يفتحون دفاترهم ليكتبوا.. لا شيء، يحاولون التعبير عن الألم الذي أصابهم، لكن لا يجدون لكل ما يشعرون به كلاماً مناسباً، الغصة التي في القلب كبيرة، والشعور الذي يشعرونه غريب، لا يجدون له اسماً.. حزن؟ قليل من ذلك نعم، كره؟ ربما، شفقة؟ أحياناً، خيانة؟ بالطبع فهي الأساس.. يمكن أن نسميها باختصار خيبة الأمل.
كثيراً ما مرّت بنا قصص المتألمين، يكتبون عما مرّوا به من تجارب سيئة مع مَن حولهم أصدقاء كانوا أو عائلة أو غير ذلك، الأحداث متشابهة في معظم الروايات والأفلام أو حتى الجلسات التي نجلسها دائماً ما يكون فيها المتحدّث مظلوماً لم يجد ما يتمناه ممن حوله، لكنّ للقصة وجوهاً أخرى دائماً.
الوجه الآخر للقصة الكاملة التي نكون في أحد أحداثها مظلومين فنتكلم عن ذلك، ونعبر عنه كلما سنحت لنا الفرصة، تلهمنا أحداثه لكتابة مقال أو تدوينة أو تدفعنا للاستعانة بصديق نشكي له ما يمر بنا.
تلهم كاتباً ما لكتابة أحداث فيلم نعيش تفاصيله، ودائماً ما تكون زاوية النظر من طرف المظلوم، من هناك نشاهد جميع الأحداث ونتأثر بها.
لقصة حياتنا وجوه وجوانب أخرى نكون فيها نحن الظالمين، نكون فيها سبب الألم والأذى الذي يعيشه آخرون، لكننا في الغالب نتجنب الحديث عن هذا الجانب؛ لهذا تحضر تعابير المظلومين في كل مرة، نتأثر بما يحدث معهم، لكننا في مرحلة يقظة نمر بها نسأل: إذا كان الجميع مظلومين فأين الظالمون من كل هذا؟
ما بالهم لا يتحدثون عن أخطائهم ولا يعترفون بها؟ أين ما حدثتهم به ضمائرهم بعدما سببوا كل هذا الدمار؟ أم تراهم فقدوا ضمائرهم فلم يلقوا لما أحدثوه بالاً؟ ما بالهم لا يخبروننا بندمهم عما أحدثوه في الآخرين، عمّا أحدثوه بنا؟!
الشجاعة.. أن تجد مَن يتحدث عن خطأ ارتكبه أو ظلم أصاب به الآخرين، أو عن الألم الذي شعر به عندما أصبح "خيبة الأمل" بالنسبة لأحدهم، أن يشاركونا شعورهم بالندم، أن ينصحونا بأن لا نفعل مثلما فعلوا.. كل هذا الأمر يحتاج إلى شجاعة.
في زاوية أخرى من أفلام المظلومين والمكلومين، يوجد مشهد كنت فيه أنت الخائن لصديق آلمك في أحد الأيام، والظالم لشريك حياة أزعجك تصرفه يوماً ما، وسبب الألم لوالدين لم يكن لهما طموح في الحياة سوى أن يشاهداك وأنت في أعلى المراتب، لكنك ورغم غضبك في كل مرة طبّقا فيها عقوبة عليك وفي كل مرة شعرت فيها بالظلم من أي ممن لهم علاقة قريبة بك، تحدثت عما عانيته وشعرت به وفي المرة التي كنت أنت فيها الظالم لم تتحدث.
في إحدى المرّات كنا خيبة الأمل بالنسبة لأحدهم، يجب أن نعترف بذلك ونقر به وننصح الآخرين أن لا يكرروا ما قمنا به؛ لأن ذات الشعور الذي أحسسناه يوم أن كنّا مظلومين قد تسببنا فيه للغير، وفي اللحظة التي تستيقظ فيها ضمائرنا سنجد أننا في أزمة كبيرة تكبر مع كل يوم يمضي دون الاعتراف، دون الاعتذار عن ما تسببنا به للآخرين.
الأمر يحتاج لشجاعة، للكثير من تفضيل الفعل الصحيح على ما تريده النفس وتهواه، للكثير من التواضع، وبكل تأكيد للقليل من الأنانية، نحتاج لكل هذا؛ لنعترف ونعتذر عن كوننا "خيبة الأمل" بالنسبة لأحدهم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.