عن الحصار في دير الزور

أدى حصار الجوع إلى نقص شديد في المواد الغذائية والطبية والمكملات الغذائية، مما خلف أعداداً كبيرة من المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة تلزمهم بأغذية معينة حرموا منها،

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/25 الساعة 06:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/25 الساعة 06:59 بتوقيت غرينتش

تعتبر ظاهرة الجوع من أكثر الأمور التي تعنى بها المنظمات الدولية، والتي عملت أقصى جهودها لمكافحة انتشارها حول العالم، كما قامت بتخصيص يوم عالمي لجعله رمزاً للمشكلة والاحتفال كلما نقص العدد المستفحل للظاهرة، كمنظمات التحالف الدولي ضد الجوع ولجنة الأمن الغذائي العالمي (الفاو) التي سعت للقضاء على مسبباته ووضع الخطط والتنسيق مع باقي الدول حول العالم، لكنها بالرغم من كل جهودها حول العالم فإنها بقيت متجاهلة أزمة الأماكن الشاسعة في سوريا والتي تخضع لحصار جوع متعمد من قِبل النظام وبعض الأطراف الأخرى كتنظيم الدولة الإسلامية الذي يعرف باسم داعش، وكأن الحال أصبح عاجزاً تجاه مشكلة إنسانية متفاقمة، ومن إحدى المدن المحاصرة مدينة دير الزور التي تعاني من حصار كامل منذ 540 يوماً، فقد فرض التنظيم حصاره بشكل رسمي في تاريخ 20-12-2014.

أما القوات الحكومية التابعة لنظام الأسد فقد عززت هذا الحصار عوضاً عن محاربته، مع العلم أن المناطق تقع تحت سيطرتها ونفوذها، وقد استفادت منه ونجحت ببسط سيطرتها على مناطق الجورة والقصور بشكل كامل والمناطق التي استطاعت استعادتها من تنظيم الدولة، وهي أطراف حي الموظفين والبعاجين وجزء من الجبيلة.

أدى حصار الجوع إلى نقص شديد في المواد الغذائية والطبية والمكملات الغذائية، مما خلف أعداداً كبيرة من المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة تلزمهم بأغذية معينة حرموا منها، كما أدت لأمراض الاعتلال الجسدي ونقص الوزن؛ حيث فقد بعضهم حتى الـ25 كيلوغراماً للفرد الواحد وعانى الأطفال من أمراض الهزال ونقص الوزن بشكل واضح، وهناك طفلان قضيا بسبب نقص الغذاء وآخرون أصيبوا بأمراض خطيرة. ومما زاد المعاناة عدم توافر الكادر الطبي، إما لهروب الأطباء إلى الخارج وإما بسبب موتهم.

بعض شبان المدينة كانوا يعبرون النهر سباحة وصولاً للمناطق الخاضعة تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية ليجلبوا القليل من الطعام، وقد قتل الأخير معظمهم.
هذا ولم تصل المدينة أي مساعدات إغاثية إلا مرة وحدة فقط مؤلفة من "كيلو رز وكيلو سمن فقط" تم ذلك حسب بطاقات تابعة لكل منطقة.

وتعاني المدينة منذ سنة ونصف انقطاعاً كاملاً بالكهرباء والمياه التي يندر الحصول عليها بسبب ضخها فقط لأيام قليلة وفقط إلى الطوابق الأرضية، وقد نتج عن ذلك تبعات عديدة منها اضطرار الأهالي إى شراء "البنزين" لاستعمال المولدات بأكثر من 5000 ليرة سورية للتر الواحد، أي ما يعادل (12 دولاراً) حتى يستطيع الأهالي سحب الماء حين يضخ، أما في الأبنية تعبّأ المياه في "بدونات" ويتم تحميلها للطوابق، وقد أصبح الاستحمام بالماء الساخن حلماً بعيداً لا يمكن الحصول عليه.

كذلك صعوبة الحصول على الخبز من أفران الدولة التقليدية، أما أفران التنور الخاصة فتقوم بمنح رغيف خبز واحد للشخص مما يضطره للوقوف في الدور مرة أخرى للحصول على رغيف خبز آخر لو أمكن، يتميز الخبز برداءة الطعم بسبب استخدام الملح فيه بكمية عالية؛ لعدم وجود الخميرة فالملح يعطيه نوعاً من التماسك.

استغلّ تجار الحرب الحصار لصالحهم حيث تم كشفهم عند انتشار شائعات فتح الطريق فكانت تظهر البضائع المخزنة فجأة بأسعار معقولة، لكن سرعان ما يعود سعرها للارتفاع بعد أيام قليلة خمسه أضعاف، ثم تختفي معظم البضائع مرة أخرى.
– تروي مريم ابنة دير الزور:
"للتجار دور كبير في الحصار، حيث يحتكرون البضائع ويقومون بتخزينها وإخراجها للسوق بشكل مقنن وبأسعار عالية جداً، دون تدخّل النظام بتلك الأسعار، بل على العكس كان يسعى للضغط أكثر على الناس المحاصرة، كنا نشتري المحروقات المغشوشة أيضاً بأسعار خيالية.

وعند أي محاولة للخروج من المنطقة يتطلب ذلك دفع مبالغ كبيرة للنظام تصل للمليون ليرة سورية، ولقد قام النظام بالقبض على الشباب بحجة الدفاع عن الوطن، وأخذهم لحفر خنادق أو خدمة الجيش ومنهم من يزج بهم في الجبهات مع "داعش" دون أي خبرة قتالية وكأنهم تعمّدوا زجهم للموت، ومن أكثر المواقف البشعة التي رأيناها تبجّح عناصر الدفاع الوطني بالفواكه والطعام أمام الأطفال".

أما نائلة فتقول:

"بسبب انقطاع الكهرباء والماء عدنا للحياة البدائية، وتحولنا جميعاً إلى استخدام "ببور الكاز" ثم انتهينا إلى استخدام الواوي للطبخ "وهو عبارة عن مجموعة أحجار أو منقل فحم نحرق به كل ما نستطيع حرقه من أجل الطبخ"، المحروقات غير متوافرة وإن توافرت تكون مغشوشة غالباً وبأسعار مرتفعة جداً، أمي كانت تخبز لنا أحيانا بطحين عفن، أسوأ موقف مرّ معي "أني اضطررت إلى أكل الملوخية بعد أن مشى صرصار على طرف الطنجرة لأن الطبخ كان يتم على "الواوي" فوق السطح، أمسكت الصرصار ورميته بعيداً ثم أقبلت على الطعام…
لقد وصل بنا الحال إلى أن كنّا نشتهي حتى البيضة الواحدة، طبعاً إضافة إلى أنّ الأسواق لا يوجد بها سكر أبداً كنا نشرب الشاي بلا سكر والأطفال يمتنعون عن الشرب في كثير من الأحيان.

أما المساعدات فقد احتكرها النظام وقام بتوزيعها على الدفاع الوطني والموالين له من الشبيحة، وأحياناً كان يبيعها لنا بأسعار خيالية وكنا مضطرين لشرائها.

استطعنا أنا وعائلتي الخروج من دير الزور سيراً على الأقدام فأبي كان مريضاً بالقلب، وهذا أعطانا مبرراً للخروج من المنطقة، ولكن بعد أشهر طويلة من انتظار دورنا.

بعد وصولنا لمحافظة الرقة، أجبرنا تنظيم "داعش" على البقاء بها، وعدم الخروج إلى مناطق الكفار كما يسمونها".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد