أما وقد توقفت العمليات الطبية وعمليات الإغاثة في الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة في حلب الشرقية، فإن النهاية السريعة صارت أقصى أماني الكثير من المدنيين، الذين يقدر عددهم بـ 150 ألفاً.
وقالت تهاني علي كاج، مدرسة وأم لطفلتين: "الناس يدعون الله بالموت بدلاً من الإصابة. كل الناس يقولون: إن شاء الله لو أصابتني قذيفة، فلن تصيبني فحسب، وإنما سوف تقتلني في التو واللحظة، لأنه لا أحد هناك لينقذني".
استغاثة
سقط برميل متفجر، يوم الجمعة الموافق 9 ديسمبر/كانون الأول، على حي من الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة، فحوصر سبعة أفراد من أسرة واحدة تحت الرماد. بعد أن سمع أحد الجيران نداءات استغاثتهم ورأى يد إحدى النساء بارزة من تحت الأنقاض، أرسل رسائل استغاثة مذعورة على واتساب يطلب فيها من أي شخص إرسال سيارة إنقاذ أو أية وسائل أخرى للمساعدة.
بعد مرور ساعة، بلا أية علامة على قرب وصول المساعدة، أرسل الجار رسالة استغاثة نهائية يائسة قال فيها: "هؤلاء الناس يحتاجون رصاصة رحمة. فليقتلهم الله رحمة بهم".
في النهاية سحبت المرأة وطفلها باليد، أما باقي الأسرة فقد ماتوا تحت أنقاض منزلهم.
مشاهد مماثلة من الموت والدمار موجودة بكثرة فيما تبقى من أحياء حلب التي تسيطر عليها المعارضة، في الوقت الذي تنتظر فيه المعارضة رد الحكومة على اقتراحهم بإخلاء كل المدنيين الذين يريدون الهروب.
الآن، يواجه المدنيون المتبقون في الأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة في أكبر مدن سوريا معضلة مؤلمة: التخلي عن منازلهم، ربما للأبد، أو الخضوع في أماكنهم لحكم الرئيس بشار الأسد.
الوضع الإنساني في مدينتهم يزداد سوءاً يوماً بعد يوم تحت أشد قصف يقوم به النظام وحلفاؤه الروس منذ بدء معركة حلب في 2012. وقال مسؤول كبير في الأمم المتحدة، يوم الجمعة، إنه قد تم الإبلاغ عن فقدان مئات الرجال، الأسبوع الماضي، بعد فرارهم من الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة في المدينة إلى الأماكن التي يسيطر عليها النظام، مما زاد من الشعور بالخوف والقنوط بين المدنيين وقوات المعارضة.
نقل على عربات الخضراوات
وبعد تدمير كل أسطول عربات الإسعاف وسيارات الإنقاذ تقريباً، بفعل الضربات الجوية، لجأ الناس إلى نقل الجرحى والموتى على عربات نقل الخضروات، غير المستخدمة إلى حد كبير منذ أن فرض الحصار في شهر يوليو/تموز وما نتج عنه من قطع إمدادات المنتجات والمواد الغذائية.
وقال المدير الطبي في المدينة، محمد الزين، إنه حتى أولئك الذين ينجحون في الوصول إلى المستشفيات، يجدونها مزدحمة بالجرحى الآخرين، الذين يموت الكثير منهم بسبب فقدان الرعاية الطبية.
وأضاف الزين: "الموت أرحم ألف مرة من الإصابة".
قدَّمت المعارضة اقتراحها، يوم الأربعاء 7 ديسمبر/كانون الأول، بالإجلاء الآمن عن طريق ممرات إنسانية لمئات الجرحى وكل المدنيين الذين يريدون المغادرة. ولم تستجب الحكومة السورية والروس حتى الآن، لكنهم كانوا قد صرحوا سابقاً بأنهم لن يقبلوا أي اتفاق لا يشمل الانسحاب الكامل لكافة قوات المعارضة بالمدينة.
وكانت الأمم المتحدة قد اتهمت بعض جماعات المعارضة، يوم الجمعة 9 ديسمبر/كانون الأول، بمنع المدنيين من المغادرة. لكن الكثير من السكان نفوا ذلك، قائلين إن عشرات الآلاف قد لجأوا، الأسبوع الماضي، إلى الخيار الوحيد المتاح بالفرار من القصف، جرياً بين الخطوط الأمامية الخطيرة آملين بالوصول إلى الأحياء التي يسيطر عليها النظام.
المئات اختفوا
حتى هناك، فالأمن ليس مضموناً. فقد قال مسؤول في الأمم المتحدة إن مئات من الرجال قد أبلغ عن اختفائهم بعد فرارهم الأسبوع الماضي إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، في الوقت الذي كثفت فيه القوات الحكومية هجومها وسيطرت على ثلثي الأحياء التي كانت تحت سيطرة المتمردين في وقت مضى.
وقال روبرت كولفيل، المفوض الأعلى للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، يوم الجمعة: "بالنظر إلى السجل الرهيب للحكومة السورية من الاعتقال التعسفي، والتعذيب والإخفاء القسري، فنحن طبعاً قلقون بشدة حول مصير أولئك الأفراد".
وأضاف أن الأمم المتحدة قد تلقت تقارير تفيد بهجوم النظام على المدنيين المشكوك في دعمهم للمعارضة.
ويخشى المئات من النشطاء المعارضين للحكومة والأطباء، الذين تعتبرهم الحكومة خصوماً لها، من التعذيب والإعدام لو أجبروا على إخلاء الأجزاء الشرقية من حلب. هذه المخاوف تغذي شعوراً قوياً بعدم الرغبة في المغادرة، على الرغم من الظروف المعيشية غير المحتملة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وقف رجل بالقرب من أجساد أفراد عائلته الموضوعة في أكياس الجثث البرتقالية، الأسبوع الماضي، بعد لحظات من قتل النظام، بقذائف الهاون، أكثر من أربعين مدنياً، كانوا يحاولون الفرار إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
قال الرجل: "فررنا من القصف والجوع، كان أطفالي مرهقين. لكنني كنت أتقدم خطوة وأتأخر عشر خطوات. لم أكن أريد المغادرة، لكن ما حيلتنا؟ زوجتي لا مثيل لها في كل حلب. والآن قد ذهبت. ماذا أفعل؟".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Wall Street Journal الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.