سلطت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، السبت 20 يناير/كانون الثاني 2018، الضوء على العملات الرقمية التي نجحت بشكل كبير في الشهور الماضية، في تحقيق مكاسب تُجاوز 200 مليار دولار لعملائهم، ومن بين هذه العملات، الريبل الأميركية.
وقالت الصحيفة البريطانية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تفاخرت شركة ريبل الأميركية التي أُنشئت منذ 5 سنوات بأنَّها "إحدى أهم الشركات الأميركية الناشئة، وذلك بعد أوبر، وإير بي إن بي، وبالانتير، ووي وورك".
ومع أنَّ عملها الأساسي في إدارة التبادلات المالية لم يحقق كثيراً من النجاحات حتى الآن، أدى الجنون المفاجئ الذي أحاط بالعملات الرقمية، إلى نموّ قيمة عملة "إكس آر بي" التي أنشأها مؤسسو شركة ريبل، التي لا تزال الشركة تتحكم في إنتاجها. وارتفع سعر العملة بنسبة 36000% خلال عام 2017، ما شكل تحدياً لقيمة عملة بيتكوين السوقية، ورفع قيمة مخزون العملة لدى ريبل إلى 200 مليار دولار بحلول عيد الميلاد الماضي، بحسب فايننشال تايمز.
وأضافت الصحيفة البريطانية، عملة ريبل مختلفة قليلاً عن غيرها من العملات الرقمية، فعلى عكس عملة بيتكوين وما تتسم به من لا مركزية وثورية، أدت إلى فقدان ثقة البنوك بها، يُفترض أن تدعم العملة الجديدة البنية التحتية المصرفية المتهالكة، ويعد هذا جزءاً من تكنولوجيا التمويل التي تقدمها شركة ريبل، القائمة في ولاية سان فرانسيسكو الأميركية.
ووصف براد غارلينغهاوس، الرئيس التنفيذي للشركة، العملة بأنَّها "حل أزمة السيولة العالمية للبنوك ومقدمي خدمات الدفع".
غير أنَّ عملة ريبل الرقمية المدهشة التي انخفضت قيمتها الآن تُثير أسئلةً مربكة. فبينما تثير حلولها التكنولوجية المنفصلة في تسويات الدفع السريع إعجاب بعض الممولين، أقلق تقلب قيمة العملة وامتلاك شركة ريبل لأكثر من نصف مخزون العملة (الذي بلغ الآن 100 مليار وحدة منذ إطلاقها) بنوكاً كان بعض المُبشرين بمستقبل العملة يأملون في أن تعتمدها عملةً وسيطة، بحسب المجلة البريطانية.
تريد ريبل أن تحل محل شبكة سويفت الدولية، التي يملكها 11 ألف بنكٍ تربط الشبكة فيما بينها. وتعِد ريبل بتسريع المعاملات عبر الحدود باستخدام قاعدة بيانات بلوك تشين التي تُرسل رسائل بين البنوك، بينما تُقدم عملتها باعتبارها عملة وسيطة عالمية ذات سعرٍ زهيد، وذلك لتفادي سياسة حسابات نوسترو وفوسترو باهظة الثمن التي تتبعها المصارف المراسلة التقليدية.
ويقول غريغ كيد، المسؤول الرئيسي السابق عن إدارة المخاطر في ريبل، الذي يُدير مشروع "السيولة الاصطناعية"، وهو كيان يزوِّد السوق بالسيولة ويضع العملة تحت التجربة بإطلاق كمياتٍ صغيرة منها: "تعامَل مع عملة ريبل الرقمية مثل البنزين الذي تمد به محرك السيارة. لا ينبغي للبنوك أن تحتاج إلى كل هذا الكم"، بحسب الصحيفة البريطانية.
