فرق توقيت بين مصر وتركيا

إن إرادة الشعوب هي فقط من يحددها الشعوب، ولا حاجة لهم بالجيش لينفذ لهم إرادتهم ويصنع لهم طرقهم وكباريهم ويوفر لهم بعض السلع بأسعار أرخص من السوق ويقدم لهم علب الحلوى خلال أعيادهم، تلك الإرادة التي يحدد مسارها الدستور والقانون من خلال صناديق الاقتراع والبرلمان المنتخب، فالجيوش تصبح ضعيفة وضئيلة أمام الشعب الواعي المثقف، الذي يحمي حريته وديمقراطيته بإرادته وليس بإرادة السلاح، وإلا فلا حاجة للشعوب بالدساتير ويصبح الحكم والبقاء لمن يملك السلاح.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/17 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/17 الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش

الاختلاف بين العقول والثقافات من السنن الكونية التي يميز بها الله بعض الشعوب من بعض، ومن ثمَّ تتنوع خصائص الناس والبلدان لنرى الفروق في ردود الفعل الشعبية تجاه الأحداث ومتغيرات الأمور على مرّ الأزمنة والعصور.

في الثالث من يوليو/تموز من عام 2013 قام الجيش المصري بقيادة وزير الدفاع آنذاك بإحكام السيطرة على مقاليد الأمور بمصر، مستغلاً في ذلك الغضب الشعبي والاحتجاجات التي نزلت إلى الشوارع، وأعلن تعطيل العمل بالدستور، وتم احتجاز الرئيس المنتخب وحجبه عن المشهد.

وفي الخامس عشر من يوليو من العام الحالي، قامت بعض عناصر الجيش التركي باحتجاز رئيس هيئة الأركان، والسيطرة على بعض المناطق في تركيا ومنها التلفزيون الرسمي للدولة، وإصدار البيانات التي تعلن تعطيل العمل بالدستور، وأسبابهم في ذلك خروج الحكومة على القانون والنظام الديمقراطي والعلماني للدولة.

لنجد أنفسنا بين مشهدين اتفقت فيهما دوافع مَن قام بعملهما، وتشابه فيهما استغلال الجيش للموقف السياسي وغضب بعض عناصر الشعب وقوى المعارضة على الحكومة القائمة بالدولة، فماذا كان رد فعل الشعب المصري والشعب التركي في كلا المشهدين؟!

في مصر صرخت الإعلامية لميس الحديدي ودموعها تكاد تنهمر من الفرحة، وهي تبارك لمصر وجموع الشعب المصري وتقول: "ما حدش يقدر يغتصبك يا بهية، تعود إلينا مصر، الله أكبر فوق كيد المعتدي" (أي معتدٍ؟!)، وعمرو أديب على الجانب الآخر ملوحاً بعلم مصر، معلقاً "اكسروا 90 مليون قُلة فقد زالت الغمة"، وبجانبه محمد شردي يقول: "حمدالله على سلامتك يا مصر"، والجميع ينقل صوراً حية لميدان التحرير ومحيط قصر الاتحادية وبعض الميادين الرئيسية بالمحافظات التي ضجت بالغناء للقوات المسلحة، وتلك الجموع تهتف لوزير الدفاع الذي أطاح برئيس الجمهورية، ويرقصون مع ضباط وعساكر الجيش والشرطة ويرفعونهم فوق الأكتاف، بينما تجاهل الإعلام تلك الجموع المصرية الموازية الرافضة لما يحدث.

لم يهتف الشعب التركي للجيش، ولم يغنِّ "تسلم الأيادي.. تسلم يا جيش بلادي"، بل تعالت أصوات المساجد وتوحد الجميع على إعلان الرفض التام لأي تدخل عسكري في قيادة الدولة، حتى قوى المعارضة لم تذهب لتجتمع بقيادات الجيش، بل أعلنت أيضاً رفضها للانقلاب منذ البداية.

الجميع في تركيا أدرك خطورة ما يحمله الانقلاب من دمار وخراب وانهيار للأوضاع المستقرة، والرجوع بما تحقق من نجاحات اقتصادية وعسكرية إلى النقطة صفر، حتى في ظل وجود خلافات فهذا شأن بيد الشعب، هذا ما لا يعيه الإعلام المصري ولم يدركه خلال تغطية الأحداث ظناً منهم بأن ما حدث في مصر سيتكرر في تركيا، ولم يفهموا بأن الأتراك لن ينخدعوا بشعارات العسكر الزائفة، بل هبُّوا إلى الشوارع ليعيدوا الجيش إلى ثكناته، ويؤكدون أن الكلمة للشعب.

إن إرادة الشعوب هي فقط من يحددها الشعوب، ولا حاجة لهم بالجيش لينفذ لهم إرادتهم ويصنع لهم طرقهم وكباريهم ويوفر لهم بعض السلع بأسعار أرخص من السوق ويقدم لهم علب الحلوى خلال أعيادهم، تلك الإرادة التي يحدد مسارها الدستور والقانون من خلال صناديق الاقتراع والبرلمان المنتخب، فالجيوش تصبح ضعيفة وضئيلة أمام الشعب الواعي المثقف، الذي يحمي حريته وديمقراطيته بإرادته وليس بإرادة السلاح، وإلا فلا حاجة للشعوب بالدساتير ويصبح الحكم والبقاء لمن يملك السلاح.

الفرق بين مصر وتركيا في التوقيت العلمي والثقافي وتوقيت الوعي الجمعي للشعبين، كذلك فإن الرئيس وحكومته عندما يسلحون شعبهم بالعلم والثقافة، حتماً سيسيطر الشعب وينسحب الجيش من الشوارع، فليس للعسكر مكان في حكم الأحرار الذين يتنسمون هواء الحرية والديمقراطية، ويسعون لرفعة بلادهم وتحضرها، والحفاظ على مدنية الدولة.

فرق الثقافة والتحضر والوعي هو ما عمل على فرق التوقيت في إفشال الانقلاب، فسواء فشل بعد ساعات أو بعد سنوات، فإنه حتماً سيفشل، فما بني على باطل سيبقى باطلاً حتى تعلو كلمة الحق بالنهاية، وترتفع كلمة الشعب عالياً فوق كل من حاول تكميمها وسلب إرادتها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد