اندلعت انتفاضة الشعب السوري منذ ربيع العام 2011 كجزء من ثورات الربيع الشعبية التي عمت بلداناً عديدة في المشرق والمغرب تحت شعارات الحرية والكرامة وضد الاستبداد، والتي تصدرتها الحركات الشبابية بشكل أساسي، وإذا كانت تلك الحركات الثورية قد حققت بعض أهدافها في بعض البلدان مثل تونس ونسبياً مصر، فإن البعض الآخر منها قد واجهت عقبات وأزمات مستعصية ما زالت تتصارع معها كما هي الحالة في ليبيا واليمن وسوريا.
هناك مشتركات رئيسية لكل ثورات الربيع مثل الطبيعة الشبابية لقياداتها الأوائل في بداياتها وأهدافها في الحرية والكرامة ورفعها لشعار إسقاط نظم الاستبداد والدكتاتورية وخلو قياداتها بداية (وقبل تسللهم) من المنتسبين إلى الأحزاب التقليدية القومية واليسارية والإسلامية التي تفاجأت أصلاً بحدوث هذه الموجة الثورية، إضافة إلى تجاربها المتعددة مع مؤسسات الجيش النظامي، حيث وقفت المؤسسة العسكرية على حياد أقرب إلى التعاطف مع الثورة في كل من تونس ومصر، بينما وقف الجزء الأكبر منها مع النظام وضد الشعب في سوريا لأسباب قد تكون طائفية -مصلحية- عقائدية.
أزمة الثورة السورية
سوريا كشعب وبلاد تمر بأخطر مرحلة في تاريخها، فنظام الأسد المستبد الفئوي يقتل شعبه منذ أكثر من خمسة أعوام، وفي أحدث إحصائية وصلت أعداد الضحايا قرابة المليون ما عدا السجناء والجرحى والمشوهين، إضافة إلى أن أكثر من نصف الشعب السوري إما مهاجرون أو نازحون، ولم يستجب النظام لإرادة الشعب السلمية من أجل الإصلاح والتطوير في العام الأول من الانتفاضة، حيث كانت سلمية على شكل تظاهرات احتجاجية ومطلبية، وقد جلب النظام الجيوش الإيرانية والروسية والميليشيات المذهبية لدعم سلطته خارقاً بذلك السيادة الوطنية والاستقلال، ولم يكتفِ بذلك، بل ساهم في استحضار الجماعات الإرهابية المسلحة وأطلق هو وحكومة العراق زعماء الإرهاب من السجون والمعتقلات في دمشق وبغداد، حيث ظهرت منظمات القاعدة وتنظيم داعش، كما أرسل النظام الإيراني جماعاته الإرهابية أيضاً، وكان هدف الجميع -وبدعم روسي- إغراق الثورة السورية بجماعات الإسلام السياسي الإرهابية ليظهروا للعالم عدم وجود ثورة وطنية ديمقراطية وأن النظام هو حامي العلمانية.
الاحتلال الروسي
لقد تحولت الطغمة الحاكمة في روسيا (وهي تحالف حاكم من بقايا الأجهزة الأمنية ومدراء الصناعات الحربية وشبكات المافيا العابرة للحدود) إلى العدو الرئيسي للشعب السوري وثورته، بعد أن أقامت كدولة احتلال قواعد بحرية وبرية في الأراضي السورية، وأرسلت آلاف الجنود والضباط ومئات الطائرات الحديثة لتحصد أرواح عشرات آلاف المدنيين في حلب وحماة وحمص وسائر المناطق، ولتقوم بدور حامية نظام الأسد عسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً، ولتقوم أجهزته الأمنية وانطلاقاً من حميميم- ودمشق وموسكو بتفكيك صفوف المعارضة واحتضان جماعات تابعة للنظام وتقديمها كممثلين للثورة والمعارضة.
هناك أسباب وعوامل عديدة لعبت أدواراً في حالات الاستعصاء الحاصلة لمسيرة الثورة السورية منها داخلية وبعضها إقليمية ودولية أي أنها تتوزع بين سلبيات العوامل الذاتية والموضوعية ومن أبرزها:
أولاً – علينا أن نأخذ في الحسبان وكما أسلفنا الدور الرئيسي لمحور -الممانعة-
(نظاما الأسد وطهران وكذلك موسكو والميليشيات المذهبية) في إدامة الحرب والدمار وعرقلة انتصار الثورة ومضاعفة أعبائها وتقسيم صفوفها وإثارة الخلافات بين فصائلها ومكوناتها، وكذلك الموقف المخزي المتباطئ واللامبالي لإدارة الرئيس الأميركي وتخاذل (أصدقاء الشعب السوري!) من النظام العربي الرسمي مروراً بتركيا وانتهاء بدول أوروبا.
ثانياً – لقد أريد للثورة أن تسير نحو المجهول عندما تسللت عناصر الأحزاب التقليدية الإسلامية والقومية إلى صفوف المعارضة وتسلطت على مقدرات كانت مفروضة أن تكون لقوى الثورة والحراك الشبابي وقد لعبت حركة الإخوان المسلمين السورية الدور الأسوأ في عزل تشكيلات ومراتب الجيش الحر وتشتيت صفوفها بدوافع أيديولوجية – حزبية مستفيدة من الجغرافيا التركية والمال الخليجي، كما كان مشهد الثورة وقد تصدرها الإخوان أكبر هدية تقدم لنظام الأسد، إضافة إلى أن المجتمع السوري المتعدد الأديان والمذاهب والقوميات، لم يكن يتقبل وجود الإسلام السياسي على رأس ثورته.
