عالم مجنون

ما أقسى الحياة! الجبان أمسى يتحكم بتقرير المصير الذي يتيقن! والعزيز يتذلل للقمة العيش للتافه والصغير، الأرعن! والعالم يتقوص من بندقية غسيل أموال الفاسد واللئيم، الذي يتخفى، أو دهس بشاحنة مجنون أحمق؛ لينام المجرم الأكبر، ومَن خطط على ريش النعام في قصور أعمدة من الرخام والمرمر، اللامع من عرق الشعب الحزين الذي يتمزق.

عربي بوست
تم النشر: 2016/07/18 الساعة 05:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/07/18 الساعة 05:53 بتوقيت غرينتش

سمعته يصرخ.. حقاً الإرهاب لا جنس له ولا عنوان.. دعس وانقلاب في ساعات!! ولج الغرفة وهو محتقن الوجة.. عبوس النظرة.. أسمعت الأخبار؟ أرأيت عاجل الأحداث؟! كان فريداً في شخصيته، تتجلى في ذاته حب الوطن.. وحب الأم.. وحب الحق، وحب البلد.

إنه ابن ابيه القوي الحنون المغوار الذي يعرف ماذا يريد وبماذا يفكر. قال لي: أتدري ما أقسى الظلم الذي يتكرر؟ وما أقوى الإنسان الذي يلهث من ثقل الغدر الذي يستنسخ..ومن ضيم الغدر الذي يتأصل؟.. أحياناً في هذه الحياة تعاني من التعامل مع أصحاب قرارات وشخوص تظن أنها عاقلة حكيمه، لتكتشف لاحقاً كم أمست مجنونة، وكم أمست تدير زيف الحقيقة، ولتتيقن كم هي الدنيا سخيفة!.. وكم عالمنا مجنون ممتلئ بأمراض نفسية وإعاقات فكرية!

تساءل قائلاً: هل فقدنا احترام العالم؟ أم أن العالم أمسى في عيوننا فاقد الاحترام؟ هل فرنسا وتركيا هما الخاصرة الرخوة في أوروبا للإرهاب؟ أم أن خصرنا يعشق الرقص في وكر الذئاب؟ هل تمسكنا بديننا وعاداتنا وتراثنا يجعلنا أمة عليها انعكاسات لمرايا التضليل والإرهاب؟

هل تسلط الأضواء علينا يعيبنا ويدمغ عقولنا بالإجرام؟ أم تسلط جماعات ظلامية علينا باسم الإسلام الذي ليس له صلة بالحدث المجرم في نيس أو أي مكان.. إن السيئين في كل مكان! وليس لهم شاغل غير الإساءة للإسلام.. وديننا دين الرحمة والغفران.. أعلى درجات الإيمان لا إله الا الله، وأدنى درجاته إماطة الأذى عن الطرقات.. مَن تعدى على براءة أطفال وأناس يستمتعون بإنجاز ثورة تدعو للحرية والعدالة والمساواة هو مجرم أرغن لا يملك أدنى إحساس، وليس له مكان بيننا بل تهميش وإنكار، أكره القول لمتمرسي التشاؤم وحقد الذات، ومن يقول دعهم يتذوقون بعض السم الذي يصنعون، ويلعقوننا إياه بالخفاء.

ما ذنب أطفال قضوا بالدعس في نيس بفعل معتوه مدسوس على العروبة والإسلام؟! فديننا هو دين المحبة والاعتدال والإخاء.

قلت له لم تكد تصل إلينا لنتعطر بشذى أريج ورودك.. ولنتذوق براءة ضميرك!! حتى ترعبنا بفيلم حقيقي للإرهاب، حسناً دعنا نرتوي بروائع شفافيتك، دع قلمك يبوح لي بسرك.. دع حروفك وكلماتك ترسم جميل عبارات الحقيقة.. وتتكهن السر في انهيار منظومة السلام العالمية.. دع نبض أحاسيسك تمد الحرارة لقلبنا المنهك من الأكاذيب والرياءات التي تتأسد الشرايين الضعيفة.. والآن ما هو سرك الدفين؟ وما أسباب تفشي الإرهاب؟ ما أسباب تناسي قضية البلاد؟ ما حصل في نيس ليس جميلاً على الإطلاق.

نظر إليَّ مبتسماً وقال: أحقاً قد برح بنا اليأس والعجز لنطلب الغوث من استعمار كان قد ولَّى، ومن التتار والفرنجة، والصهيوني الذي يتخفى؟

أنستعين بأهل المنجنيق ليعيدوا لنا رسم جديد الشرق الأوسط بطبشورة الدم على سبورة مصنوعة من عظام أطفال ورضع، وأمهات المساكين ومن يذبح؟!
ما أقسى الحياة! نضيع في غبار الحاقد والجاهل والمتكبر، ومن للقتل يتسلل، ونحمل هموم السنين على كتف متعب!

ما أقسى الحياة! الجبان أمسى يتحكم بتقرير المصير الذي يتيقن! والعزيز يتذلل للقمة العيش للتافه والصغير، الأرعن! والعالم يتقوص من بندقية غسيل أموال الفاسد واللئيم، الذي يتخفى، أو دهس بشاحنة مجنون أحمق؛ لينام المجرم الأكبر، ومَن خطط على ريش النعام في قصور أعمدة من الرخام والمرمر، اللامع من عرق الشعب الحزين الذي يتمزق.

جوع وبرد وفساد وقسوة! حرمان واعتقال ومذلة!! أمور مسيئة لإنسانية الصغير والكبير لعالم أهوج.

هل انتهى رصيد الكرامة والعزة والشموخ؟ أين مصل الجبروت والرجولة والقوة والعنفوان؟ مَن يحقن بالخفاء مصل الهشاشة والضعف والغربة، لوهم بأن الفرقة والخروج عن تعاليم البيت الآمن هي من تمدنا بإكسير العيش الأسلم؟

قلت له: أظن أنك قادم من مكان فيه بصمة غريبة، وعاهة مستديمة، وندبة للإصلاح مستكينة.. تحرك الفكر الواعي لأفكار رشيدة، لنكران الذات والأنانية، وتجربة جدلية لليقين بالإنسانية، أنت قادم لأرض غاضبة تتحدى الإهانة والضعف والمذلة! يحرقون ويغتصبون لكن لا يمكنهم سرقة الأفكار النيرة؛ لأن لها أجنحة متطورة متجددة.. والحقيقة لها خطوط أفقية!! لكن المخاوف تنمو من الاختلاف على العقيدة والهوية.

قال: كيف هي الخطوط الأفقية!! والجهالة تسير بمسارات عموديه! هبوط في مستوى التعليم وارتفاع بالأمية.. هيمنة وفتاوى وأفكار سوداوية وغبية!.. ومفاهيم دينية لجاهلية تتحكم!! والبلاد تتقسم.

أضاف مسترسلاً: مؤتمر باريس للسلام الذي أنهى الحرب العالمية الأولى سنة ١٩١٩ وتكونت على أثره عصبة الأمم التي أشك أننا سنحتفل بمئويتها سنة ٢٠١٩.
بل العكس سيشهد مزيداً من التفكك في مؤسساته، وخصوصاً مجلس الأمن المختل أصلاً بسبب مؤسساته التي أضحت خيرية منزوعة الأظافر، والأنياب لسيطرة عضوين داخلهما، ناهيك عن الفيتو وهذا شاهدناه في قضيتنا الفلسطينية ونشهده الآن في القضية السورية عبر أربعة فيتويات معطلة.

هناك مؤشرات خطرة لانهيارات دولية:

١- تحكم الدول الكبرى بالقرارات الدولية، بما يعارض حقوق الدول الصغرى.
٢- الخلل في ميزان القوى وشعور فرنسا وبريطانيا أنهما يرتديان قميصاً فضفاضاً بالقياس لقدراتهما الاقتصادية وتراجع قوتهما العسكرية.
٣- اختلاف في مستوى التنمية لدول كروسيا، التي كانت إمبراطوريات وأضحت غير قادرة على اللحاق بالصين، أو دول ناشئة كتركيا والبرازيل التي تسعى جاهدة لتحقيق مكانة سياسية توازي مكانتها الاقتصادية.
٤- وما يهمنا فهو وجود صراعات وبأبعاد دولية في أكثر من بؤرة في هذا العالم، وخاصة دول الشرق الأوسط، ففي فلسطين القضية أهملت وهمّشت؛ لتصول وتجول إسرائيل بأرضها.

وفي مصر والعراق واليمن وغيرها وما يسمى بالربيع العربي الذي تحول لشتاء وعواصف نتج عنها حروب أهلية ومحلية لرغبة أطراف إقليمية بالتوسع.

وقد أعجبت بتحليل لعالم جغرافيا بريطاني (هافورد ماكندر) يقول: من له سيطرة على قلب العالم يسيطر على كل العالم، وقلبه يكون في نقطة التقاء قارتَي أوروبا وآسيا الشمالية، التي هي أوراسيا ولعل (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) تشكل مع تركيا وسيناء منطقة الصدم وتقاطع القارات الثلاث.

٥- وأخيراً اختراع الأسلحة غير التقليدية والصواريخ الباليستية التي غيرت من مفاهيم القوة، كذلك ما يعزز نظرية ماكندر وحقيقة منطقة الصدم السابقة هو صراعات الطاقة والأنابيب، فمنطقتنا وأهمها الخليج العربي أهم خزان للنفط والغاز، وهذا يبدو جلياً في حروب الغاز التي تخوضها روسيا؛ حيث يهمها عدم وصول الغاز الرخيص من منطقتنا إلى أوروبا عبر تركيا، باختصار صراعات دولية إقليمية ونحن البشر والحجر وقودها.

قلت: نعم ما ذكرت وأضيف التقليد الأعمى لكل الظواهر السطحية من إثراء غير مشروع، لجفاء في الأحاسيس، لسلوكيات ليس لها رادع أخلاقي أو دين!.
خيالات مآتة منتشرة تدعي الإيمان للتخويف، والدين منهم بريء.

نعم عرفت الآن لماذا فقدنا احترام العالم حولنا؟ ولماذا نعجز عن الرؤية الجادة والحقة في هذا العالم الخارج عن التعقل والنظرة الجادة؟ فالنجاح ليس بحجم الدماغ بقدر ما هو بحجم تفكير ذلك الدماغ.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد