كل تجربه ديمقراطية في العالم ولها خصوصيتها وجودتها، وما حدث سابقة تاريخية في تاريخ تركيا، فتركيا شهدت العديد من الانقلابات العسكرية منذ عام 1960، ولكن السابقة التاريخية هنا في رد الفعل والوعي، وفشل الانقلاب وفشلت معه القوة أمام الإرادة الشعبية.
الانقلاب العسكري في تركيا هو اختبار حقيقي وقوي لجودة الديمقراطية ومؤسسات الدولة في تركيا، الديمقراطية درجات ولها جودة، فهناك ديمقراطية شكلية، وهناك ديمقراطية المرة الواحدة، وهناك الديمقراطية الوليدة، ولكل تجربة خصوصيتها، وأمام هذه التجربة انقلبت الإرادة الشعبية على الحكم بالقوة وفي خلال ساعات قليلة.
أهمية تركيا في الساحة الدولية
– تركيا لها أهمية استراتيجية؛ لأنها أكبر دولة إسلامية في أوروبا ومرشحة للانضمام للاتحاد الأوروبي.
– تركيا داعم أساسي للمعارضة السورية التي تسعى للإطاحة بحكم الرئيس السوري بشار الأسد.
– تعتبر تركيا ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي، وهي أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في المعركة ضد متشددي تنظيم الدولة الإسلامية.
– كما أن تركيا تستضيف ما يقرب من مليونَي لاجئ سوري، وهو ما يقلق الاتحاد الأوروبي بصورة كبيرة.
– تركيا عضو في حلف الناتو، وهي فاعل رئيسي في الشرق الأوسط، وهي صلة الوصل بين أوروبا وأميركا والشرق الأوسط، هناك توتر كبير في العلاقات العربية – التركية.
– كما أنها من أكبر المؤيدين لحركة حماس في قطاع غزة وعدد كبير من حركات الإسلام السياسي.
لماذا فشل الانقلاب؟
– لا يمكن إغفال أن أردوغان في الحكم منذ عام 2003، وبالتالي ليس من السهل الانقلاب على النظام التركي الحاكم، وخصوصاً في ظل ما حدث من إصلاحات سياسية واقتصادية.
– بلا شك الانقلاب نقطة فاصلة في تاريخ تركيا الحديث، فيوم 15 يوليو/تموز 2016 هو تاريخ فاصل للانقلابات العسكرية في العالم، ومدى مقاومة الشعوب لحكم نفسها بنفسها، حيث لبَّى الشعب التركي دعوات الرئيس التركي بالتظاهر في الشوارع لرفض الانقلاب، وفي نفس الوقت لم تكن هناك مواقف داعمة للانقلاب من معارضي النظام التركي الحالي.
– يعتبر الكثير تركيا من الدول الرائدة في الديمقراطية في الشرق الأوسط.
– الانقلاب من الواضح أنه لا يستند إلى ظهير شعبي كبير سواء من مؤيدي أردوغان أو غير المؤيدين، فلم تكن القوة فقط كافيه لنجاح الانقلاب دون إرادة شعبية حقيقية.
– توقيت الانقلاب غير مفهوم، والطريقة نفسها ليست الطريقة المثلى في التعامل مع مثل هذه الأحداث، ويطرح سؤال حول تدخل دول وأطراف إقليمية ودولية في التخطيط للانقلاب.
– الشعوب المستنيرة والتنمية الاقتصادية تلعب دوراً كبيراً في زراعة وتنفيذ الديمقراطية في مشاهد لا تتكرر كثيراً، شاهدنا كيف تظاهر الشعب التركي ضد الانقلاب بمنتهى القوة والحزم، ببساطة فالمواطن التركي جني ثمار الديمقراطية والاختيار، وحصد ثمار التنمية الاقتصادية، وبالتالي يصعب العودة إلى الانقلابات العسكرية التي لها نتائج سيئة بلا شك على الدولة التركية، فالمواطن التركي قرر دعم المؤسسية والديمقراطية بدلاً من الانقلاب حتى وإن لم يكن مؤيداً للنظام السياسي أو الحكام.
انتقادات للنظام الحاكم
– التراجع في حرية الرأي والصحافة، ففي عام 2014 وفق تعبير مركز شورنشتاين للإعلام والسياسة والسياسات العامة التابع لجامعة هارفارد "عاماً مريعاً" للصحافة التركية، أما مراسلون بلا حدود فلا تتوانى عن وصف أردوغان بالمستبدّ في حملتها للدفاع عن الصحفيين الأتراك المعتقلين، وعلى رأسهم دندار وغول، أما مؤسسة فريدم هاوس فقد وضعت تركيا في قائمة الدول غير الحرّة فيما يتعلّق بحريّات الصحافة.
– انتقادات حول سياسات قمع الأكراد والسياسات الخارجية ودعم حركات الإسلام السياسي.
إنجازات على أرض الواقع
عام 2023 يوافق الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، تحت المؤسس كمال الدين أتاتورك، وهو التاريخ ذاته الذي حدده أردوغان لتصبح تركيا من بين أعظم الاقتصادات في العالم، من خلال مشاريع وتطوير لمرافق وبِنى تحتية جديدة، في مقدمتها مطار جديد سيكلف مليارات الدولارات في إسطنبول، وجسور وقنوات مائية، كما لا يستطيع أحد إنكار النجاحات الاقتصادية الكبيرة المحققة بالفعل لنظام أردوغان، وهو ما لعب دوراً كبيراً في بقاء حزب العدالة والتنمية في السلطة.
ماذا بعد الانقلاب؟
أمام الرئيس عدة خيارات، إما المضي في إصلاحات سياسية وحل الملفات والقضايا الخاصة بالعلاقات الخارجية والمعارضة وحرية الرأي والصحافة وغيرها، أم سيكون هناك إجراءات انتقامية تجر البلاد إلى فوضي، ويبقى السؤال الآخر والأهم متى يقرر الرئيس أردوغان تسليم السلطة نهائياً.
هناك معضله تركية تتعلق بضرورة إصلاح العلاقات المدنية العسكرية في تركيا، فصورة الجيش التركي ليست في أفضل حالاتها أمام المجتمع التركي، وبلا شك ستحتاج إلى جهود كبيره لإعادة ترميم العلاقات المدنية العسكرية، وهي العلاقة بين علمانية الدولة والنظام الحاكم والجيش الذي يقوم بصيانة النظام العلماني في البلاد.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.