“الميمز” واحترام الآخرين

قد يقول البعض بأن الأمر مجرد مزحة ولا أحد يقصد السخرية بالآخرين، أو أنني أحمِّل الأمر أكثر مما يستحق، عندما يتعلق الأمر باحترام إنسان أيا كان هذا الإنسان فسأكترث.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/22 الساعة 03:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/22 الساعة 03:49 بتوقيت غرينتش

ما الفرق بين الصورتين أو هاتين "الميمز"؟

بصرف النظر عن إخفاء هوية الطفلة في الصورة الثانية فلقد تعمدتُ ذلك.. الصورة الأولى برأيي لا تحمل أي سخرية بالفتيات الموجودات في الصورة، فالنكتة تسخر من الفتيات بشكل عام عندما يسمعن بأن فلانة خطبها أحد، أما الصورة الثانية فتحمل السخرية بشكل طفلة صغيرة تبدو أنها من التبت، فالنكتة أن الطفلة الصغيرة هيئتها تبدو كهيئة "عبسي" في مسلسل عدنان ولينا، وعُلّق عليها بالضحك. يبدو أن الطفلة الصغيرة وأهلها لا يعلمون بأن صورة ابنتهم قد أصبحت منتشرة عبر الإنترنت ويسخر البعض من شكلها.

أتساءل عن شعورهم عند رؤية الصورة! هذا نموذج "لميم" ساخرة، بإمكانكم ملاحظة السخرية في "الميمز" أو الصور الأخرى. لكن السؤال هو: ما سر انتشار "ثقافة السخرية" من الغير؟ وهل هو أخلاقي نشر ما يحط من قدر الغير؟

من أحد أسباب انتشار السخرية بالآخرين في الإنترنت هو سهولة عمل "الميمز" أو الصور الساخرة ونشرها، أصبح بمقدور أي واحد منا أن يساهم في المحتوى الساخر عن طريق تركيب صور مضحكة والتعليق عليها باستخدام أبسط وأسهل البرامج، بل حتى تأليف رسالة أو نكتة ساخرة ونشرها في الواتس أب أو شبكات التواصل الاجتماعية، فأصبحت مشاركة الشخص العادي في خلق ونشر المحتوى عبر الإنترنت أسهل وأسهل، فأنت لا تحتاج أن تكون شخصية مشهورة "إنترنتياً" للمساهمة في محتوى الإنترنت.

الأمر مخيف فعلا.. يا ترى هل من المحتمل لأحد استخدام صوري الشخصية والتي أبدو فيها مضحكة أو غير جميلة والسخرية بي؟ أعتقد بأنه يجب علينا ألا ننكر أن هناك بعض الصور غير الجميلة لنا جميعا، والتي ربما قد تكون مادة ممتازة للصور المضحكة المتداولة عبر الإنترنت، أي أن هناك قابلية لأن يصبح كل واحد منا ضحية للسخرية في الإنترنت.

والسبب الآخر هو انعدام المحاسبة على الجرائم والإساءات في عالم الإنترنت، فلم أقرأ عن أي قضية تشهير أو إساءة عبر الإنترنت في أي دولة عربية على عكس الدول الغربية. يقول أساتذة الإعلام: بأنك على الجانب السليم قانونيا ما لم تشهر بشخص أو تتسبب بما يسيء إلى سمعته. أعتقد بأنه من الجيد لو أفادنا المختصون بقوانين الإنترنت ببعض النصائح لعدم مواجهة قضايا تشهير عبر الإنترنت.

لكن يقال بأنه ليس كل ما هو قانوني بالضرورة أن يكون أخلاقيا، هل هو أخلاقي نشر صور تحط من قدر الغير؟ لا أبدا، لكن البعض قد يبرر السخرية لهدف نبيل أو لغاية تعود على المجتمع بأمر مفيد أكثر من الضرر المتسبب للشخص. لا أعتقد بأن أغلب الساخرين سوف يبررون سخريتهم لصالح المجتمع، وإن برروا فذلك ليس مقبولا شرعا!

من الناحية الدينية، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ" (الحجرات: 11). قال الطبري رحمه الله: "إن الله عمَّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض بجميع معاني السخرية، فلا يحل لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره ولا لذنب ركبه ولا لغير ذلك"، أي أن موقف الدين واضح إزاء السخرية والاستهزاء بالغير.

قد يقول البعض بأن الأمر مجرد مزحة ولا أحد يقصد السخرية بالآخرين، أو أنني أحمِّل الأمر أكثر مما يستحق، عندما يتعلق الأمر باحترام إنسان أيا كان هذا الإنسان فسأكترث. أيضا قد يحتج البعض بأن الشخص الذي في الصورة يعلم بأن أحدا يقوم بتصويره ونشر صورته. صحيح، لكن هل يعلم أن صورته سوف تستخدم للاستهزاء به؟ لو علم ذلك لما وافق على أن يصوره أحد!

بالرغم من سوء المشهد، إلا أنه توجد الكثير من "الميمز" التي تحوي موقفا مضحكا قد يقلل من قدر صاحبه أو يسيء إليه، لكن البعض يقوم بإخفاء اسم وصورة الشخص احتراما له -وإن كان هو نفسه قد جعل خصوصية الصورة للعامة- وهذا أمر رائع لأن هناك إحساسا عاليا بالآخرين في فضاء واسع كثرت فيه السخرية بالغير والحط من قدره.

ولحل المشكلة أو التقليل منها، أعتقد بأن الاطلاع على كتب أخلاقيات الصحافة والإعلام أمر ضروري لكل "مواطني الإنترنت"، لأنه أصبح لدينا "إعلاميون" لكنهم يجهلون أخلاقيات المهنة، والأمر الآخر هو مراجعة تصرفاتنا في شبكات التواصل الاجتماعية وتطبيقات الهواتف الذكية، وإن كانت تبدو غير حقيقية إلا أنها حقيقية جدا!

أعتقد بأن القاعدة الذهبية في التعامل مع الناس مفيدة قبل التفكير في عمل أو نشر أي محتوى والتي عبر عنها ديننا الحنيف بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". فإن كنت ترضى لنفسك بأن تكون محط سخرية كما الطفلة الصغيرة انشرها!

لنراجع تصرفاتنا في الإنترنت ولنحترم الإنسان لذاته فقط، لروح الله التي نفخت فيه. ولنتذكر قوله تعالى: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ" (ق: 18).
* الصور مأخذوة من صفحة "نكت تحشيش".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد