ذكرت تقرير لصحيفة ذَا تايمز البريطانية أن خطط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتعزيز قبضته على السلطة ليست مجرد تهورا مفاجئا بل هي قديمة وتعود لفترة ما قبل تولي والده الملك سلمان بن عبد العزيز السلطة، كاشفة في الوقت ذاته عن أن طريقة حديثه عّن الملك سلمان أدهشت بعض مراقبيه.
أُصِيب الدبلوماسيون الغربيون والمُحلِّلون الاستخباراتيِّون، بالحيرة عندما عُيِّن الأمير محمد بن سلمان فجأةً ولياً لولي العهد وأصبح في عمر الـ29 أصغر وزير دفاع في العالم، عقب تولي والده حكم السعودية منذ 3 سنواتٍ تقريباً.
الأمير المجهول
وكان محمد بن سلمان، واحدا من الأمراء السعوديين القلائل الذين لم يتلقُّوا تعليمهم في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة، كما يقول أحد المُحلِّلين، "وكان شخصاً مجهولاً، وكنَّا نعتقد أنَّه قد يكون محافظاً جداً"، حسب تقرير ذَا تايمز.
وفي المقابل، كما هو معروف، أصاب بن سلمان المملكة بهزَّةٍ شديدة، وسَمَحَ للنساء بالدخول إلى الملاعب الرياضية، ورتَّب لأن تكون المرأة قادرة على قيادة السيارة بدايةً من العام المقبل 2018، وكشف النقاب عن خططٍ كبيرةٍ بتكلفة 500 مليار دولار لبناء مدينة خيال علمي سماها "نيوم" تُديرها الروبوتات حيث قد يكون الأجانب على بُعد "دقيقتين بالسيارة" فحسب عن المشروبات الكحولية المحظورة عادةً في الأراضي السعودية.
وبالتوازي مع ذلك، كان العمل على نزع فاعلية الهيئة الدينية الوهابية جارياً، إذا لم يعد مسموحاً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي كان يخشاها السعوديون سابقاً، بفرض قوانين الشريعة الإسلامية الصارمة في الشوارع.
وقد أصبح فندق ريتز كارلتون الرياض، حيث كشف محمد بن سلمان، الذي تولى منصب ولي العهد في يونيو/حزيران 2017، خططه للإصلاح الشهر الماضي أكتوبر/ تشرين الأول 2017، الآن سجناً خمس نجوم لبعض أغنى وأقوى رجال الشرق الأوسط، والذين تُقدَّر ثرواتهم ما بين 30 إلى 50 مليار دولار، عقب عملية التطهيرٍ.
وبينما يعرض محمد بن سلمان نفسه كمُصلِحٍ ليبرالي، تحرَّك الأمير البالغ من العمر 32 عاماً بلا رحمة لتوطيد سلطته، بالغاً ذروته في "ليلة السكاكين الطويلة" مطلع الأسبوع الماضي.
وكان من بين الذين اعتقلهم 11 أميراً من أبناء عُمُومته. ولقى أميرٌ آخر بارز، هو منصور بن مقرن، حتفه يوم الأحد 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، في تحطم طائرة هليكوبتر والذي يعتقد البعض أنَّها كانت حادثة متماشية مع سياق الأحداث الدائرة نوعاً ما.
لذا، فهل هذا الرجل الذي يقول إنَّه يُحب تشرشل وتاتشر، وإنَّ هدفه تحديث قطاع الاقتصاد في وجه الكثافة السكانية المُتزايدة وانخفاض أسعار النفط، مُصلح أم ديكتاتور؟ لقد أصابت تحرُّكاته المُحلِّلين منذ فترة طويلة لشؤون المنطقة بحالةٍ من الذهول.
يقول آرون ديفيد ميلر، مدير مركز وودرو ويلسون الدولي للأبحاث ومستشار سابق بوزارة الخارجية الأميركية: "كنتُ أراقب هذه المنطقة لمدة 40 عاماً من عمري البالغ 60 عاماً ولم أرَ أي شيءٍ يشبه ما يحدث الآن. الوضع يشبه هاملت، ولير، وماكبث بدون دم وتناحر. إنَّه "صراع عروش" حقيقي".
وعلى مرَّ عقودٍ من الزمن، لطالما كانت السلطة مسألة توازن بين قطاعاتٍ مختلفةٍ من العائلة الحاكمة، المعروفين بالسديريين السبعة، وهم أبناء الملك عبد العزيز، مؤسس دولة السعودية الحديثة عام 1932.
وبدأت سلسلةٌ من المراسيم المُفاجِئة، التي أصدرها الملك سلمان منذ عامين، في تغيِير مسار الخلافة إلى فرعه في العائلة السعودية، في ما قد أصبح تُحوُّلاً للتجهيز لعملية تطهير كبيرة.
وواصل الملك تحرُّكاته هذا العام بتعيِين محمد بن سلمان خليفةً له في حكم المملكة، وأطاح بابن أخيه القوي، محمد بن نايف، والذي أفادت تقارير بوضعه قيد الإقامة جبرية.
لم يذكر والده
ومكَّن التحرُّك الكبير مطلع الأسبوع الماضي ولي العهد الشاب من السيطرة على كافة أفرع القوات المُسلَّحة الثلاثة، الداخلية والدفاع والحرس الوطني.
يقول عادل حمايزية، نائب رئيس منتدى أوكسفورد لدراسات الخليج وشبه الجزيرة العربية: "يتحدَّث الناس عنه باعتبار أنَّه يُمهِّد الطريق ليصبح ملكاً. وأنا سأصفه بأنَّه ملكٌ من الآن".
وظهرت مُلصقاتٌ في مدينة الرياض لمحمد بن سلمان، ووالده الملك سلمان والملك الراحل عبد العزيز، لتُلقى الضوء على التَّشابه بين ولي العهد والوالد المؤسس، فكلاهما طويل القامة وذو بنية جسدية قوية. ويقول هؤلاء الذين يعرفون محمد بن سلمان إنَّه يرى نفسه كوريث العرش الحقيقي.
ويُحيط محمد بن سلمان نفسه بمستشارين بريطانيين وأميركيين. ويقول أحد هؤلاء المستشارين الأميركيين، الذين التقوا بن سلمان خمس أو ست مرات في الأشهر الأخيرة للعمل على "رؤية 2030 لسعودية جديدة": "خلال 12 ساعة من الاجتماعات لم يذكر والده ولو مرَّةً واحدة، الأمر الذي يكشف شيئاً عمَّن يكون الملك الفعلي".
خطة قديمة
وقد التقى السير جون جينكينز، سفير بريطانيا في السعودية في الفترة من 2012 إلى 2015، محمد بن سلمان عدَّة مرَّاتٍ ويعتقد أنَّه حتى ذلك الحين، خلال فترة منتصف العشرينيات من عمره، كان يُعدُّ للخلافة.
ويُضيف جينكينز: "لقد كان دائماً بجانب والده في اللقاءات، لا يتحدَّث كثيراً ولكن يستمع ويُدوِّن الملاحظات. لقد سئمتُ من رؤيته يُوصف بـ"ولي العهد المُتهوِّر". هذا ليس تهوُّراً. إنَّه أمرٌ مُخطَّطٌ له. لقد كان في انتظار ذلك لعدة سنوات".
وحتى عندما عُيِّن ولي لولي العهد في يناير/كانون الأول 2015، كان يُعرَف عنه القليل جداً في العالم الخارجي حتى أنَّ عمره كان بمثابة شيء غامض.
ويقول مسؤولٌ أميركي في ذلك الوقت: "السعودية دولةٌ غامضةٌ في أفضل أوقاتها، ومحمد بن سلمان يُعتبر الشيخ المثالي بنظارتٍ سوداء".
100 طائرة مقاتلة
وكوزيرٍ للدفاع، وضع محمد بن سلمان بصمته سريعاً، مستخدماً مجموعة سعودية باهظة الثمن من أكثر من 100 طائرة مقاتلة لشن حرب على الميليشيات المدعومة من إيران، فضلاً عن زيادة الدعم للمتمردين الذين يُقاتلون نظام بشار الأسد في سوريا.
وقد بنى بن سلمان لنفسه صورة رجل نشط، عبر الظهور على التلفزيون يتحرك في غرفة الحرب الخاصة به وعلى اللوحات الإعلانية في أنحاء البلاد. وقد سخر أية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني من "تولي الشباب عديمي الخبرة زمام الأمور واستبدالهم الاحترام بالهمجية".
ولكنَّ أفعال الأمير قد أسَرَت خيال سكان المملكة من الشباب الذين اعتادوا أن يحكمهم ملوكٌ بلغوا الثمانين، فضلاً عن سياسة خارجية قائمة على صفقاتٍ تُعقَد وراء الكواليس، بدلاً من وجود قيادة.
وقد حظي أيضاً بدعمٍ في بلاده وفي بلاد الشرق الأوسط السنية، ذلك الدعم الذي يُنظَر إليه كردِ فعلٍ متأخر على النفوذِ الإيراني وانعدام العزم الأميركي لوقفه.
ولدى ولي العهد عددٌ هائل من المتابعين على الشبكات الاجتماعية، وكانت هناك حملةٌ على موقع التواصل الاجتماعي تويتر باللغة العربية لاختياره أفضل شخص لهذا العام 2017.
لكنَّ الحرب في اليمن استمرت، مما أدى إلى مقتل أكثر من 5 آلاف شخص، الكثير منهم لقوا حتفهم جرَّاء القصف الجوي السعودي الذي انتُقِدَ بشدةٍ، ودفع السكان للوقوع في براثنِ المجاعة ووباء الكوليرا. ووصفت الأمم المتحدة الحربَ بأنَّها "كارثةٌ من صنع البشر".
قطر
وكأنَّ بدء أزمة إقليمية واحدة لم يكن كافياً، قاد محمد بن سلمان في وقتٍ سابق من هذا العام 2017 الحملة ضد جارته الخليجية قطر، وفرض حصار على هذه الدولة الغنية بالغاز، والتي اتُّهِمَت بدعم الإرهاب، وهو مانفته الدوحة.
ومع ذلك، أظهر القطريون أنَّهم بعيدون كل البعد عن الرضوخ، واحتشدوا وراء أميرهم الشاب، ووجدوا حلفاءً جدد في تركيا وإيران.
الاقتصاد يغرق
ولم يكن ثمن القرارات السعودية الحاسمة الأخيرة زهيداً، إذ أنفقت المملكة بمعدلٍ قياسي على الرغم من انخفاض أسعار النفط، أما الاحتياطات الأجنبية، فهي في أدنى مستوياتها منذ أوائل عام 2011.
ويعتقد ولي العهد أنَّه ما لم تتغيَّر البلاد، فإنَّ الاقتصاد سيغرق فى أزمةٍ يمكن أن تُثير اضطراباتٍ بين السكان الذين تضاعفوا منذ حرب الخليج الأولى في يناير/كانون الثاني عام 1991.
ولكن ما قد يدعوه البعض بالحسم، يصفه آخرون بسلوكٍ غير سوي قد يجعل الأمور تزداد سوءاً.
وقال عادل حمايزية، وهو عالم اقتصاد جزائري: "ما يحدث الآن فوضويٌ بحق. إنَّه يتحرَّك بسرعةٍ مهولة. لكي تنهض أي دولة باقتصادها، فهي بحاجةٍ إلى الاستثمار الأجنبي، لكن بهذا النوع من القرارات المُتَقَلِّبة، لماذا قد يُقرِّر أي شخصٍ الاستثمار في السعودية الآن؟".
وأضاف: "كان دائماً ما يُقال إنَّ السعودية طائرة ذات جناحين، أحدهما بيت آل سعود والآخر رجال الدين الوهابيين. إذا دمَّرت أحد جانبيها، ستسقط الطائرة".
وحظت حملة مكافحة الكسب غير المشروع بترحيب الشباب السعوديين الذين تضرَّروا من الفساد المستشري بين النخبة، وكذلك الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي اتخذ من السعودية أول وجهة خارجية له.
لكنَّ فرض تدابير صارمة، وإعلان حملة عنيفة ضد الفساد، هما أمران مثيران للتساؤل، بالأخص في الوقت الذي أنفق فيه الأمير بنفسه 500 مليون دولار لشراء يخت من مليونير روسي عندما رآه يطفو قبالة الساحل بينما كان يمضي عطلته جنوبي فرنسا، بينما أنفق والده 100 مليون دولار هذا الصيف في عطلةٍ استمرَّت شهراً بطنجة في المغرب.
وقال آرون ميلر: "تكمن المشكلة في أنَّ هذه هي الطريقة ذاتها التي يتبعها جميع أفراد العائلة المالكة. ليس هناك أي شفافية. الرجل اشتري يختاً تبلغ قيمته 500 مليون دولار، كيف حصل على المال لدفع مبلغٍ كهذا؟ ما يفعله بن سلمان هو أنَّه يعيب غيره بعيبٍ فيه".
مؤامرة
ويعتقد البعض أنَّ الدافع الحقيقي وراء أحداث مطلع الأسبوع الماضي هو قمع أي معارضة من داخل العائلة المالكة ضد تنصيب ولي العهد ملكاً، ويبدو أنَّ اجتماعاً رفيعاً لكبار رجال العائلة عُقد في الصيف الماضي قد كشف له أنَّه يلقى معارضةً أكثر مما كان يعتقد.
وكان بيت آل سعود دائماً ما يحتفظ بنزاعاته في الخفاء، لكنَّ يبدو أنَّ ولي العهد تهور وبالغ في ردة فعله. فبوجود آلاف الأمراء، سيواجه عدداً كبيراً من المتظاهرين أو الأعداء المحتملين.
وصدرت أوامر لجميع الأمراء بالبقاء في البلاد، ويبدو أنَّه استولى على فندقً آخر – كورتيارد باي ماريوت في الرياض – لاستخدامه كسجنٍ فاخر محتمل.
ويكمن التحدي الأكبر الذي يواجهه ولي العهد في أن ينجح في إظهار أنَّ إصلاحاته تؤتي ثمارها. وقال دبلوماسي رفيع المستوى: "إنَّ هذا النوع من عمليات التطهير والاستيلاء على السلطة يعني أنَّ محمد بن سلمان مسيطرا بالكامل، وليس هناك مسؤولية مشتركة، وهذا أمرٌ خطير".
من الواضح أنَّه على مدار الأسبوعين الماضيين، بدا أنَّ السوريين المُعدَمين بدأوا يتسوَّلون في شوارع المملكة، هل تُعد هذه رسالةً ما من ولي العهد ومستشاريه؟.
وقال الدبلوماسي: "قد يكون ذلك من قبيل المصادفة. لكن لو كان الأمر كما يقولون، فنحن على الأقل خرجنا من الربيع العربي سالمين. هذا هو ما يحدث لك حين تقرر أن تثور".