هل ظلت السلطات المصرية طيلة 80 يوما تبحث عن كبش فداء تتهمه بقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى الذي أثار مقتله أزمة كبرى بين مصر وإيطاليا من جهة والقاهرة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى؟.
هل يسدل الستار على القضية التي دفعت البرلمان الأوروبي لإصدار توصيه إلى دول الاتحاد بحظر بيع الأسلحة إلى مصر، مشددًا على ضرورة تقديم المسئولين عن مقتله وتعذيبه لمحاكمة عاجلة؟
هل كانت تصريحات وزير العدل السابق أحمد الزند التليفزيونية والتي ألمح فيها إلى دور وزارة الداخلية في قتل ريجيني وراء تسريع الوزارة في البحث عن كبش فداء؟
أسئلة عديدة تطرح نفسها الآن بعد أن كشفت مصادر أمنية اليوم الخميس عن مقتل 5 أشخاص في التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، يشتبه في تورطهم بسرقة وقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، بحسب ما ذكرت صحيفة التحرير الخميس 24 مارس/آذار 2016.
وقالت المصادر إن تشكيلا عصابيا تخصص فى سرقة المواطنين والأجانب بالإكراه، و"من بين جرائمهم سرقة وقتل الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، الذى عثر على جثته مقتولًا فى صحراء أكتوبر بالجيزة أوائل فبراير/شباط الماضى.
وحسب المصادر الأمنية فقد تحركت حملة مبكرة بناء على تلك المعلومات، شاركت فيها القوات الخاصة وتشكيلات قتالية والأمن الوطني بالتنسيق مع الأمن العام، وفور وصول القوات إلى منطقة منتجع النخيل بالتجمع الخامس، بادر الجناة إلى إطلاق النيران صوب القوات، فبادلتهم إطلاق الرصاص من داخل ميكروباص أجرة يحمل أرقام (ق.ف.ر. 871) مما أسفر عن مقتلهم جميعًا.
وانتقل فريق من النيابة العامة إلى موقع الأحداث لمعاينة الجثث الخمس، وأمرت بعرضها على الطب الشرعى لبيان سبب الوفاة، كما أمرت باستعجال تحريات المباحث للكشف عن علاقتهم بجريمة قتل الشاب الإيطالي جوليو ريجينى.
وقال مصدر قضائى إن النائب العام أمر بسرعة التحقيق والكشف عن علاقة المتهمين بمقتل الشاب الإيطالى، موضحًا أن النيابة استدعت قوة الكمين الذى قام باستيقاف المتهمين وتبادل إطلاق النيران معهم لسؤالهم عن الواقعة.
أزمة حادة
وسببت قضية مقتل رجيني أزمة حادة بين مصر وإيطاليا خاصة بعد أن أعلنت الشرطة الإيطالية أن لديها شاهداً موثوقاً رأى الطالب الإيطالي جوليو ريجيني مُوقفاً من قبل ظباط أمن بالقرب من منزله بالقاهرة ليلة اختفائه في الذكرى الخامسة للثورة المصرية 25 يناير/كانون الثاني.
فيما نفت السلطات المصرية تورطها في أي عمليات خطف وتعذيب لريجيني (28 عامًا)، والذي وُجدت جثته ملقاة على جانب طريق على أطراف القاهرة في 3 فبراير/شباط الماضي.
واتضح أن محققين من روما تحدثوا مع أحد الأشخاص الذين نقلوا للصحف الإيطالية تفاصيل محددة تخص الطالب الإيطالي، مؤكدين أنه تم إيقافه خارج محطة مترو البحوث بالجيزة يوم 25 يناير/كانون الثاني التي تبعد عن منزلة مجرد دقائق، حيث كان ريجيني في طريقه لزيارة "حسنين كشك"، أحد أبرز المثقفين المعارضين للسيسي، بحسب صحيفة "الإندبندنت" البريطانية.
واتضح أن الطالب الإيطالي لاحظ تصوير مراقب مجهول له أثناء حضوره اجتماعاً للمعارضين السياسيين في 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي، كما أفادت تقارير أن ضابط الشرطة المسؤول عن التحقيق في جريمة القتل، أدين مسبقًا بالتورط في تعذيب وقتل أحد المحتجزين.
حسبوه جاسوساً
من جانب آخر، قال المدعي العام أحمد ناجي، والذي يقود فريق التحقيق في القضية في تصريحاته لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إن آخر إشارة لهاتف ريجيني تم التقاطها في الشارع الذي تتواجد فيه محطة المترو، أي في نفس وقت اختفائه.
العديد من الشهود قالوا إن اثنين من رجال الأمن بملابس مدنية كانا يبحثان عن الشباب في حوالي الساعة الـ7 مساءً، أي في الوقت الذي شوهد فيه ريجيني لآخر مرة، فيما قال أحد الشهود من دون الكشف عن اسمه لنيويورك تايمز، إن هناك ظابطين أوقفا الشاب الإيطالي، حيث قام أحدهما بتفتيش حقيبته بينما الآخر يتفحص جواز سفره، بعد ذلك قام الظابطان باقتياد ريجيني، فيما قال الشاهد إن هذين الظابطين شوهدا في الجوار في مناسبات سابقة وقد سألا الناس عن ريجيني.
ثلاثة مسؤولين أمن مصريين تحققوا من ملابسات القضية تحدثوا إلى الصحيفة الأميركية، وقالوا إن ريجيني تم اقتياده للحجز على يد السلطات المصرية، لأنه كان وقحاً مع الظباط، على حد تعبير أحدهم.
المسؤولون الـ 3 الذين تم التحدث معهم بشكل منفصل، قالوا إن ريجيني كان يبحث في حركات العمال غير الرسمية في مصر، وقد أثار الشكوك بسبب الأسماء الموجودة على هاتفه، التي تتضمن أسماء مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين وحركة 6 إبريل، اللذان يُعدان أعداء للدولة في نظر حكومة السيسي، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
أحد المسؤولين قال للصحيفة، "لقد حسبوه جاسوساً، فمن يأتي إلى مصر ليدرس الاتحادات التجارية؟".
تقديم أدلة
وقالت وزارة الخارجية الإيطالية إن السلطات المصرية قدمت لمحققين إيطاليين أدلة سعوا لأسابيع للحصول عليها في إطار التحقيق في مقتل ريجيني.
وجاءت هذه الخطوة بعد ساعات فقط من إفادة مصدر قضائي إيطالي بأن إيطاليا تدرس استدعاء فريقها القضائي المكون من 7 أفراد من القاهرة متعللاً بعدم تعاون من جانب السلطات المصرية.
وصدر تقريرٌ الثلاثاء نقلاً عن مصدرين أن مسؤولاً بمصلحة الطب الشرعي المصرية أبلغ مكتب النائب العام بأن التشريح الذي أجراه على جثة ريجيني أظهر خضوعه للاستجواب لمدة تصل إلى 7 أيام قبل مقتله.
ونفت وزارة العدل المصرية هذه النتائج التي تشكل أقوى إشارة حتى الآن على ضلوع أجهزة أمنية في مقتل ريجيني لأنها أشارت لأساليب تحقيق تقول منظماتٌ حقوقية إنها تحمل بصمات تلك الأجهزة الأمنية.
البرلمان الأوروبي
وأصدر البرلمان الأوروبي، بيانًا عاجلًا في 9 مارس/آذار 2016، أوصى خلاله دول الاتحاد الأوروبي، بحظر المساعدات إلى مصر، على خلفية مقتل الطالب الإيطالي، جوليو ريجيني بالقاهرة.
وقال البيان، إن قضية ريجيني، تعد واحدة من عشرات قضايا الاختفاء القسري التي تمارس بحق النشطاء المصريين -على حد وصف البيان.
وتضمن البيان رصدًا لتراجع أوضاع حقوق الإنسان من خلال 23 توصية من بينها دعوة البرلمان الأوربي للسلطات المصرية إلى إجراء تحقيق سريع ومستقل وحيادي وفعال في قضية ريجيني، مشددًا على ضرورة تقديم المسئولين عن مقتله وتعذيبه لمحاكمة عاجلة.
البرلمان الأوربي أكد قلقه البالغ من أن حالة ريجيني ليست عابرة، ولكن يتم وضعها ضمن سياق الزيادة الكبيرة في تقارير التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة المصرية، وغيرها من حالات الوفاة في أماكن الاحتجاز، وحالات الاختفاء القسري في مصر.
وقال البرلمان إن قتل ريجيني يثير القلق حول الزوار الأجانب لمصر، ويرسل رسالة مخيفة إلى كل أوروبا والدول الأجنبية التي تسعى إلى بناء علاقات مع المجتمع المصري، وتعزيز فهم أكبر للبلد، وطالب السلطات المصرية بوقف التعذيب والاختفاء القسري والإفراج عن الصحفيين والنشطاء ووقف الانتهاكات بحق المدافعين عن حقوق الإنسان.
الزند يلمح
واعترف وزير العدل المقال المستشار أحمد الزند للمرة الأولى بمقتل الشاب الايطالي جوليو ريجيني بالتعذيب خلال حواره الأخير على شاشة "صدى البلد" والذي تسبب في إقالته، قائلا "الطب الشرعي قدم تقريرا حقيقيا عن الإصابات الموجودة بجثمان الطالب الراحل (في إشارة لتعذيبه على يد الشرطة قبل مقتله)، لكن لا أريد الحديث في الأمر حتى لا يتم استغلاله من اللي بالي بالك" (في إشارة للإخوان المسلمين)، مؤكداً أنهم بالوزارة "مستعدين لتحمل الثمن السياسي عن التقرير".