ماذا في جعبة سلام فياض؟

وعلى ذلك يبدو أن رؤية فياض لم تحمل الجديد بين طياتها إنما هي تكريس للحالة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، والتي سميتها سابقاً حالة "لا سلم - لا حرب، لا دولة - لا تحرر" فالارتباط البنيوي بين الاقتصاد الفلسطيني والإسرائيلي والقائم على هذه الحالة المشار إليها يُضعف أي مبادرةٍ لاستقلال سياسي.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/19 الساعة 03:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/19 الساعة 03:41 بتوقيت غرينتش

قَدّمَ رئيس الوزراء الفلسطيني السابق سلام فياض رؤيته للمساهمة في معالجة المعضلة التي يمر بها النظام السياسي الفلسطيني، ورؤيته للبحث في أولويات الجهد الوطني المبذول للتعامل مع التحديات الراهنة، وذلك في ورقة عمل قدمها في لقاءٍ مع مجموعة من المثقفين والسياسيين والأكاديميين والصحفيين الفلسطينيين بتنظيم من المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، وذلك في إطار سلسلة حلقات النقاش التي ينظمها المركز بعنوان ما العمل؟

ما هو جديد فياض؟

ارتكز سلام فياض في ورقته المعنونة "نحو توافق فلسطيني على برنامج عمل مرحلي" التي أتت في 12 صفحة على ثلاثة محاور رئيسية: أولاً، أن قرارات الشرعية الدولية كحق العودة والحق في تقرير المصير والحق في دولة كاملة السيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية هي أساس الحقوق والوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وأن التفاوض يجب أن يكون بناءً على هذه القرارات. وثانياً، اتخاذ إجراءات عاجلة تكفل وضع حد للانقسام الفلسطيني والتشظي في النظام السياسي وإعادة إدماج قطاع غزة في النظام السياسي، وذلك من خلال الشروع في إدارة التعددية الفلسطينية عبر تشكيل لجنة "تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية"، والعمل على أساس الشراكة السياسية بين الأطياف الحزبية الفلسطينية، وثالثاً، المضي قدماً على جميع المستويات الرسمية والأهلية والشعبية في دحر الاحتلال وتجسيد واقع الدولة الفلسطينية وصولاً إلى دولة القانون والمؤسسات.

وانطلقت رؤية فياض بأنه ولتخطي هذه العقبات لا بد من إيجاد صيغة توافقية فلسطينية ضمن برنامج عمل مرحلي يضمن الشراكة الكاملة والفعلية في صنع القرار لإدارة شؤون "البلاد والعباد"، دون أن يتطلب ذلك اعتماده من كافة مكونات النظام السياسي الفلسطيني تخلي أي من هذه المكونات عما هو قائم من برامج ورؤى، وذلك في سبيل تقديم إطار للانتقال بالوضع الفلسطيني الداخلي لتمكين الشعب من نيل حقوقه وتحقيق تطلعاته.

في نقد رؤية فياض؟

بما يتعلق بالنقطة الأولى وبالعودة إلى السياق التاريخي الذي نشأ به الميثاق القومي الفلسطيني والوطني لاحقاً باعتباره مُكَوّنً رئيسياً للهوية الفلسطينية الحديثة والتقاء مواد الميثاق مع أفكار المشروع القومي العربي بشأن تحرر فلسطين، فقد قامت في ذلك الوقت مجموعة طروحات تؤكد أن قيام حق العودة وحق تقرير المصير كأحد الحقوق والثوابت الفلسطينية أتى على أساس فكرة التحرر من الاحتلال، وليس بناءً على مجموعة القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة بشأن حق العودة، والتي تطالب إسرائيل بالسماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى فلسطين، التي باتت إسرائيل تحتلها وتقيم عليها كيان دولة، وهذا ما يفسر مشاركة الكثير من الفلسطينيين الذين طردوا من أرضهم ضمن صفوف منظمة التحرير الفلسطينية التي اعتمدت في حينه على الكفاح والمقاومة بصفتهما مُكَوّناً رئيسياً للهوية الفلسطينية، وهذا ما ظهر في شعارها آنذاك "وحدة – تعبئة قومية – تحرر".

يقدم رشيد الخالدي في كتابه "القفص الحديدي: قصة الصراع الفلسطيني لإقامة دولة" في جزئه الثالث عن "فشل القيادة" مجموعة من النماذج التي كرست أن الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني ليس وليد اللحظة إنما هو استمرار لحالة فشل سياسي ذريع في التصدي لمجموعة التحديات التي واجهها الشعب الفلسطيني، ابتداءً بالانقسام العميق بين العائلات الفلسطينية الكبرى، لا سيما الحسيني والنشاشيبي وذلك خلال عهد الانتداب البريطاني الذي قام بدعمها وتغذيتها بهدف منع الفلسطينيين من التوحد ضدهم وضد سياسات الحركة الصهيونية، مروراً بالانقسام في ثورة 1939 والانقسام في حدث النكبة 1948، وكل ذلك يفهم جلياً بلا معزل عن الفكرة التي تأسست عليها منظمة التحرير، والانقسام الداخلي الذي ظهر جلياً بعد عام 1974 وذلك بما يتعلق بمشروع التحول من التحرر إلى إقامة الدولة، وصولاً إلى إقامة سلطة فلسطينية، وهذا ما يُظهر أن الفلسطينيين لم يستقروا على رأي يعتبرونه كاستراتيجية لمواجهة الاحتلال، ويطلب الخالدي في نهاية كتابه أن يتم "إعادة قراءة ما هو معروف بالفعل وإعادة التفكير فيه، والاجتهاد في تقديم إجابات جديدة لأسئلة نادراً ما تطرح حول سبب الهزيمة والفشل المروع الذي تعرض لها الفلسطينيون، ولماذا فشلوا في إقامة هيكل دولة لهم؟".

وفي ما يتعلق بالنقطة الثالثة، فإن دحر الاحتلال بحسب إدوارد سعيد وهو من حارب التمييز والعنصرية والاستبداد، مرتبط بكل شخص مؤمن بالعدالة والقيم الإنسانية والحرية والديمقراطية وذلك لا يرتبط فقط بالفلسطينيين فقط، وهو الذي في نفس الإطار عارض تفريط الفلسطينيين بحقوقهم في أوسلو، وقال عن الاتفاقية بأنها "استسلام وليست سلاماً وستحول غزة إلى أكبر سجن في العالم، أما الضفة فهي بانتوستانات محاصرة تعتمد في بقائها على إسرائيل التي تسيطر على هوائها ومائها وحدودها"، ففي وجهة نظر سعيد ومجموعة من المثقفين الفلسطينيين في بيانهم الجماعي أكدوا أن التفاوض على جميع أشكاله ما هو إلا تحسين للاحتلال وإطالة لبقائه؛ إذ إن بناء الدولة والسلام لا يأتي إلا بعد انتهاء الاحتلال.

وعلى ذلك يبدو أن رؤية فياض لم تحمل الجديد بين طياتها إنما هي تكريس للحالة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، والتي سميتها سابقاً حالة "لا سلم – لا حرب، لا دولة – لا تحرر" فالارتباط البنيوي بين الاقتصاد الفلسطيني والإسرائيلي والقائم على هذه الحالة المشار إليها يُضعف أي مبادرةٍ لاستقلال سياسي.

في الختام:

غَفَلَت رؤية فياض عن تقديم تصور حقيقي مدعوم بممارسات حقيقية لثلاث شرائح رئيسية في تكوين المجتمع الفلسطيني، فلم تتطرق الرؤية لذكر الشباب إلا مرتين، وفي كلام غَلَبَ عليه العمومية، كما أغفلت الورقة الإشارة إلى دور الشتات ودور الفلسطينيين القاطنين في الأرض المحتلة عام 1948 فهذه المكونات الفلسطينية هي جزء رئيسي من أي برنامج فلسطيني مرحلي أو غير مرحلي، وتغييب هذه الشرائح الفلسطيني هو تكريس لبناء فلسطيني مجزوء غير جامع.

وقد غَفَلَت ورقة فياض عن الإشارة إلى الأبعاد الإقليمية والدولية، وكأنما الصراع اقتصر على بعد واحد ضيق، وهذا ما أشار إليه إبراهيم الدقاق في كتابه الأخير الذي قدم به نظرة نقدية شاملة للشأن الفلسطيني ولتطور الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي منذ معاهدة سايكس بيكو ووعد بلفور حتى اليوم، حيث يعود الكتاب إلى جذور هذا الصراع وامتداداته التاريخية والجغرافية والاستراتيجية والجيوسياسية، حيث يؤكد أن أي قراءة لحل مرحلي أو دائم لا تفهم دون توسيع النظرة لتشمل البعد الاستراتيجي الاستعماري الغربي ذا الامتداد التاريخي الجيوسياسي في ظل التحولات العربية والدولية مع ضرورة الأخذ بسياقاتها التاريخية.

وفي الختام، يبدو من العقلانية أن يتم فتح المجال ليقوم المثقف الفلسطيني بتقديم طرحه أو إعادة قراءة ما قَدمَهُ من غيبهُم الموت كإدوارد سعيد وغيره، إذ إن إعادة فتح العلاقة بين المثقف والسياسي الفلسطيني ضمن أفق الحوار أصبحت ضرورة ملحة في ظل اعتبار ذلك شرطاً رئيسياً من شروط تحديث الوعي العام الاجتماعي، وفي ظل صعوبة تقديم السياسي لأفكار جديدة، وذلك انطلاقاً من الدور المنوط بكل من المثقف والدور المنوط بالسياسي فكلاهما ركيزة أساسية في أي مشروع نهضوي مجتمعي، خصوصاً في ظل التحديات التي يعانيها النظام السياسي الفلسطيني وضعف رؤية النظام السياسي في البحث عن جهد وطني تشاركي مبذول للتعامل مع التحديات الراهنة التي يواجهها المشروع الوطني، فتغييب دور المثقف يترك مجالاً لخوض المثقف السلبي دوره في المجتمع.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد