لتستمر مواكب الجنون، ليتواصل صعود دعاة الكراهية والتطرف والعداء للعرب وللمسلمين الذين يعيشون في المجتمعات الغربية، لتتراجع الحقوق والحريات في كل مكان على وقع الخوف من المزيد من الدماء والقتل والأشلاء ومشاهد الدمار.
أمسينا في عالم تلاحقه جرائم عصابات الإرهاب عبر رقعة شاسعة من أقاليمه وبلدانه، من أنقرة وسيناء إلى بروكسل وقبلهم من مدينة الكويت وبيروت واسطنبول إلى باريس وسان برناردينو. قنابل، تفجيرات، انتحاريون، قتلى، جرحى، دماء ودمار، عصابة داعش تعلن عن مسؤوليتها؛ باتت هذه حقائق حياتنا اليومية التي تحاصرنا وتورثنا القلق والخوف والحزن.
حين وقعت تفجيرات بروكسل، كان أصدقاء لي بعضهم يعمل لدى الاتحاد الأوروبي وبعضهم الآخر يمتهن البحث في مراكز للدراسات الدولية يتوجهون إلى أعمالهم مستخدمين كعادتهم اليومية شبكة مترو الأنفاق التي رتب الانفجار في إحدى محطاتها وفاة العشرات. عندما سقط ضحايا آخرون من جراء القنابل التي انفجرت في مطار بروكسل (زافينتم)، كان ولدي لؤي ونوح في حركة بين مطارات أوروبية أخرى ليس لها بكل تأكيد ذات مستويات التأمين التي يتمتع بها مطار العاصمة البلجيكية وعاصمة الاتحاد الأوروبي. لم نعد في مأمن من جرائم عصابات الإرهاب، لا في بلاد العرب ومنطقة الشرق الأوسط ولا "بعيدا" في الغرب الأوروبي والأمريكي، لا فارق بين أنقرة وسان برناردينو.
أمسينا في عالم تتعالى به أصوات دعاة الكراهية والتطرف الذين يستغلون خوف الناس لتمرير أفكارهم وأجنداتهم البائسة. مع كل تفجير جديد لعصابة داعش، يقترب دونالد ترامب أكثر وأكثر من الحصول على بطاقة ترشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية (نوفمبر ٢٠١٦) وربما من الفوز في الانتخابات. مع كل تفجير جديد، تقترب الأحزاب اليمينية المتطرفة والحركات العنصرية في أوروبا من المزيد من النجاحات الانتخابية وتجعل من العداء للعرب والمسلمين واللاجئين "القضية رقم واحد" لحشد التأييد الشعبي.
مع كل تفجير جديد في أنقرة وسيناء، تتراجع الحقوق والحريات تنجرف الحكومات إلى الاستهزاء بمن يطالبونها بصون سيادة القانون والامتناع عن التعامل مع الإجرام الإرهابي بأدوات أمنية فقط. ولما لا، والمشاهد اليومية للدماء والدمار تصيبنا في مقتل، وحديث الخوف يهيمن على الفضاء العام، وتقارير "الأعداد المتزايدة للإرهابيين في الجوار المباشر" (سوريا فيما خص تركيا وليبيا بالنسبة لنا) تتواتر.
مازلت أكتب أملا في غد قد يكون أفضل، وبحثا عن نشر أفكار قد تسهم في صناعة عالم أكثر إنسانية. غير إنني ألفي نفسي اليوم فاقدا للأمل، ومستسلما لسيطرة كارهي الحياة وكارهي الآخر، ومتوقعا لاستمرار مواكب الجنون. ليمنع ترامب المسلمين من قدوم الولايات المتحدة الأمريكية، ولتنتصر الأحزاب النازية الجديدة في انتخابات الولايات الألمانية، وليستمر إهدار الحقوق الحريات في مصر وتركيا وغيرهما، ولتواصل داعش الاعتياش على الدماء والوحشية والدمار.
هذه التدوينة نشرت في جريدة الشروق للإطلاع على النسخة الأصلية اضغط هنا
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.