رهانات المضاربين
بعض المضاربين يراهنون على أنَّ البنوك ستحتاج إلى قدرٍ كبير من عملة ريبل كعملة احتياطية، الأمر الذي سيجعل العملة -في حال أثبت صحته- تُخيم على آفاق النظام المالي العالمي؛ لكن إذا كانت البنوك غير مقتنعة بأنَّها بحاجة إلى امتلاك كمياتٍ كبيرة من العملة (الأمر الذي لا تشترطه ريبل لإرسال والمدفوعات والعمل عليها)، ستبدو القيمة السوقية الإجمالية الآن لتداول عملة ريبل -التي تبلغ 60 مليار دولار- معتمدة بشدة على المضاربة، بحسب الصحيفة البريطانية.
ويقول المشروع الإلكتروني الناشئ، إنَّ أكثر من 100 مؤسسة مالية قد اعتمدت منتجاً واحداً على الأقل من منتجات ريبل.
وأعلنت ريبل مؤخراً مشروعاً تجريبياً آخر، سيشمل عملة ريبل أيضاً، بالتعاون مع خدمة تحويل الأموال موني غرام. لكن بينما روَّجت الشركة لمشاريعَ جارية مع مجموعة سانتاندير المصرفية الإسبانية (إحدى الشركات المستثمرة في ريبل)، وشركة أميركان إكسبريس للخدمات المالية، يتردد آخرون في تجاوز مرحلة التجربة والاختبارات.
تحدثت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إلى 16 مصرفاً، وشركات خدمات مالية مرتبطة علناً بشركة ريبل (فيما امتنع اثنان آخران عن التعليق). لم يتخطَّ معظمهم مرحلة الاختبار، لكنَّ بعضهم كان يستخدم أنظمة ريبل لتحويل أموال حقيقية. على سبيل المثال، يقول بنك SEB في السويد، إنَّه استخدم برنامج ريبل الإلكتروني للمدفوعات السريعة عبر الحدود بين الحسابات التي يمتلكها بعض عملاء شركته، وقريباً من المتوقع أن تُطلق سانتاندير تطبيقاً للدفع عبر الحدود، يعمل بتكنولوجيا ريبل لعملائها في أوروبا وأميركا.
جديرٌ بالذكر أنَّ أياً من البنوك التي تحدثت إلى صحيفة فايننشال تايمز لا يستخدم عملة ريبل الرقمية.
كان بنك سي بي دبليو، القائم في ولاية كانساس الأميركية أحد البنوك الشريكة الأولى التي أعلنتها ريبل في عام 2014. لكنَّ سوريش رامامورتي مدير البنك يقول إنَّه وضع خطط استخدام أنظمة ريبل جانباً، حتى يزداد التوجيه التنظيمي وضوحاً، بحسب الصحيفة البريطانية.
ويضيف رامامورتي أنَّ بعض البنوك تتجنب العملات الرقمية، مثل عملة ريبل، خوفاً من أن يكون ذلك "أول تنازل" تقوم به.
البنوك مترددة
فيما يقول هانك أوبيروا، الرئيس التنفيذي لشبكة إيرثبورت التي تُقدم خدمة المعاملات عبر الحدود، ويعمل مع ريبل لتوفير خدمة مشتركة للمؤسسات المالية: "تتردد البنوك في استخدام عملة ريبل، لأنَّها غير واثقة من جوانبها التنظيمية. فإذا كانت النقود في خضم معاملة ما ثم انخفض سعر العملة في ذلك الوقت، ما الذي سيحدث عندها؟".
ويضيف أوبيروا أنَّ مشكلة ريبل الأخرى تكمن في عدم اشتراك عدد كافٍ من البنوك لتُنافس شبكة سويفت حقاً، ويقول: "لا تكون للعملة أي قيمة إلا إذا كان الجميع متصلين بالشبكة، تماماً مثل جهاز الفاكس؛ لو لم يملك الآخرون واحداً لن يكون مفيداً أبداً"، بحسب الصحيفة البريطانية.
وتقول شركة ريبل: "جعل الإنترنت يتحكم في قيمة العملة ليس شيئاً يمكننا القيام به بمفردنا، وليس شيئاً يحدث بين عشيةٍ وضحاها".
ويقول موظف سابق، ترك العمل لدى ريبل هذا العام، إنَّ ريبل كانت متسرعة في بعض الأحيان في إعلان أنَّ البنوك تستخدم تقنيتها، حتى لو كانت البنوك حينها تختبر العديد من حلول البلوك تشين، ويصف الموظف السابق ذلك بأنَّه "تكتيكٌ للبقاء". وتقول شركة ريبل: "هناك مجموعة نابضة بالحياة ومتنامية من الناس والشركات، المهتمين بالتعامل بعملتنا الرقمية"، وصرَّحت أنَّ البنك المكسيكي كوليكس يستخدم العملة. وأدى قلق أصحاب البنوك مؤخراً من أنَّ ريبل قد تستغل عملتها الرقمية فيما بعد إلى سحب 55 مليار وحدة من السوق، ووعدت الشركة بتنظيم العرض بإطلاق ما لا يزيد على مليار وحدة شهرياً، بحسب الصحيفة البريطانية.
وبغض النظر عما إذا كانت البنوك تستخدم العملة أم لا، فقد استفادت ريبل بشدة من زيادة قيمة عملتها الرقمية. تبيع ريبل عملتها للمؤسسات ومن خلال التبادلات، وباعت ما يقدر بـ52.2 مليون دولار في الربع الثالث من العام الماضي، وهي زيادة تصل إلى 67% من 31.3 مليون دولار في الربع السابق. بينما تُعلن الشركة خصومات للوسطاء ممن يُقررون التعامل بالعملة في وقتٍ مبكر، وذلك لزيادة عدد المشترين المؤسسين والبائعين.
يتسلم بعض الموظفين جزءاً من رواتبهم في هيئة عملة ريبل، ما زاد من حماسة مؤسسيها. وأفادت مجلة فوربس أنَّ كريس لارسن المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي السابق للشركة يملك شخصيا 5.19 مليار وحدة ريبل. ووفقاً لموقع Coinmarketcap المتخصص في تعقب حركة العملات الرقمية، تبلغ ثروة لارسن في الوقت الحاضر من عملة ريبل ما يتجاوز 8 مليارات دولار.
ومنذ أن قارنت ريبل نفسها بشركتي أوبر وإير بي إن بي، بلغ سعر عملتها الرقمية 3.80 دولار، لكنَّه انخفض بعدها إلى نحو دولار واحد فقط، قبل انتعاشه هذا الأسبوع، وتعكس هذه التقلبات اضطراب أسواق العملات الرقمية.
وعندما أزال موقع Coinmarketcap التبادلات الكورية من حسابات القيمة السوقية، يوم الإثنين الماضي 15 يناير/كانون الثاني، انخفضت القيمة السوقية لعملة ريبل انخفاضاً هائلاً، من 124 مليار دولار إلى 101 مليار دولار، الأمر الذي كشف عن تأثير كوريا الجنوبية التصاعدي في قيمة العملة، وتسبَّب ذلك في مسارعة المتعاملين بالعملة إلى بيعها فوراً، بحسب الصحيفة البريطانية.
استجابت قيمة العملة المتذبذبة بإيجابية للأخبار المشكوك في مصادرها، وارتفعت في ديسمبر/كانون الأول، وسط شائعاتٍ كشفت في وقتٍ لاحق أنَّ العملة ستُعرَض على منصة ضخمة لتداول العملات الرقمية، وارتفعت مؤخراً بنسبة 20%، بعد أن أفاد تقريرٌ غير مؤكد مجهول المصدر أنَّ ويسترن يونيون قد تعتمد تكنولوجيا ريبل.
ويبدو أنَّ التذبذب الكبير في سعر مضاربة عملة ريبل يمثل "المزيج المثالي للصخب والتفاؤل المهيمنين على سوق العملات الرقمية" على حد قول إريك تيرنر، المُحلل في شركة S&P Global Market Intelligence الأميركية.