تعرفت على فضلاء، بعضهم بمراتب علمية رفيعة وأدب جمٍّ، لهم تجارب زواج فاشلة وبشكل متكرر، صارحني بعضهم بأن سبب طلاقه كان غياب التآلف والانسجام أو ضعف التواصل وفهم اﻵخر.
في البداية، كانت المبررات مقْنعةً ومنطقيةً بالنسبة لي، لكن حينما تكررت حالات الطلاق لم تعد تلك المبررات حقيقية، وإنما عرض لسبب آخر.
وجدت اﻹجابة في كتاب الطبيب والمستشار النفسي جون دبليو جاكوبس "الحب هو كل ما تحتاج إليه وبضع كذبات أخرى عن الزواج" من ترجمة مكتبة جرير، حيث أشار إلى أن ضعف النضوج والتطور العاطفي -لمسببات كثيرة- يؤدي إلى الطلاق، وغالباً إن لم يتعلم اﻹنسان من تجربته اﻷولى فإنه سيفشل ثانية وثالثة ورابعة.
الزواج ليس فسحةً رومانسيةً وتجربةً مفعمةً بالمتعة كما يُصوَّر في المسلسلات واﻷفلام والقصص، وإنما هو علاقة أكبر من ذلك وأصعب من ذلك، حيث يحتاج إلى نضوج، وفهم وتفهُّم، وقبول، وهبوط سقف التوقعات، وخفض جناح من الزوجين.
إن الترويج للرومانسية والحب الاستهلاكي في الإعلام والدراما والروايات سبَّب تشوهاً في فهم العلاقة الزوجية، التي يظن كثيرون أنها سعيدة دوماً، وحياة وردية حالمة!
لو قدر أن تتحقق كثير من الروايات الرومانسية والقصص العالمية على أرض الواقع، مثل ساندريلا، وتابعنا حياتها الزوجية من خلافات مع الأمير الزوج حول الطلعات والفسح والمشتريات، ووحم الحمل، وألم الولادة، ومتلازمة الدورة الشهرية، ثم متاعب تريبة اﻷبناء والمراهقين، وضغط اﻷهل واﻷقارب- ربما لاعتزلت سندريلا التمثيل بعد طلب الطلاق، وتحالفت مع الساحر المشعوذ؛ ليخلصها من تلك الحياة الزوجية الصعبة، ثم قطعت رجلها وكسرت تاجها!
أما اﻷمير، فربما استعان بمستشار أسري ومعالج نفسي؛ ليتكيف مع الحياة الجديدة والتزاماتها القاسية، وأدمن الكحول وتعاطى المخدرات!
الزواج في الحياة الواقعية ليس فيلماً أو أغنية فيديو كليب؛ إنه أمر مختلف تماماً، هو التزام متبادل، ومسؤوليات مشتركة، وتحالف استراتيجي مع شخص له كيان مستقل وشخصية قد لا تكون وفق توقعاتنا الخرافية وطموحاتنا السرمدية.
سألني صديق يوماً، بعد شرح مفصل لقصة زواجه، إن كانت زوجته مناسبة له؟ لعله كان يريد نصيحة أو تبرير بحثه عن زوجة أخرى يبدأ معها قصة حب رومانسية.
قلت له: "تقريباً، كل الزيجات، حتى السعيد منها، عبارة عن أخطاء: بمعنى أنه من المؤكد في عالم أكثر مثالية، أو حتى بقليل من الانتباه في هذا العالم غير المثالي على الإطلاق، أن كلاً من الزوجين كان يمكن أن يحصل على شريك حياة آخر أكثر ملاءمة له؛ ولكن تؤمك الروحي هو الشخص الذي تزوجته بالفعل".
الشعور بأننا ارتكبنا خطأ في زواجنا القائم هو شعور من النادر ألا يمر به إنسان، خصوصاً أن أي زواج تنتابه إشكاليات وخلافات من حين لآخر، وربما يعاني الزوجان إحباطاً في علاقتهما لأسباب كثيرة.
كما يظن البعض أن الطلاق فرصة للحصول على توأم الروح في الزواج الثاني، والحقيقة أن أياً من الزوجين، إذا لم يتعلم من الزواج الأول "التجربة الأولى" بما فيه الكفاية فسيفشل.
والحقيقة أننا إن لم نتطور في زواجنا الحالي وننمُ عاطفياً، فستكون المحصلة واحدة في كل الزيجات، وسنعيد إخفاقاتنا بغض النظر عن الشريك.
الخرافات التي تقول إن الحب والرومانسية كافيان لخلق حياة زوجية سعيدة تجعل الناس غير مؤهلين لبناء أو تحسين علاقات قوية الأواصر، فعلى الرغم من روعة الحب وجماله فإنه لن يستطيع منع أو حل المشاكل الزوجية. فـ"الزواج يعني عملاً جاداً والتزاماً مستمراً" من الشريكين.
في الحقيقة، إن العلاقات طويلة المدى تحتاج إلى التحول من الإثارة المكثفة للوقوع في الحب لتصبح تجربةَ محبةٍ ووُدٍّ أكثر دوماً وأقل انفعالاً، وتحتاج المحبة طويلة المدى إلى الصبر. فهي تتطلب التعرف على من نحب بعمق كإنسان وكصديق. (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم: 21).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.