لم يحمل شهر رمضان هذا العام الإحساس الذي اعتاده محمد حنّان وطلاب المدارس الثانوية المسلمون في مدينة نيويورك، فقد حمل الشهر بالنسبة إليهم تضارباً وتناقضاً في المشاعر مع تلك التي اعتادوها كل عام.
وتَمثّل ذلك التضارب والتناقض في تداخل البهجة التي يشعرون بها بعد أن يطعموا أول تمرة لذيذة لينهوا بها صياماً دام ل 16 ساعة، مع الرعب الذي يعيشونه بعد سماعهم عن الهجوم على نادي المثليين الليلي بفلوريدا، والذي أودى بحياة 49 شخصاً. ناهيك عن المجهود المضني الذي بذلوه خلال العام في استذكار دروس علوم الأرض ومراجعة الملاحظات على دروس حساب المثلثات. فضلاً عن حالة الإحباط التي انتابتهم من جراء الدفاع عن الإسلام- وحقهم في البقاء بتلك البلاد- بعد وقوع هجوم إرهابي آخر نُفذ باسم تنظيم الدولة الإسلامية.
محمد، طالب الصف الثالث بمدرسة أبراهام لينكولن الثانوية في كوني آيلاند بحي بروكلين، والذي يبلغ من العمر 17 عاماً، يقول "لا يمكنني تفهّم الأمر".
وعبّر محمد الذي هاجر مع عائلته من باكستان في عام 2014، عن رأيه قائلاً "الإسلام يهتم بنشر السلام. وفي رمضان نحن لا يمكننا حتى التفوه بالسباب. فلا ينبغي عليك باعتبارك مسلماً أن تفعل أي شيء سيئ".
وفي الغالب يعتبر محمد أن شهر رمضان هو أفضل أوقات السنة بالنسبة إليه. غير أن عطلة العام التي اشتملت على الشهر الذي يصوم خلاله من الفجر إلى الغروب، لم توفر له الراحة المعتادة في كل عام. فقد تعارض شهر رمضان هذا العام مع امتحانات Regent، وهي مجموعة من الامتحانات بولاية نيويورك يخوضها معظم طلاب المرحلة الثانوية بالولاية.
وبعد ذلك، جاء يوم الأحد، عندما اتصل عمر متين، المسلم المولود في ولاية نيويورك، بخدمة 911 للطوارئ ليعلن ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية، ويطلق الرصاص داخل نادي بالس الليلي بأورلاندو.
تأثير تصريحات ترامب
وفي غضون يوم واحد، ظهر دونالد ترامب، المرشح الجمهوري المحتمل للانتخابات الرئاسية الأمريكية، ليجدد دعوته مرة أخرى لمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.
وبعد يوم واحد، بدأ طالب آخر، يحضر صف اللغة الإنجليزية بالمدرسة مع محمد، في ترديد ما دعا إليه ترامب.
وقال محمد إن زميله في الصف "كان يتحدث عن كثير من الأشياء السيئة بدون دليل". ورد محمد بأن ثمة اختلافات بين المسلمين أمثال محمد علي "كلاي" وهؤلاء الذين يشبهون عمر متين.
ويسترجع محمد الحجة التي ناقش بها زميله في الصف، حيث قال له "إن كنت تستطيع التمييز بين جماعة كو كلوكس كلان وبين ذوي البشرة البيضاء، فيمكنك على الأقل أن تفرق بين المسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية". (كو كلوكس كلان هي منظمة أمريكية ظهرت في القرن التاسع عشر، تؤمن بتفوق الجنس الأبيض).
وعند سؤاله عن رد زميله، قال محمد "لقد قال لي "لأن دونالد ترامب قال ذلك"، ووقتها كل الزملاء بالصف ضحكوا بعد سماع ما قاله".
أميركا هي وطني
أما سلوى مذيب، التي تنهي عامها الأول بمدرسة ميلينيام بروكلين الثانوية في حي بارك سلوب، فقد رفضت دعوة ترامب تماماً. وفي يوم الثلاثاء، قالت الفتاة وهي ترتدي الحجاب وتتحدث في غضب بلكنة أهل بروكلين "إنه أمر عبثي".
وكانت الطالبة حصلت على الجنسية الأميركية بعد أن جاءت إلى الولايات المتحدة من سوريا مع أمها، وكان عمرها آنذاك 9 شهور، حيث عبرت عن رفضها لتصريحات ترامب قائلة "لقد ترعرت هنا، وأميركا هي وطني".
تعيش سلوى في شقة بحي باي ريدج مع والديها وجدّتها و4 أشقاء أصغر منها، كما يتوزع أعمامها وأبناء عمومتها بين البناية نفسها والحي ذاته.
وتشارك الفتاة متطوعة في الجمعية العربية الأمريكية في نيويورك، والتي يقع مقرها الرئيسي في باي ريدج. أما خالها السوري، فهرب من القتال الدائر في البلاد، واتجه نحو السويد. كما ينتظر أحد أقربائها أيضاً منذ 10 أعوام، من أجل الحصول على تأشيرة للدخول إلى الولايات المتحدة.
نكهة عربية وإسلامية
وقد تبدلت باي ريدج، التي كان يسكنها في الماضي أعداد كبيرة من مهاجري الدول الإسكندنافية، فضلاً عن بعض المهاجرين من ذوي الأصول الإيطالية والأيرلندية، وحالها في ذلك مثل حال كثير من أحياء ومناطق نيويورك.
وحالياً تحتوي المنطقة على 9 مساجد، حسبما يقول توني كارنس، خبير علم الاجتماع الذي يكتب نشرة دورية على الإنترنت تسمى "نشرة دورية حول الديانات الموجودة بمدينة نيويورك". ويرى السائر بجادات المدينة كثيراً من المحال تعلوها لافتات مكتوبة باللغة العربية.
أما والد سلوى، عبد النور مذيب، وهو يمني حاصل على الجنسية الأمريكية ويبلغ من العمر 39 عاماً، فقد حذر ابنته بعد حادث أورلاندو، وطلب منها أن تكون حريصة خاصة عندما تستقل مترو الأنفاق، كما نصحها بأن تجلس دائماً بالقرب من السائق. وشعرت الفتاة بضيق من الفكرة، حيث قالت "أنا مثل أي شخص يبلغ من العمر 15 عاماً يعيش هنا". وأضافت "أريد أن أخرج وأن أستجم. ولا أريد أن أشعر بالضغط بسبب شعوري أني مختلفة لأني مسلمة".
ويتفق الأب مع قناعات ابنته، حيث يقول عنها "إنها قوية. فعندما يتعلق الأمر بهويتك أو عندما لا يحترمك أحدهم، ينبغي عليك أن تنهض وتواجهه".
وقالت منار الأحمر، والدة سلوى، إنه خلال شهر أبريل، اعترضت طريقها امرأة عجوز خارج إحدى الصيدليات في باي ريدج وصاحت فيها أنها ينبغي أن تعود إلى بلدها، كما شتمتها أمام ابنها أحمد البالغ من العمر 10 أعوام.
تقول الأحمر (32 عاماً) إنها تركتها وغادرت المكان، لكنها شعرت بالضيق الشديد فيما بعد، فقد ارتفع ضغط دمها وبدأت تشعر بآلام شديدة في صدرها. وساعدت سلوى أمها في الاتصال بالإسعاف، لكنها لم تفصح عن السبب وراء تلك الحالة الطارئة التي انتابتها ذلك اليوم من شهر أبريل، إلا يوم الأربعاء الماضي.
ولم تتفهم سلوى كيف لامرأة أن تهاجم أمها هكذا، خاصة في المنطقة التي تعتبر منطقتها التي تعيش فيها. وعبرت الفتاة عن ذلك قائلة "إن لم تكن ترغب في أن تكون محاطاَ بالمسلمين، فلماذا تعيش في هذا الحي؟".
أما محمد، فقد قضى أيامه في منطقتين بحي بروكلين، وكلتاهما تحتويان على مساجد. حيث عاش مع عائلته في شاطئ برايتون بيتش، كما تطوع للعمل بمجلس المنظمة الشعبية Council of Peoples Organization، وهي جماعة في حي ميدوود، تخدم المسلمين والعرب والقادمين من جنوب آسيا.
أجواء رمضان
واعتاد هو وأخوه الكبير حسن أن يذهبا إلى مسجد تركي أعلى البناية التي كانوا يسكنون فيها، أو أن يذهبا إلى أحد المساجد الصغيرة في المنطقة. وعلى الرغم من أن المشهد قد يوحي بأن رمضان يبدو شاقاً- حيث يستيقظان قبل الفجر لتناول السحور ثم ينامان مرة أخرى قبل أن يستيقظا مرة أخرى للذهاب إلى المدرسة- فإن محمد وأصدقاءه يقولون إن وقت رمضان أجمل من أي وقت آخر.
