أن تكون أباً

فبقدر بهجتك وسعادتك بوجود الأبناء في حياتك، فأنت كأب تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه أبنائك، وأنت بالطبع من يتحمل مسؤولية توفير ظروف العيش الكريم لأبنائك، والكد من أجل توفير حاجياتهم الأساسية الأخرى، ثم الحرص على الحضور الكامل في حياتهم، ومراقبتهم بطريقة ذكية تمكنك من فهم شخصياتهم وتوجهاتهم؛ كي تستطيع تقويم سلوكهم بشكل سليم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/24 الساعة 04:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/24 الساعة 04:05 بتوقيت غرينتش

ليس هناك فرح أعظم من فرح الابن بمجد أبيه، ولا أعظم من فرح الأب بنجاح ابنه.. يقول الروائي التراجيدي اليوناني سوفوكليس، فالأبوة تعتبر تجربة مميزة وفريدة، تبدأ من الشهر الأول للحمل وتستمر إلى الأبد، فهي علاقة غريزية قوية بين الأب والابن لا تعوضها أي علاقة أخرى، وللأب كذلك مشاعر قوية تجاه الأبناء لا تقل عن مشاعر الأم، إلا أننا وللأسف غالباً ما نختزل علاقة الأب بالأبناء في الالتزامات المالية أو السلطة الأبوية الصارمة، ونتجاهل بذلك الجانب الأهم وهو قدر الحب والاهتمام والرعاية الذي يمنحه الأب لأبنائه.

فبقدر بهجتك وسعادتك بوجود الأبناء في حياتك، فأنت كأب تتحمل مسؤولية كبيرة تجاه أبنائك، وأنت بالطبع من يتحمل مسؤولية توفير ظروف العيش الكريم لأبنائك، والكد من أجل توفير حاجياتهم الأساسية الأخرى، ثم الحرص على الحضور الكامل في حياتهم، ومراقبتهم بطريقة ذكية تمكنك من فهم شخصياتهم وتوجهاتهم؛ كي تستطيع تقويم سلوكهم بشكل سليم.

وعليك كذلك أن تتعلم الكثير من مهارات التواصل والتعامل التي تحتاجها لممارسة دورك وواجبك كأب في تربيتهم، وتوجيههم لسبل النجاح والتفوق، فنحن ندرس أو نتعلم لسنوات طويلة كيف نتقن أعمالنا، لكننا لا نتدرب ولو لشهر واحد كيف نتقن فنون التربية والتوجيه، والتي نحتاجها كي نستطيع التأثير بشكل إيجابي ورائع في شخصيات أبنائنا.

أن تكون أباً، فأنت ملزم بتغيير الكثير من عاداتك السيئة، وطباعك الحادة مهما كانت قوتها وتجذرها في شخصيتك، وتغيير طريقة تصرفك وتعاملك كلما اتضح أنها تمرر للأبناء رسائل سلبية إن على المستوى النفسي أو الروحي، وأن تنتبه أكثر لطريقة حديثك وتعبيرات وجهك وجسدك، ثم طريقة تفاعلك مع كل المواضيع والأحداث المباشرة، فمن المؤكد أن الأبناء يكتسبون نفس طباع الآباء وتصرفاتهم العفوية، وردود أفعالهم الفورية أو اللاإرادية.

أن تكون أباً، وبغض النظر عن مدى محدودية مخيلتك وإبداعك، ستحتاج باستمرار لخلق قصص معبرة ومشوقة، وأن تتقن قدر الإمكان فن الحكي والسرد؛ كي تستطيع كسب ثقة الابن وشد انتباهه وتتمكن بذلك من تمرير الكثير من الحكم والمعاني والقيم العليا من خلال شخصيات وأحداث القصص، كما أنك ستكون مضطراً لتحرير فكرك أكثر كي تستطيع فهم أسئلة طفلك وتفهم فضوله اللامحدود، الذي لا يقبل بغير الأجوبة المنطقية والواضحة، كما سيكون عليك كأب أن تبعد أبناءك عن ضغوط الحياة اليومية، وأن لا تكون عودتك للبيت بعد يوم العمل الشاق من أجل النوم والاسترخاء فقط، فغالباً ما تجد ابنك في انتظارك من أجل اللعب أو الاستماع أو التحدّث، ويكون عليك أداء الدور باقتدار رغماً عنك.

أن تكون أباً، فأنت تعتبر المثال والقدوة بالنسبة لابنك ، هذا لا يعني أن تحقق المستحيل أو تتخلى عن حياتك من أجلهم، بل فقط أن تمارس حياتك بشكل جيد وإيجابي، فأن تعطي المثال الرائع للابن خير من أن تسترسل في إسداء النصائح النظرية وتعقبها باللوم والعقاب في حالة مخالفتها، فقد يصعب توجيه الطفل لمَا يلمس التناقض بين الممارسة والنصيحة، فكيف يعقل أن تطلب مثلاً من الابن أن يقرأ الكتب وتعدد منافعها فيما أنت تشاهد التلفاز لساعات طويلة، أو أن تطلب منه التحلي بالصدق وأنت تمارس الكذب أمامه في أول مكالمة هاتفية.

قبل أكثر من قرن تقريباً كانت تربية ورعاية الأطفال مهمة جماعية تُجرى في إطار العائلة أو القبيلة، وكانت مساراتهم في الغالب ما تكون مرسومة مسبقاً إن على مستوى العمل أو الزواج أو العلاقات الاجتماعية، وكانت مهام الآباء تنحصر فقط في توفير ضروريات الحياة بمشاركة جميع أفراد العائلة؛ لكن مسؤولياتهم اليوم أضحت أكثر صعوبة ولا تنتهي بتوفير الاستقرار المالي، بل تشمل كذلك الاهتمام الكامل والفعال بالجوانب النفسية والعاطفية والعقائدية للأبناء، في وجود تنوع ثقافي وأيديولوجي وفكري يهدد الهوية والإرث الثقافي وقيم المجتمع.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد