تنتشر التقارير التي تشير إلى أن الأطفال يرثون ذكاءهم من أحد الوالدين، بل إنها تدّعي أن الذكاء يورث من الأمهات، إلا أن تلك التقارير ليست صحيحة.
حيث انتشرت تقارير في العديد من الصحف والمنصات الإعلامية، مثل Focus، و Welt، وBusinessinside، تقول إن ما يحدد مدى ذكاء الطفل أو على الأقل الجزء الأكبر منه هو جينات الأم وحدها، لكن هذه التقارير غير صحيحة.
إذ تستند جميع تلك التقارير إلى مدونة Blog-Eintrag على موقع Psychology Spot ، وبالطبع تحظى مثل هذه الأخبار غير المألوفة أو محببة إلى قلوب البعض بالمشاركة على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقد نقلت سطور تلك المقالات أن: "الجينات التي تؤثر على مدى ذكائنا تكمن في الكروموسوم X (اكس)، وأنه هو الحامل للتركيب الجيني للذكاء"، ولأن المرأة لديها اثنان من الكروموسوم X ، بينما الرجل يملك واحد فقط، فافترضت المقالة أن الفرصة في أن تكون وراثة الذكاء من الأم وحدها.
هل الكروموسوم (X) حقاً هو جين الذكاء؟
تعد تحديد ماهية الذكاء وما يمثله من أكثر الأمور المتنازع عليها علمياً، لذا يُنظر إلى اختبار نسبة الذكاء IQ على أنه أحد المعايير الأساسية، مما يعني أن النتيجة التي يحققها شخص ما في اختبار الذكاء IQ هي التي تشير إلى نسبة ذكائه.
فيما تشير الدراسات التي أجريت على التوائم المتماثلة وغير المتماثلة، وكذلك العائلات التي لديها أطفال بالتبني، إلى أن الوراثة أوضحت اختلافاً في الأداء بنسبة حوالي 50% في اختبار الذكاء IQ، فيما يرجع النصف الآخر إلى الظروف الحياتية.
وعلى الرغم من الجهود الكثيرة المبذولة إلا أن العلماء لم يكتشفوا حتى الآن تسلسلاً جينياً واحداً مسؤولاً بمفرده عن الفروق الواضحة في الذكاء؛ ولذلك فإنهم يفترضون أن عديداً من الجينات تشترك في هذا، وأن تسلسل كل منها على حدة لا يؤثر إلا تاثيراً ضئيلاً للغاية على معدل الذكاء.
ويجدر الإشارة إلى أن بعض الباحثين الذين يقولون إن الجينات المرتبطة بالذكاء تتواجد بكثرة على الكروموسوم X؛ وذلك لأن ثمة عدداً من الجينات توجد بنسبة أعلى من المتوسط في تسلسل معين عند ذوي الإعاقة الذهنية.
وقد أجرى باحثون صينيون هذا التقييم في عام 2014، والذي كشف عن أنه رغم أن الكروموسوم X لا يحتوي إلا على نسبة 3.4 فقط من الجينات البشرية، إلا أن نسبة الجينات التي تؤثر على الذكاء سوى لا تتجاوز 16 %، وبكل تأكيد، نسبة 16 % بعيدة للغاية عن 100%، أي أنها تدحض تلك الأطروحات.
ما علاقة الذكاء بالوراثة؟
النساء لديهن عادة اثنان من الكروموسوم X ، (XX)، أما الرجال فلديهم كروموسوم X، وكروموسوم Y، (XY). ولذلك يطلق على هذين الكروموسومين – X و Y – ، الكروموسومات الجنسية.
ومع استثناءات قليلة، تورّث الأمهات لأبنائها كروموسوم X ، بينما يعطي الآباء كروموسوم X (للإناث)، و كروموسوم Y (للذكور).
لذلك فمن الواضح أن إعطاء أحد كروموسومات X لا يؤدي إلى توريث الذكاء بشكل متساوٍ.
هل جينات الأب لن تورث الذكاء أبداً؟
الحديث في المقالات لا يدور فقط حول كروموسوم X، فكما جاء في صحيفة Die Welt: "تعطل جينات الوظائف الإدراكية تماماً إذا جاءت من الأب، والجينات المسؤولة عن ذكائنا هي ما يعرف بجينات التكيف، وأنها تكاد تأتي حصرياً من الأم".
المقصود هنا هو على الأرجح ما يسمى بالطبع أو الصفة الجينة، إذ يعتمد مدى نشاط الجين في بعض الحالات على ما إذا كان موروثاً من الأم أو الأب، مثال على هذه الصفة أو الطبع نجده في الأسود الببرية (سلالة هجين ذكور الأسود وإناث النمور) والتيجون (سلالة هجين إناث الأسود وذكور النمور).
فبينما يكون التيجون مماثلاً لوالديه تقريباً في الحجم والوزن، فإن الأسود البرية قد تزيد بشكل واضح بنحو 400 كيلو جرام عن آبائها، فهي أكبر من جميع الحيوانات الأخرى من فصيلة الهريات، إذ لا يتساوى في هذا التهجين من يكون الأب ومن تكون الأم.
ولكن عودة مرة أخرى إلى الذكاء، فقد عمد باحثون إلى دراسة العلاقة بين الطبع أو الصفة ونمو العقل على سيدات يعانين من متلازمة تيرنر(اضطراب يؤثر على نمو الفتيات)، إذ يحملن في خلاياهم كروموسوم X واحد فقط ، وليس لديهم كروموسوم Y، ورغم ذلك غهم يتمتعون عادة بذكاء عادي.
ولأن هذا الـ X ربما نُقل من الأب أو الأم، فإن الاختلافات ما بين سيدات متلازمة تيرنر تشير إلى تأثيرات الطبع أو الصفة الجينية، كما وجد أن النساء قد يعشن بكروموسوم X واحد موروث من الأب، لذا لا ينبغي علينا استبعاد كافة الجينات الموروثة من الأب التي ترتبط بالتفكير.
وخلاصة القول، أنه ليس هناك أي أدلة مقنعة على أن الذكاء يورث من الأمهات حصرياً أو بنسبة كبيرة، كما أنه ليس صحيحاً أيضاً أن جميع الجينات التي يُعتقد أنها تؤثر على معدل الذكاء موجودة في الكروموسوم X ، ولا أن كل الجينات الموروثة من الآباء ليس لها تأثير على معدل الذكاء.
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة spiegel الألمانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.