ثالثاً – وعندما ظهر (المجلس الوطني السوري) بعد نحو عام من الثورة، والذي تحول بعد فشله إلى (الائتلاف) تبين أنه وبعد الإعلان السريع اللاديمقراطي والمفاجئ والجانبي عنه، قد تم استبعاد معظم ممثلي المكونات السورية والوطنيين المعارضين الشرفاء، وممثلي تنسيقيات الشباب والمستقلين وسائر نشطاء الحراك الثوري، بالإضافة طبعاً إلى الجيش الحر وقوى الثورة لأخرى وجلب الإخوان شلة من الانتهازيين باسم تيارات سياسية، وكذلك الحركة الكردية المستعدين للبصم لهم على طول الخط وهذا ما أدى إلى فشله وإخفاقه السريع، بعد أن ألحق الأذى بالقضية السورية ودب فيه الفساد المالي.
الحالة الكردية السورية
الوضع الكردي جزء من المشهد السوري العام، إذا أخذنا جانباً بعض خصوصياته فمنذ بداية الانتفاضة شهدت المدن والبلدات والمناطق الكردية وبالتزامن والتكامل مع ما جرى بالمناطق السورية الأخرى تظاهرات احتجاجية تتصدرها تنسيقيات الشباب الكرد حيث نظم نشطاؤها علاقات التعاون والتنسيق مع نظرائهم من مسؤولي الحراك الشبابي الثوري العربي في سائر الأماكن وبغياب شبه كامل لجميع الأحزاب الكردية التقليدية من دون استثناء وبعد مضي نحو عام تأسس
(المجلس الوطني الكردي) في أجواء التمسك بموقف الحياد بين الثورة والنظام وبدلاً من انتهاج طريق الانخراط في صفوف الثورة سلك درب التردد والتذبذب وواجه النشطاء الشباب بغية إلغائهم وإزاحتهم تماماً كما فعلت سلطة نظام الأسد.
وبسبب ذلك الموقف عجز المجلس عن بلورة المشروع القومي الكردي والدفاع عنه والتحاور مع الشركاء من عرب الثورة للتفاهم حوله كما كان ضعفه وهزالته سبباً في قدوم جماعات (ب ك ك) من وراء الحدود والسيطرة على الموقف بدعم مباشر من سلطة الأسد وإقامة مؤسساتها الأمنية والعسكرية والتحكم بكافة المناطق والمعابر الحدودية.
تمارس سلطة -الأمر الواقع- التابعة لحكم الحزب الواحد (ب ي د) كفرع لحزب العمال الكردستاني التركي نفس النهج الذي يسير عليه حكم حزب البعث العربي الاشتراكي في فرض حكم الحزب الواحد، وتكميم الأفواه ورفض المختلف وتصفيته في مناطق سيطرتها بل تمضي في تفريغ المناطق وتهجير الشباب وفرض الأتاوات وسن قوانين منافية لكل الأعراف والتقاليد القومية والوطنية وتسخر كل شيء في سبيل مصالح حزبها الأم وتقدم الشباب الكرد ضحايا صراعاته المحلية والإقليمية وهدايا لمصالح النظامين السوري والإيراني.
في خضم تنازع الأحزاب الكردية وتفكك الصف الكردي وانعدام الأمن والأمان في المناطق الكردية وفشل أحزاب (المجلسين) في تجسيد المشروع القومي والعزلة من الحركة الديمقراطية السورية والثورة، وكما تفضل الأخ مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان (ممارسات الأحزاب الكردية الخاطئة أدت إلى فقدان البوصلة وضياع الشعب الكردي السوري أمام استحقاق هل هو مع الثورة أم مع النظام) أمام كل ذلك فإن الكرد السوريين وحركتهم بأمس الحاجة إلى الإنقاذ بأسرع وقت ممكن.
ومن الجدير ذكره، هناك ومنذ عدة أعوام محاولات جماعية وفردية في الوسط الكردي السوري ترمي إلى الإنقاذ وتغيير الوضع المقلق السائد وفي الآونة الأخيرة تبلور مشروع جاد باسم -BIZAV- يرمي إلى إعادة بناء الحركة الوطنية الكردية السورية عبر عقد المؤتمر الوطني الكردي من الكتلة التاريخية الغالبة في الساحة الوطنية الكردية وقوامها (المستقلون والحراك الشبابي ومنظمات المجتمع المدني وسائر المناضلين القدامى وقسم من جمهور الأحزاب) وقد عمد القائمون على المشروع إلى تقسيم مساره إلى عدة مراحل تبدأ بخطوة استقراء آراء الجمهور عبر وسائل الاتصال الاجتماعي ومن ثم طرح مشروعي البرنامج
(القومي والوطني) للنقاش بواسطة لجان المتابعة في الداخل والخارج تليها الاجتماعات الفرعية الموسعة لانتخاب ممثلين إلى اللجنة التحضيرية لتنظيم المؤتمر ومندوبين إلى المؤتمر العام لإعادة بناء الحركة الوطنية الكردية السورية ويعتبر هذا المشروع المحاولة الأخيرة للإنقاذ والذي ينتظر الدعم والإسناد من الأشقاء والأصدقاء.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.