عن السقوط المريع.. كيف سقط عمرو خالد وغيره؟

عدد القراءات
38,345
عربي بوست
تم النشر: 2018/05/18 الساعة 15:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/19 الساعة 09:02 بتوقيت غرينتش

كشفت ثورات الربيع العربي -سواء كنت معها أم ضدها- عن كثير من الأشخاص والنخب الذين كانوا يعْتلون منبر المجتمع بكل المجالات؛ في الرياضة، في الدين، في السياسة، في الفن… إلخ. سقط الكثيرون منهم أمام أعيننا وتهاوَوا، لكن لاحظت أنه ليس كل سقوط كالآخر، فهناك شيء يسمى "السقوط المريع"؛ أن تسقط من أعلى زَهْوِك إلى حتفك، أن تكون حياً بين الناس بمكانتك ثم فجأةً أنت في القبر يكرهك الناس لكنك لم تمت، أنت ميت لم يتحلل!

بدأت ملاحظة ذلك خارج إطار مجتمعنا مع الممثل كيفين سبيسي، الممثل الأميركي الجبار الذي له أعمال أيقونية، ولديه أدوار حالية في أعمالٍ سينمائية وتلفزيونية كبيرة عالمية، الكل يحبه، الكل يريده، ثم جاءت تلك الفضيحة: الممثل العالمي يتحرش بالأطفال، فضيحة مدوِّية أكدها على نفسه بشكل ما.

بعدها رأيت جميع المنتجين يتبرأون منه وينتزعون شخصياته من أعمالهم نزعاً، حتى وصولها لحد تصوير مشاهده في فيلم all the money in the world من جديد وبممثل آخر بعد أن ظهر في إعلان الفيلم منذ أيام!

شيء صعب أن تسقط من أعلى الجبل بين ليلة وضحاها؛ لذلك كلما ارتفع الشخص مكانةً ينكسر بشدة إن سقط. عرفت وقتها معنى السقوط المريع، وبعدها بعدة أسابيع قليلة شهدت سقوطاً آخر مع بايزيد.

بايزيد

لا يسعك عندما ترى بايزيد إلا أن تقول إن هذا شاب طموح نبيل يحمل رسالة عظيمة للعالم، فهو مخرج شاب مستقل، كل أفلامه القصيرة تتحدث عن معاناة شعبه السوري، وكان يخطط لفيلم طويل يتحدث عن التعذيب في سجون نظام الأسد، من الواضح أنه سيكون عملاً يذيع صيته في العالم أجمع، خاصة مع تضخُّم قضية اللاجئين، لكن لديه مشكلة كبيرة؛ لا يجد التمويل، حاول عدة محاولات لكنها لم تكفِ، ثم سمعنا بعدها عن محاولة قتله في تركيا، بسبب كمين نُصب له من أحد ادَّعى أنه يريد تمويل الفيلم.

حدَّثتني صديقة وقتها عن الأمر وكيف أنها بكت عندما رأت كلمات زوجته سماح عن محاولة قتله، وكيف شعرتُ بموقفها الصعب القاتل، الرجل أصبح شخصية شهيرة بالعالم، وتحمَّس الكثيرون لإنتاج الفيلم، الكل يراه بطلاً، الكل يحبه، الكل يريده، ثم بووووم… بايزيد زيَّف كل ذلك!

ظهرت له فيديوهات واضحة بالصوت والصورة يحكي باستفاضة عن تفاصيل العملية المزيفة التي سيشهد عليها صديق له دون علمه. بشكل ساخر يذكِّرني بالنكتة التي تقول إن شخصاً أراد أن يلفِّق لأخيه جريمة قتل، فقتل نفسه!

لم تقف مسألة تزييفه حادث اعتدائه؛ بل روَّع آلاف السوريين الذين يعيشون بالخارج وخاصة تركيا، وأساء إلى القضية التي يدافع عنها؛ فكل ما سيقوله الناس عن اعتداءات النظام بالخارج سيصبح كذباً وتدليساً، مثل بايزيد.

عمرو خالد

هناك من يكرهون عمرو خالد منذ البداية، وهناك من أحبوه ثم كرهوه بعد تغيُّره، هنا أتحدث تحديداً لمن أحبوه سابقاً ورأوا فيه مَثلاً يحتذى به، وحتى بعد تغيُّره لم يكرهوه وأصبحوا يحتفظون ببعض التقدير عما قدمه لهم من قبل، فقد سقط عمرو خالد كثيراً من الدرجات في مكانته خلال السنوات السابقة، سواء لمواقف سياسية أو لمحتوى فارغ يقدمه في برامجه وأحياناً محتوى جاهل ومزيف.

لكن الأمر وصل معه لحد المتاجرة المباشرة بالدين بغير مداراة، يتحدث في إعلان مبتذل -رآه الجميع تقريباً- عن منتجات الشركة الوطنية السعودية على أنها أكْلها يساعد في قيام الليل وصفاء الروح.

إعلانٌ فجاجتُه تذكِّرني بمشهد من فيلم ترو مان شو: شخصٌ حياته مصورة منذ ولادته حتى الآن ويعرضونها للناس في برنامج تلفزيوني، كل شيء في مدينته مزيف، كل شخص حوله ممثل، عندما تقدِّم له زوجته الأفطار تمسك بعلبة الحبوب وترفعها في ابتسامة مزيفة ووقفة ثابتة، عارِضةً للمنتج وتقول له مميزاته بطريقة إعلانية بحتة.

كلنا نعرف أن هذا إعلان، منتجات "الوطنية" تملأ الشاشة، لكنهم يتظاهرون بأنه ليس كذلك، إنه فيديو عن الدين وقيام الليل وصحة المسلم في رمضان.

يمكن أن يقول البعض إن هذه حقيقة قديمة، إنه كذلك منذ ظهوره.. لا، هو لم يكن كذلك، وكثير ممن سقطوا لم يكونوا كذلك، ذلك شخص أفادنا في كثير من الأمور، ونشهد له على ذلك، ذلك الشخص كان على قائمة أكثر 100 شخصية تأثيراً في العالم لمجلة "التايم" في عام 2007؛ نظراً إلى طريقته الدعوية المختلفة تماماً وقتها والتي كان يقدمها للمسلمين، خاصة الشباب والمراهقين، هذه الطريقة التي أراها الآن مُتكلفَة مزيفة بالفعل.

إنه لشيء يدعو للحزن قبل السخرية؛ أن ترى هذا الانحطاط والانحدار، أن يتحول هذا الحب والتقدير إلى نفور وتقزز!

الكل سقط بدرجات، لم أعهد شخصاً لم يسقط في نظري ونظر الجميع سوى الكاتب الراحل د. أحمد خالد توفيق، لكن هناك من سقط سقوطاً مريعاً من عَلٍ وما أقسى السقوط من علٍ! لربما من سقطوا سيعودون لمكانتهم، لعلهم يعتذرون ويصلون لأعلى مما كانوا عليه، لكن يبقى للجُرح ندبته، ويبقى من صدمة السقوط الحظر وقلة الثقة والشك الدائم في قلوب الشباب.

بالفعل، لقد كان السقوط قاسياً علينا قبل أن يكون قاسياً عليهم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
حسن الشواف
مدون مصري
تحميل المزيد