كان مصدر قوتي.. وعندما رحل أصبحت أخاف كل شيء

غداً العيد، هذا أول أضحى لن تكون فيه إلى جانبنا.. أقسم لك بالخالق من أنه لا معنى له من دونك، لن أبالغ إن أخبرتك أنني أرغب في الاختباء حتى يمر هذا اليوم؛ كي لا أتذكر كيف كنا نتشارك طقوس ذلك اليوم المقدس.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/13 الساعة 04:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/13 الساعة 04:36 بتوقيت غرينتش

"بابا.. أراك في منامي، وكلما صحوت.. متّ، ألم فراقك لن ينتهي، لم يحدث أن غادرتني، لكنك فعلت.. إلى الأبد".

أصعق كلما تذكرت لحظاتك الأخيرة، تتسارع دقات قلبي كلما مرّت صورتك بمخيلتي، نظراتك الأخيرة ما زالت عالقة بذهني، كرعد يدوي في أعماقي ويهز كياني.

ما زلت أشاهدها في بث حي ثلاثي الأبعاد، يحملني على عيش لحظة فراقك من جديد بجودة عالية وقاسية جداً.

صدقني -بابا- أفقد السيطرة على جميع حواسي، أصرخ وأرمي ما أحمل بيدي بقوة.

أذكر في ذلك اليوم المشؤوم، دخلت الغرفة التي تنام فيها، وجدت أمي بالقرب منك، تمسك يدك، وبعض أفراد العائلة يجلسون حولك، أخي يُلقّنك الشهادة.. ماذا؟ الشهادة؟!
– قلت: كيف؟!
– كيف وصلنا إلى هذه النقطة أبي؟
– تريد الرحيل؟!
– وأنا.. أنا ابنتك لمن تتركني؟
وجهت الكلام لأخي – هل أنت جاد فيما تفعل؟!
– الشهادة!
الشهادة تعني الوداع، تعني أنني لن أراك بعدها أبداً أبي، تعني أنك لن تمسك يدي مرة أخرى، وتقبلها، ولن أمسك يدك وأقبّلها.

تعني أنني لن أتمكن من عناقك مرة أخرى،
تعني أنك أبداً لن تلاعب خصلات شعري حبيبي.

تعني أنني لن أتذوق لقمة من يدك ما حييت يا أبي، تعني لن ولن ولن..
– أصرخ: "بابا بابا أرجوك لا تذهب، بابا لا تتركني.. كيف أحيا من دون أنفاسك".

نتبادل نظرات العجز، تحاول أن تلفظ اسمي، تحاول قول العديد والعديد من الأشياء، لكن تلك السكرات اللعينة.. الثقيلة.. تحول بيننا أبي.

لا تملك سوى العبارات، تبكي بحرقة وأبكي بحرقة، بكيت من أجلي.. أحبك بابا.

لم تخذلني قط، لكنك فعلتها ذلك اليوم، رحلت ولم تعد ولن تعود، خذلتني رغما عنك، أبي لا أنت ولا أنا ولا أي شخص آخر يختار قدره.

موتك لم أضع له حساباً، لم أفكر قط أنك ستكون أول ميت أقبّل جبينه، لأول مرة أقبّلك ولا تعانقني.

بابا القوي.. بابا الشجاع.. بابا الذي يضع له الناس ألف حساب قبل التحدث معه.

كنت قوياً حتى في فترة مرضك، حتى في وجعك، حتى في آلامك.. حتى في مجابهتك لذلك المرض اللعين "السرطان".

تساءلت ذات مرة هل توجد حياة بعد رحيل الوالدين؟! وإن كانت؛ على أي نحو ستسير؟! عجزت عن الإجابة وعن التفكير حتى.

الآن أملك الإجابة بابا؛ أقسم لك أن رحيلك أسوأ كابوس مررت به في حياتي، رحيلك ترك ثغرة عميقة في كياني لن يسدها أحد غيرك.

لم أعد أملك أي مؤشرات عن وجود حياة سعيدة بعد رحيلك في هذه المعمورة، وإن سمعت عنها لا أصدقها.

لا أعرف كيف أبدأ من جديد، كما أنني لا أملك أي تطلعات إلى المستقبل، لم يعد يغريني شيء أو أي أحد آخر منذ أن تواريت عن نظري.

غداً العيد، هذا أول أضحى لن تكون فيه إلى جانبنا.. أقسم لك بالخالق من أنه لا معنى له من دونك، لن أبالغ إن أخبرتك أنني أرغب في الاختباء حتى يمر هذا اليوم؛ كي لا أتذكر كيف كنا نتشارك طقوس ذلك اليوم المقدس.

أتعلم أنك كنت كالروح.. عندما رحلت تهاوى كل شيء؟
حبيبي مهما أحببت من شخص في حياتي لن أحبه كما أحببتك، وأوقن أنه لن يحبني أحد مثلك.

أعلم أنك لن تسر بوضعي هذا؛ لذا سأستمر في عيش هذه الحياة الكاذبة المحطمة للآمال بالكفاح.

سأتبع نصائحك.. فأنا ابنة أبيها أو كما كنت تعبر عنها بـ"بنت باباها" التي لا يجب أن تنحني لأي مخلوق ولا حتى الحياة.

رحمك الله يا "هرمي"، وأسكنك فسيح جناته، روح وريحان لروحك الطيبة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد