الانقلاب الفاشل بين فرحتَين

أثناء التنقل بين شاشات الإعلام العالمية، كانت الغالبية المؤيدة للانقلاب من دول انقلابية، فأخذ المصريون زمام المبادرة في الحديث عن فشل أردوغان وسياسته الديكتاتورية، وراحوا ينظرون إلى النصف الفارغ من الكأس، تماماً كالقائمين بالانقلاب حين لم ينظروا إلى ما أنجزه حزب العدالة والتنمية، أو ما سمح به ولم يكن موجوداً قبله، منها قنوات فضائية مستقلة لا تتبع للحكومة وأجهزتها، وهو ما لم يكن موجوداً في زمن الانقلابات التركية السابقة، فسارعت تلك الفضائيات لإظهار رسائل أردوغان ودعوته للأتراك بالتظاهر، ولم تعِد بث البيان رقم واحد، كما طلبت المذيعة التي تلته عبر قناة TRT، فنقلته بقية الفضائيات المستقلة كخبر دون أن تتبناه، في زحمة نقلها لأخبار خروج الناس إلى الشوارع.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/17 الساعة 08:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/17 الساعة 08:48 بتوقيت غرينتش

تسمرت أمام شاشة التلفاز متنقلاً بين القنوات الفضائية كحال العالم أجمع، والسوريين خاصة، أثناء محاولة الانقلاب في تركيا، والتي أعادت رسم المشهد السوري المنقسم، بين مرحبين خرج بعضهم إلى شوارع دمشق مبتهجاً مطلقاً الأعيرة النارية في الهواء، وآخرين شعروا بالقلق والخوف.

حيث مثلت الساعات القليلة التي مرت بها تركيا ملخصاً تقريبياً لما حدث في سوريا، حين لم ينصَع الجيش السوري لمطالب الناس عقب انطلاق الثورة، وراح يفرق مظاهراتهم بقوة السلاح، فكان المشهد السوري بالرغم من الفارق النوعي بينه وبين التركي حاضراً في أذهان السوريين.

ولتتضح الصورة أكثر سأفترض التالي: الجيش التركي ينجح في انقلابه، الناس يخرجون للتظاهر ضد الانقلاب، إلى أين ستؤول الأمور لو أصر الطرفان على موقفهم؟ لا أجد سوى النموذج السوري، أو ما يقاربه، النموذج الذي راح العديد يتنكر له ويلقي بالمسؤولية على إصرار القتيل ويبرئ القاتل.

أثناء التنقل بين شاشات الإعلام العالمية، كانت الغالبية المؤيدة للانقلاب من دول انقلابية، فأخذ المصريون زمام المبادرة في الحديث عن فشل أردوغان وسياسته الديكتاتورية، وراحوا ينظرون إلى النصف الفارغ من الكأس، تماماً كالقائمين بالانقلاب حين لم ينظروا إلى ما أنجزه حزب العدالة والتنمية، أو ما سمح به ولم يكن موجوداً قبله، منها قنوات فضائية مستقلة لا تتبع للحكومة وأجهزتها، وهو ما لم يكن موجوداً في زمن الانقلابات التركية السابقة، فسارعت تلك الفضائيات لإظهار رسائل أردوغان ودعوته للأتراك بالتظاهر، ولم تعِد بث البيان رقم واحد، كما طلبت المذيعة التي تلته عبر قناة TRT، فنقلته بقية الفضائيات المستقلة كخبر دون أن تتبناه، في زحمة نقلها لأخبار خروج الناس إلى الشوارع.

وفي حين تخصصت العديد من وسائل الإعلام غير التركية في حربها ضد "داعش"، بالربط بين الأخيرة وأردوغان، وانتقاد حملات قمعه للصحفيين، وحملات قمعه للأكراد كما تصفها، وتعاطت بعضها مع قرارات إنسانية كقرارات سياسية، ومنها تجنيس السوريين، كان من الطبيعي أن ينقلوا ما حدث وكأنه استجابة لخطابهم الإعلامي المحرض، شاعرين بالزهو والنصر، دون النظر إلى ما تحقق وأهمه للأكراد الذين لم يحصلوا على شيء يذكر قبل حزب العدالة والتنمية، الأمر الذي اتضح جلياً بتنديد ممثل حزب الشعوب من البرلمان التركي بالمحاولة الانقلابية؛ لأنه يعلم وأنصاره من خلفه أن اللعبة الديمقراطية عبر الانتخابات أفضل لهم ألف مرة من محاولة اللعب مع العسكر.

قنوات أخرى أكدت نجاح الانقلاب عبر مراسليها أو من استوديوهاتها، كمراسل "فرانس 24" الذي تحدث من إسطنبول بنبرة واثقة: "الجيش يفرض حظر التجول.. وخروج العشرات أو المئات لن يغير المسار المرسوم"، بمعنى آخر الجيش لن يتراجع عن قراره في فرض حظر التجوال وسيعاقب كل مَن يخرج ويعبر عن رأيه، وبالطبع لم أستغرب كلامه لأنه كان قد أعد تقريراً عن قرار تجنيس السوريين، دون أن يتطرق لأي جانب إنساني يخص القضية، أو ديمقراطي يخص مؤسسات الدولة، واكتفى بنقل العبارات العنصرية بحق السوريين والأهداف السياسية من القرار.

أنصار الأسد من السوريين لم يجدوا فرصتهم على وسائل الإعلام لحسن حظهم، بعد أن تخلوا عن التحليل والنقد والخطاب المنطقي منذ خمس سنوات، وأوغلوا بالشتم والتخوين والتشبيح، ولولا مقتضيات المهنية والموضوعية الإعلامية، التي تستلزم سماع وجهة النظر الأخرى، لجزمت أن محطة إعلامية تحترم مشاهديها لن تستضيفهم، وبالطبع لو نجح الانقلاب، لعادوا إلى القنوات ليس بمنطق فهم واسترخاء المنتصر، إنما بالمزيد من التشبيح والدعوات الانتقامية، وهنا أتحدث عن جزء خبرناه جيداً، جزء يمكننا أن نختصره بـ"البوط العسكري" الذي دشنوه كنصب على مدخل مدينة اللاذقية.

أخيراً كشفت الساعات القليلة للانقلاب الفارق الجوهري والعميق بين تصرفات أردوغان التي تناولتها وسائل الإعلام بسخرية، كحضوره جنازة محمد علي كلاي، أو منعه لمواطن تركي من الانتحار.. وغيرها من التصرفات، وبين تصرفات الجيش التي لم تتردد بقصف مبنى البرلمان وإطلاق الرصاص على المتظاهرين، أو بين التضييق الأردوغاني على الصحفيين وحرياتهم، واقتحام العسكر لقناة إعلامية وإجبار العاملين بها على تلاوة البيان واحتجازهم كرهائن.

وهو الفارق العميق بين محاولات الإخوان السابقة في مصر الساعية لمحاكمة الصحفي باسم يوسف مقدم برنامج "البرنامج"، وبين العسكر الذين أوقفوه بـ"شخطة قلم"، خصوصاً أن الحملة الإعلامية ضد أردوغان تشبه تلك التي سبقتها على مرسي قبل حدوث الانقلاب في مصر. وإذا أخذنا فارق الموقفين المصريين بين حكومة الإخوان وحكومة العسكر من اللاجئين السوريين والثورة السورية، يتضح لنا أن انتصار الشعب التركي هو أيضاً انتصار للشعب السوري.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد