تعاني مجتمعاتنا العربية حاليّاً ما تعانيه من جهل وفقر وقهر وحروب، ولكننا نتفاجأ، وفي أكثر مراحل العرب التاريخية حُلكة، بظهور الدعوات الجادة لتعدد الزوجات.
في ظل التفتت الذي نعيش، حيث تتفتت أوطان وشعوب وشخصيّات وحتى عقائد ومعتقدات، تظهر الأصوات العالية، ليس للإصلاح ولا للتوحد، ليس لطرد الظلم أو الفرقة أو التشرد، ليس لمحاربة الفساد، لا، ولا حتى لنقد الظلم؛ بل لتعدد الزوجات.
الحجّة طبعاً موجودة وصريحة، وهي إحياء سنة نبينا الكريم بالتعدد، وإعادة تذكير بثوابت ديننا الحنيف.
وبغض النظر عن الآراء في التعدد، إن كان مع أو ضد، فإننا نستنكر أن نعتبر أن إحياء الدين يقتصر على تفاصيل هامشية دون غيرها، فليتنا كنا نُحيي سُنة النبي الكريم في العفو والتسامح والأمانة والعدل. أمّا أن نختزل الدين في تعدد الزوجات وارتداء الحجاب وفصل النساء عن الرجال، هو أمر يلفت النظر ويثير الاشمئزاز.
الأمر اللافت جداً، أن تلك الدعوات تأتي دائماً في أحلك الأوقات التاريخية، فكلنا نتذكر ما أطلق عليه تسمية الصحوة الإسلامية في السبعينات، والتي كان المُراد منها التغطية على السقوط الكبير للعرب والصدمة الهائلة بتوقيع كامب ديفيد.
من هنا، وبنظرة متعمّقة أكثر، نجد أن هذه الدعوات دائماً لا تكون شعبية المنبت، إلا أنها تكون مدفوعة الثمن، حكومية التمويل، ولها وجوه إعلامية تشهرها، وسرعان ما يتم شراء أقلام وصحف وشاشات وأدباء كحملة منظمة مدروسة.
كل هذا ليس بالأمر المريب؛ بل هو شيء مُلاحَظ ومكشوف؛ بل حتى إنه أمر أصبح اعتيادياً ومشروعاً، من هنا يأتي السؤال:
– ما دامت قلوبنا عامرة بالإيمان هكذا.
– وما دامت نوايانا تتجه لإحياء ديننا الحنيف والسنة المُطهّرة بكل تفاصيلها.
– وما دامت الإمكانيات المادية والمعنوية ووسائل السيطرة والتأثير المرئي والمكتوب والمسموع مستعدة للتجنيد بمثل هذه الحملات.
– وما دامت الحاضنة الشعبية ما زالت تحنّ إلى أوقات كان فيها ديننا قائداً للمجتمع.
فلماذا لا تكون تلك الحملات موجّهة للتشجيع على القراءة، كباب من أبواب العلم التي أمرنا الله ورسوله الكريم بالسعي إليه حتى لو كان في أقاصي الأرض وبه سُدنا العالم؟ لماذا لا يظهر أولئك الغيورون على الدين الحنيف ويذكروننا بأهمية احترام القانون؟ لماذا لا تظهر تلك الندوات التي تؤكد أن العدل هو أساس الحكم؟
لِمَ يتم التجاهل عمداً للعديد من قيمنا الإسلامية التي نالت وتنال احترام العدو قبل الصديق، من محبة ورحمة ورأفة ومودة؟ لِمَ يصرّ هؤلاء على التركيز على تفاصيل لا تسمن ولا تغني من جوع؟ لِم يتجاهلون حقيقة أن بناء الإنسان روحياً ومعنوياً هي أقصر الطرق لبناء المجتمع؟
هل التركيز على زواج الصغيرة وقوامة الرجل وحق التعدد ووجوب الحجاب، يبني دولاً أو يساعدنا في لملمة جراح أوطاننا؟ أم أنها إبر مخدرة يتم كل حين حقن شارعنا العربي المقهور ظلماً وفقراً لإشغاله كل حين بتفصيل لا ينفع إلا بزيادة الشق الاجتماعي الذي نبحث له عن حلول لصلاح جروحه لا زيادتها؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.