الأطباء يؤمنون أن الحوادث تكثر حينما يكون القمر بدراً مكتملاً!.. إليك تفسيراتهم لهذه الظاهرة الغريبة..

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/18 الساعة 17:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/18 الساعة 17:32 بتوقيت غرينتش

فونس باروس ممرضٌ في قسم الأمراض العقلية والنفسية بمستشفى جامعة يال نيو هيفن Yale New Haven، وهو معتاد جداً على التعامل مع المرضى الذين يفلتون من السيطرة ليهاجموه في غمضة عين.

لكن ذلك لا شيء بالنسبة له ولا يشكل له أدنى مشكلة، بل خوفه كل الخوف هو من العمل في غرفة الطوارئ ذات ليلة بدرٍ مقمرة، حسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016.

ففي ليلة السبت 15 أكتوبر/تشرين الأول 2016 وعندما كان البدر مكتملاً يشق ضوؤه عتمة الليل وصل باروس لمناوبة عمله الليلية متأهباً للمتاعب ومدركاً تماماً كيف ستمر الليلة. يقول "كنت أعلم تماماً أنني سأصادف كوارث بانتظاري."

مصاصو الدماء

اقترن البدر منذ العصور الوسطى بخيال الفولكلور والخرافات الشعبية المملوءة بالرعب والأحداث المخيفة كظهور المستذئبين ومصاصي الدماء وما شابه. حتى أن لفظة Lunacy بالإنكليزية والتي تعني "الجنون" مستمدة من اسم القمر باللاتينية Luna ، والسبب هو تأثير ليلة البدر الشبيه بمس من الجنون.

وفي الولايات المتحدة الأميركية جميع المشافي والأطباء والممرضين والعاملين في حقل الطب والصحة -والذين يفترض أنهم أشخاص براغماتيون مثقفون واعون أساس مهنتهم العلم- جميعهم مقتنعون أن البدر نذير شؤم يبشر بالفوضى في غرفة الطوارئ وأقسام الولادة.

فالأطباء والممرضون يرون أن ليلة البدر -وخصوصاً تلك التي تسبق عيد الهالوين أو البربارة- عادة ما تفيض فيها المستشفيات بمرضاها وخصوصاً أولئك الذين يعانون اضطرابات نفسية، حيث يأتي البعض بإصابات عجيبة غريبة، أو تعاني النساء من آلام مخاض وظروف ولادة غير طبيعية.

طفل بقدرات خارقة

أوكتافيا كانون طبيبة نساء وولادة في مدينة شارلوت بولاية كارولاينا الشمالية، وهي لا تنسى قط كيف ذات ليلة بدر ولّدت طفلاً وعلى وجهه "برقع الجنين" (غشاء يغلف وجه ورأس الجنين المولود حديثاً)، وهو أمر نادر الحدوث.

تقول فيما تستذكر الحادثة التي وقعت قبل سنوات وما زالت تقشعرّ كلما ذكرتها "كان المنظر مخيفاً، ترى الطفل داخل كيسه يتحرك وترى السائل يملأه هناك". وقالت إنها تذكر كيف قالت الممرضات ساعتها إن الطفل -الذي كان يتمتع بصحة جيدة- سيحظى حينما يكبر بقدرات نفسية خارقة.

وأما ميري ليبلوند الممرضة في غرفة الطوارئ بالمستشفى الميثودي في سان أنطونيو، فتذكر ذات ليلة بدر حينما تسابقت عدة باصات مدرسية نحو واجهة المستشفى لأن عشرات طلاب الثانوية الذين على متنها عانوا جميعاً من تسمم غذائي وكانوا يستفرغون ويعانون من قيء شديد في كل مكان.

كان هناك مراهقون كثيرون يعانون أعراضاً شديدة لدرجة أن الأطباء والممرضات لم يجدوا بداً من صعود الباصات وتشخيص الحالات على متن الحافلات، ولم يدخلوا إلى المستشفى سوى أكثر الحالات استعصاء وسوءا، حسبما قالته ليبلوند.

تقول "يومها امتلأت أرض المستشفى بالمرضى الممددين عليها والإبر والحقن الوريدية الموصولة بأذرعهم. كان منظراً لو رأيناه لاحقاً في غير ذلك الوقت لربما تضاحكنا منه، لكنه وقتها لم يكن مضحكاً بالمرة."

والاعتقاد بتأثير ليلة البدر متجذر بشكلٍ كبير حتى أن بعض المستشفيات تتأهب باستدعاء كامل طواقم الممرضين والمسعفين وتمنع الأطباء من أخذ أجازات ليلتها تحسباً لليلة المشؤومة.

جنون

لكن المشكلة هي أن العديد من الدراسات العلمية تشير إلى أن اعتقاد الأطباء وإيمانهم بتأثير البدر وخرافته هو الجنون عينه.

فالأبحاث تشير إلى انعدام الصلة بين البدر وبين مراجعات المرضى للمستشفيات.

مجلة طب الطوارئ الأميركية نشرت تقريراً عام 1996 تفحصت فيه أكثر من 150 ألفا

من سجلات المرضى الذين دخلوا قسم الطوارئ خلال 4 سنوات، فكانت النتيجة أن البدر اكتمل في تلك الفترة 49 مرة، وأن معدل دخول المرضى لم يرتفع قيد شعرة في تلك الليالي تحديداً.

جان لوك مارغو أستاذ في علوم الأرض والكواكب والفضاء في جامعة كاليفورنيا بلوس آنجلوس، قرر ذات مرة أن يضع حقله العلمي جانباً بعدما استمع إلى صديقة مقربة منه تعمل قابلة قانونية روت له فيضاً من قصص الولادات التي تحدث ليلة البدر وأنها أكثر عدداً من غيرها. فما كان من الأستاذ مارغو إلا أن قرر اكتشاف الحقيقة بنفسه ليكشف زيف الظاهرة من عدمه.

وقد نشر عام 2015 بحثاُ علمياً في مجلة أبحاث التمريض أظهر من خلاله أن "لا علاقة تذكر" بين أطوار القمر وبين معدلات مراجعة المرضى للمشافي أو معدلات الولادة.

ويقول "إنه هذا يظهر لنا كيف أن الأشخاص العاقلين والمثقفين يمكنهم أن يعتنقوا أفكاراً كهذه غير المبنية على أسس واقعية" ، بيد أنه أٌقر كذلك بأنه لم يقض ليلة بدر في مستشفى قط.

لكن الغريب أيضاً أن ليلة البدر تشهد "زيادة ملحوظة" في أعداد الكلاب والقطط التي تفد على عيادات الطوارئ البيطرية وفق دراسة أجريت في عام 2007.

عاريان

جون بيتشر طبيب قضى 40 عاماً من عمره في غرفة طوارئ مشافي نيوجيرزي وفيلادلفيا، يقول أن أي أبحاث علمية تشكك بوجود تأثير البدر هي قولاً واحداً أبحاث فيها مغالطة، حسب رأيه

ففي آخر ليلة بدر قضاها جون قبل تقاعده عام 2012 يتذكر بيتشر أن الشرطة جاءتهم بشخصين كانا يتسكعان عاريين في المدينة ويقولان للمارة "لسنا خجلين من أجسامنا، فإن كنتم خجلين من أجسادكم فاستتروا."

ويقول بيتشر "لقد آمنت بذلك الاعتقاد لدرجة أني بت لا أرغب بالعمل ليلة البدر."

الطاقم هو السبب

صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية قررت بدورها أن تحقق هي الأخرى في المسألة ليلة السبت 15 أكتوبر/تشرين الأول 2016 حينما كان القمر بدراً، فمكث الصحفيون في غرفة الطوارئ بمستشفى Yale New Haven ثالث أكبر قسم طوارئ في البلاد وأكثرها ازدحاماً، وهناك لم يجدوا طبيباً ولا ممرضة إلا ولديهم إيمان راسخ بتأثير البدر لكن من دون معرفة أي تفسير لسبب حدوث هذه الظاهرة.

ميشيل شوسكي فنية أشعة عملت 40 عاماً في المشافي، تفسر تأثير البدر قائلة"أجسامنا عبارة عن 70% ماء، ولأن القمر يحرك مياه المحيطات كذلك يحركها في أجسامنا، فيختل الناس."

وبعدما انقضت ساعات هدوء نسبي والصحفيون جالسون معهم ، أقر الطاقم الطبي أنها ليلة هادئة بلا مصائب؛ حيث لم تكن هناك سوى حالتين داميتين إحداهما جرح رصاصة نارية والثانية سكتة في القلب، فضلاً عن الوجبة المعتادة من سكارى مخمورين يرتمون على باب الطوارئ في الـ3 فجراً فيما يصرخون ويبصقون ويتلاكمون.

أما الغرف التي كانت تكتظ فأظلمت خاوية من نزلائها، و الممرات التي عادة ما تمتلئ بالنقالات والحمالات الإسعافية، حسب الروايات، فخوت هي الأخرى.

اندفعت الممرضات تزعم كل منهن أن هذا الخواء غريب، وفسر المؤمنون بخرافة البدر هذا الهدوء بأن العديد من الممرضين والأطباء "ذوي الأيادي البيضاء" (كناية عن أنهم مجلبة للحظ السعيد) كانوا من ضمن الفريق العامل هذه الليلة.

فعلق معد تقرير وول ستريت جورنال قائلا " أي لو أن طبيباً ذا يد سوداء كان معهم لعمت الكوارث وتوالت المصائب!.

في الختام ، تقول هايدي غوديو الممرضة التي عملت في المشفى أكثر من 20 عاماً "الواضح أنها مسألة نابعة من الطاقم الطبي نفسه."

– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة وول ستريت جورنال للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

علامات:
تحميل المزيد