ويوضح محمد الأمر قائلاً "نصوم خلال الشهر ونتقرب إلى الله ونصلي 5 صلوات كل يوم. وبعد ذلك، عندما نصلي في الليل، نخرج مع أصدقائنا ونظل سوياً حتى الواحدة صباحاً".
ويصف محمد صلاة الجماعة التي اعتاد أن يصليها في الهواء الطلق بمدينته كراتشي في باكستان، وكيف كان يلعب الكريكت مع أصدقائه حتى ساعة متأخرة من الليل في الشوارع المغلقة لإقامة الصلاة.
يقول محمد عن ذلك إنه يشتاق إلى رمضان الذي اعتاده في طفولته، لكنه يتفهم السبب الذي دفع عائلته للانتقال إلى الولايات المتحدة.
حيث يوضح قائلاً "أراد والداي أن نحصل على مستوى تعليم جيد". حيث صار هو وأخوه حسن، البالغ من العمر 21 عاماً وهو طالب بكلية مجتمع حي مانهاتن Borough of Manhattan Community College، مقيمين دائمين بالولايات المتحدة.
ويرغب والدا سلوى في الأمر ذاته لأبنائهم، حيث يقول والد سلوى الذي يعمل حارساً بأحد الفنادق في وسط مانهاتن "إن كنت متعلماً، فأنت شخص مختلف".
ويفصل الحي الأسرة عن المسجد الموجود بالجمعية الإسلامية بباي ريدج، والذي زُين من الخارج خلال هذا الشهر بالمصابيح الملونة. وكل ليلة في العاشرة مساءً، تذهب سلوى مع صديقاتها من خلال مدخل النساء، حيث يتجاوزن الطابق الثالث الحار والمزدحم، لكي يصعدن إلى السطح.
ويبقين هناك حيث النسيم اللطيف، بينما تتلاشى آخر أضواء الشمس مع الغروب، وتتلألأ أضواء جسر فيرازانو-ناروز في الخلفية. ومثلما تفعل معظم الفتيات في المدرسة الثانوية، فإنهن يتحققن من هواتفهن، ويُثنين على ملابس بعضهن البعض، ويُناقشن جدول امتحاناتهن، بينما يتقافز الأطفال الصغار في مكان قريب منهن.
وعندما تبدأ الصلاة، تذهب الفتيات إلى الدرج حتى يتمكنّ من الإستماع إلى تلاوة القرآن من خلال مكبرات الصوت، ويسجدن على سجاد الأرضية البارد حتى يكنّ أقرب روحياً إلى الله.
أما مُحمد وعائلته فيُصلون في المنزل قبل الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة العشاء. ثم ينخرط هو وحسن أغلب الأحيان في نقاشات فلسفية حتى الصباح الباكر في غرفتهما المشتركة، كما يتناقشان حول القيم الأميركية في مُقابل تربيتهم الباكستانية.
يقول مُحمد "عادة، تكون نقاشاتنا حول الأحذية الرياضية."
فهو يريد أن يُضيف المزيد إلى مجموعة "أير جوردون" التي يمتلكها، حتى مع وصول سعر الزوج إلى 250 دولاراً. بينما يُعارض شقيقه هذا قائلاً "يمكنك أن تُطعم 4 أو 5 أشخاص مُشردين بهذا المبلغ."
وقد استيقظ الأخوة قبل فجر يوم الأحد بسبب طبيعة شهر رمضان، وحينها بدأ توارد التقارير الأولى لمجزرة أورلاندو على هواتفهم. يقول حسن "لقد كنت أدعو الله ألا يكون مسلماً على وجه التحديد".
فمنذ أسبوع واحد فقط، كان الأخوة يُشاهدون أميركا تنعي أحد أشهر المسلمين، وهو الملاكم الأسطوري محمد علي. وكانوا فخورين بذلك. بينما الآن هم غاضبون ومجروحون.
يقول مُحمد "يلزم وجود أشخاص مثل مُحمد علي لفعل أشياء جيدة من أجل الإسلام. وبعد ذلك، لا يتطلب الأمر إلا ثواني قليلة حتى يأتي أشخاصٌ مثل عُمر متين ويُدمروا كل شيء".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا