد الشغل وتصريحات قيادات مختلف الأحزاب المشاركة في الحكم بخصوص مشروع قانون المالية 2017، تزيد قناعة ويقينا بأن حكومة الشاهد لا يمكن أن تكون حكومة
"وحدة وطنية"، وإنما هي عملية تحيل جديدة تقترفها الأحزاب الحاكمة في حق الشعب التونسي المسكين الذي دفع وسيواصل دفع الثمن باهظاً من قوته وحريته وكرامته!

فالسيد رئيس حكومة الوحدة الوطنية يوسف الشاهد يصرح في حوار لجريدة الشروق التونسية نشر الأربعاء 19 أكتوبر 2016، أن البلاد تمر بوضع استثنائي بكل المقاييس، خصوصاً وأن العجز في قانون المالية التكميلي قد بلغ 3 آلاف مليار دينار.

وأكّد الشاهد أنه إذا لم يتم إنقاذ المالية العمومية، فإن الوضع الاقتصادي لن يتغير معبراً في الوقت ذاته عن أسفه لما آلت إليه وضعية المالية العمومية التي شبهها بالبيت الذي يحترق.

وأشار رئيس الحكومة يوسف الشاهد في هذا الصدد، إلى أن الهدف هو إنقاذ المالية العمومية وإطفاء الحريق في البيت منبهاً إلى أنه إذا سقطت هذه الحكومة.. فإنها ستسقط على رؤوس الجميع على حد تعبيره.

رد الاتحاد العام التونسي للشغل لم يتأخر كثيراً، حيث اعتبر أن تراجع الحكومة في الزيادة في الأجور المتفق عليها مع حكومة الحبيب الصيد إخلالاً بوثيقة اتفاق قرطاج، وأن التنكر للالتزامات لا يساعد على الحوار.. وهي عوامل تدفع إلى التشنجات وإلى انعدام الاستقرار الاجتماعي، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى ذلك على حد تعبيره، وأكد أنه لم يلمس من خلال قراءة أولية لدى الحكومة إرادة حقيقية في مقاومة الفساد ومحاربة التهريب والتصدي للتهرب الجبائي واستخلاص ديونها لدى الشركات والمؤسسات، باعتبارها موارد ضخمة للدولة وواجبات قانونية فرطت الحكومة في النهوض بها، وهو ما يدفعها إلى الخضوع لالتزامات خارجية مجحفة ومخلة بالسيادة الوطنية.

كما أضاف السيد حسين العباسي الأمين العام في حوار مع إحدى القنوات التلفزيونة، أن التضحيات لا يجب أن تكون فقط على كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة مطالباً الحكومة باتخاذ إجراءات موجعة لمحاسبة المهربين، مؤكداً أن نصف أموال تونس ضائعة بسبب التهريب والتجارة الموازية، وأن الحكومة مطالبة بمقاومة التهريب والاقتصاد غير المنظم بشكل حقيقي عبر إيقاف كبار المهربين داعياً الحكومة إلى تحقيق العدالة بين الفئات بعيداً عن استهداف ضعاف الحال والأُجراء.

الجدير بالذكر أن قانون المالية لسنة 2017 جاء كبداية تفعيل توصيات المؤسسات المالية الدولية التي تحاول منذ فترة فـرض برنـامج إصلاح هـيكلي مدمر للاقتصاد التـونسي له تبعات اجتماعيّة خطيرة على مستوى عيش المواطنين يقضي بإلغاء صـندوق الدعـم في ظرف 3 سـنوات والترفيع في الضغط الجبائي إضـافة إلى مراجعة صناديق الجراية وصناديق التغطية الاجتماعيّة ورعاية الفئات الفقيرة والتخلي عن الدعم المالي للسلع الضرورية في حياة المواطنين، كالخبز والسميد والشاي والسكر والزيت والمشتقات النفطية، وغير ذلك من السلع التي تشكل القوت اليومي للناس.

كما ستلزم هذه الإصلاحات بتقليص الإنفاق على القطاعات الخدماتية كالصحة والتعليم والسكن والضمان الاجتماعي وبالمقابل زيادة الضرائب على الخدمات اليومية كالكهرباء والمياه والنقل والاتصالات وما شابهها.

فحتى الزّيادة في الأجور المتفق حولها سابق تبقى تعديليّة ولا يمكن أن تغطّي غلاء الأسعار ونسبة التّضخّم، في غياب مراقبة الأسعار والتّحكّم في مسالك التّوزيع ومراقبة الخدمات التّي تشهد كثيراً من الانفلات.

الوضع في تونس ينذر بالخطر الشديد والمواطن "الزوالي" هو من سيدفع الثمن باهظاً لذلك من يريد الإصلاح وينقذ البيت من الحريق فليتخذ قراراً فورياً في تطبيق قوانين مقاومة الفساد والبيروقراطية ومراجعة منوال التّنمية..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد