نحن و فوبيا الحب

ألاحظ على د. طارق الحبيب أنه كثيراً ما يجيب عن استفسارات ترده بأن "المشكلة الحقيقة هنا أن السائل يود التعبير عن حبه ولكنه يفتقر للوسيلة".

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/14 الساعة 08:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/14 الساعة 08:59 بتوقيت غرينتش

ألاحظ على د. طارق الحبيب أنه كثيراً ما يجيب عن استفسارات ترده بأن "المشكلة الحقيقة هنا أن السائل يود التعبير عن حبه ولكنه يفتقر للوسيلة".

اتصلت به مرة زوجة تشعر للولهة الأولى بأنها لا تعرف ما تريد، تارة تشتكي زوجها حتى يهيأ إليك أنهما على حافة الطلاق، ومن ثم تردف مادحة إياه وتقول: "لا مثيل له".

بحسب د. طارق، فمشكلتها الأساسية أنها "طفقت بحبه".. لم أفهمه حينها، اتهمته بداخلي أنه يريد أن يقول لها أي شيء فحسب. لكنني الآن أدرك ما يقول .

نحن نخشى أن نحب، وإن أحببنا، نخاف أن نبوح. وإن تجاوزنا كل حواجز الخوف وقررنا أن نقول لهم: نحبكم، افتقرنا للوسائل والتعبيرات.. وإن تعلمنا حتى أجدنا التعبير، هاجمونا !

إن أحببنا أرحامنا قالوا: متعصبون متحيّزون، إن أحبت فتاة صديقتها خافوا عليها من الانحراف، إن أحب شاب صديقه رموا عليهما آلاف القذائف من الشكوك يتساءلون عمّا يقضون فيه أوقاتهما، إن أحبّت زوجها قالوا لها: الرجال ما لهم أمان! إن أحب زوجته قالوا له: خاروف.
إن أحبت حماتها، أو العكس، قالوا لها: سحرتك !
وإن أحب شاب حماته فقد سحرته دون شك .

يخشون علينا من الحبّ وكأنه وباء مجهول المعالم لا يعرفون بعدُ أعراضه وآثاره الجانبية! يحاربونه كألد أعدائهم وأشد.. ربّما لأنهم لا يزالون يحكموننا بمنطقهم البائس: فرّق تسُد!

ومن ثم نشتكي قسوة الآخرين, نحارب الحب في دواخلنا وندهش بعدها إن لم نجده في قلوب الأقربين أو الأبعدين!

أُطالع ما قاله العارفون عن الحب, فأجد عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها) تطمئن على عُقدة عقدتها في قلب الرسول (صلى الله عليه وسلم), وتجده يطمئنها عليها, بل ويستغل أدنى فرصة ليعبّر عن حبه لها في أي مناسبة, ويقول لأصحابه إنها أحب الناس إليه! ويرعاها صحابته متابعة لقوله: "لا تؤذوني في عائشة"، حتى بلغ فيهم الأمر أن لقّبوها بمحبوبته!

تجده يعود أهل خديجة (رضي الله عنها) بعد وفاتها ويكرمهم كرماً لها, ويصف حبها بالرزق! ويقول: "إني رُزقت حب خديجة".

تتلفت فتجدهم صحابة محبّين, يشرب رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) من لبن فيقول أبا بكر في الهجرة: "فشرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتويت"، ووجدت الحارث بن عوف مولعاً بزوجته حدّ الصُلح! فأطفئ نور حبّها نار حروب داحس والغبراء.

أنتم حينما تحاربون الحب في جنباتكم تمنعون أنفسكم من رزق الله, حتّى تصبحوا من المحرومين.

والحقيقة أنني أُحب …
وكملايين الخائفين, أخاف!
أحب امرأة كُلّما تذكرها قلبي أجده يقول: "ماحدى بعبّي مطرحك بقلبي"، علّمتني حين احتجت معلماً, ببساطة: أرخت كفّاً حانياً, على كتف طفلة مُجهدة كأنها نبتة جافّة العروق.. فأزهرت!
كيف للزهرة أن تنسى أوّل قطرة ندى, أوّل نداء للحياة, أوّل أمل؟

أحب جدّي.. أحبه وكأنني حبر يود أن يُسكب جلّه في صحائفه.
بقربه أتمنى أن أتحوّل آلة تسجيل صوتي, أتمنى أن تكون لي ذاكرة رقمية بوسعها تخليد صورته, ولحنه الحُمصي, وكلماته, وتستطيع – عن ظهر قلب – حفظ مواضع التصبغات على يديه, أتمنى أن يكون لي علبة عطر سحرية أستطيع فيها تخزين شذاه ورائحته.

أحب شريك عمري الجديد, أحبّ شمعة أشعلها في قلبي, تنيره, تجعله قادراً على المزيد من الحب والعطاء, وحده يرعاها ويهتم بها ويقيها من الرياح ونقص الهواء !

أحب إخوتي.. أحبهم حتى أن دموعي لا تستطيع تمالك نفسها حين يخطرون على بالي, أحبهم حدّ أن أسائل نفسي, كيف لي أن أحب أولادي أكثر منهم؟

أحب صديقات لا يتملك قلبي القسوة التي تتملك قلوبهم, لكني لا أزال, أحبهم !

أحب والديّ إلى حدّ – يخيل إليّ – أنه مختلف جداً عن محبة أيما مولود لوالديه, أحب أشخاصاً لن يسعني عدّهم, أراهم كل يوم وأتمنى أن أقول لهم في غير ما فراق ولا فجيعة: أحبكم.

أحب أناساً ما عاد يجمعني بهم زمان ولا مكان ولا وسيلة تواصل اجتماعي, يخطرون على بالي كثيراً, أود أن أبحث عنهم لأرسل لهم فقط: أنني أحبهم! ولربما وجدت طريقة أفضل للتعبير الذي قد يخفف من عبء هذا الحب غير المعبرٍ عنه على صدري, فإن كنتم تعرفونني, وتقرأون ما قد كتبت بحالة لا أعرف ما أسميها, ووصلتم به إلى هذه الكلمات, فأنا أحبكم جميعاً, حُب هذه الأرواح التي تلاقت فائتلفت, على الأقل, بنص !

فيّ طاقة رهيبة للحب, إن أبتدأ بالكتابة عنها لم يكفني مداد ولا زمان. أجد نفسي في حرب أزلية مع مشاعر البغض التي تنتابني بين حين وآخر, يدور بداخلي جدال أزلي بين نفسي ونفسي: "كيف للقلوب -المقدسة- أن تحوي عتمة سوداء بداخلها؟ كيف لنا أن نخوض حرباً مع الظلام إن لم يكن النور يشع من أسرارنا؟".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد