ما مرّت به مصر على مدار أربعة أعوام يُجبرك على انتزاع نفسك من وسط الأحداث
وتقف لحظة تأمّل لقراءة ما جرى ومحاولة استشراف ما سيجري لتتضح الرؤية وتتّزن لديك كفة القرارات والإختيارات ..
لا يختلف اثنان أنه لم يكن في خطط الثائرون في الخامس والعشرين من يناير اقتلاع مبارك ورجال فساده من الحُكم إنما ما حدث كان أقرب إلى انتفاضة عارمة لسوء الأحوال المعيشية التي قضى تحت وطأتها عشرات الشباب بعضهم حديثي السن في عرض البحار بحثاً عن حياة كريمة في المهجر ، لكن تنفّس الحرية في ميادين مصر حتى الإنتشاء دفع بطموح هؤلاء الشباب إلى التمسّك بممارسة الحرية في كل الجوانب الحياتية خاصة أنه لا أحد يُنكر أن لا قضاء على الفساد سوى بأن يكون الشعب رقيباً على ثرواته مُتحكماً في أشكال استثمارها من خلال مُمَثلين عنه رهنوا أنفسهم وعقولهم بل وحتى حياتهم عندما استلزم الأمر ليكونوا انعكاساً لضمائر الشعوب ومعاناتها ولم يكن مُفاجئاً تهاوي نظام مُبارك الخاوي على عروشه خلال ثمانية عشر يوماً تماما كما أنه لم يكن صادماً اكتساح الإسلاميين المعتدلين لكل الإستحقاقات التصويتية التي أُنجزت عقب ثورة يناير بدءاً من انتخابات البرلمان المصري بشقَيه الشعب والشورى والإنتخابات الرئاسية والإستفتاء على الدستور..
اعتقد بذلك الشعب المصري أنه تملّك زمام أموره تنفيذيا وتشريعياً لكن النظام المُباركي الباقي بتكويناته العسكرية والإعلامية وحتى الدينية استمرّ قابضاً على جسد الدولة المصرية مُعرقلاً كل محاولات من النظام الثوري الناشيء للإخلال بمنظومة الفساد مُستغلّين تفضيل النظام الوليد ورئيسه د/محمد مرسي لعدم الإصطدام برؤوس الفساد العتيدة فقد ظن أنه بذلك سيُعجّل ببناء الدولة الجديدة غافلاً أن أهم قوانين الهندسة أن الأساس الفاسد لأي بناية تجعل من الحتمي انهيارها !!
على الرغم من ذلك لا يستطيع أحد إلا جاحد أو حاقد نكران ما حققه الرئيس د/مرسي من التطور الإقتصادي والتقدم نحو الإكتفاء الغذائي الذاتي واتساع أجواء الحُريات برغم العقبات والمؤامرات التي حيكت واجتماع فسدة القوة العالمية ولصوص النفط لإتمام ذلك وتكبيل الديموقراطية في مصر من خلال أطراف داخلية فكان تشكيل " بهة الإنقاذ " لإنجاح هذه المهمة بهدف إفتعال الأزمات وتصوير المشهد أنه بات على حافة حرب أهلية يستدعي تدّخل الجيش والقيام بإنقلاب عسكري لإنجاح الثورة المُضادة وسحق مكتسبات ثورة يناير وثمارها وإستعادة النظام المباركي مصادر نهبه لثروات الشعب وكذلك استعادة النظام العالمي التعامل مع منطقة الشرق الأوسط على أنه منجم لإستخراج الثروات وسرقتها وقنونت ذلك بإحتكار كبرى الشركات الغربية حق التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة العربية ، وظن النظام الإنقلابي أن الأمور ستمضي بالسلاسة التي جرى بها عزل " محمد نجيب " برغم شعبيته الجارفة إلا أن الإنقلاب في مصر لم يلحق أن يستمتع بنشوة ما ظنّه انتصاراً ونجاح ثورته المضادة حتى صُفع بعزوف الشعب عن الإدلاء بصوته في الإنتخابات الرئاسية متمسكاً بالرئيس المُنقلب عليه د/محمد مرسي ذلك أن " محمد نجيب " لم تصطف الطوابير لساعات أمام لجان الإنتخاب لممارسة ديموقراطية اختياره كالطريقة التي رُسمت بها ملامح مؤسسات ثورة يناير 2011 ، حاولت المؤسسة الإنقلابية وداعمها الإقليمي المداراة من هذه الهزيمة خلف مهرجانات الرقص المدفوعة أمام اللجان الإنتخابية وتمرير هزلية اختفاء الناخبين من اللجان وظهورهم في النتائج ظناً أن الإنقلاب سيثبت بتثبيت قائده في سُدة الحكم ، ولكن اليوم بعد مرور عام كامل جدد الشعب الحُر الصفعة للإنقلاب بالعزوف عن المشاركة في أضحوكة الإنتخابات البرلمانية دون مدارة هذه المرة خلف مهرجانات رقص مدعمة بالنفط الخليجي ، فقد أدرك الحُلفاء الإقيليمين فيما يبدوا أن الإنقلاب الذي خططوا له ومولّوه إنما انتصر للديموقراطية في مصر بعدما صار الشعب أكثر تشبُثاً بها وأن كل يوم يمضي فيه رأس الإنقلاب في السلطة يزداد خطراً عليهم ذلك أن المأجور " السيسي " يولّي وجهه حيث مصدر _ الرز _ حتى وإن كان حليف اليوم يجعل منه عدواً لحليف الأمس ..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.