من منا لا يتذكر تلك المشاهد الرومانسية المأساوية والمدهشة في الوقت ذاته عندما انقسمت سفينة "تيتانيك" إلى نصفين، وآثار التخدير التي شعرت بها في نصف جسدك السفلي بسبب الجلوس على المقعد في دار العرض لمدة 3 ساعات و14 دقيقة متواصلة، ثم الانتقال إلى أغنية الفيلم الرئيسية التي علقت في الأذهان للأبد؟
قليلون هم من نسوا تجربة مشاهدتهم للفيلم الأسطوري "تيتانيك"، هذا الفيلم الطموح المغامر الذي يمر على طرحه عشرون عاماً هذا الشهر.
يتناول الفيلم -الذي يستند إلى القصة الحقيقية لسفينة الركاب البريطانية التي اصطدمت بجبلٍ جليديٍ عام 1912- قصة الفتاة الأرستقراطية روز ديويت بوكاتر، التي تحاول أمها الأرملة إجبارها على الزواج من رجلٍ ثريٍ تمقته، وجاك داوسون راكب الدرجة الثالثة الذي يقع في غرام روز.
واقترنت مصائر العاشقين اللذين لعب دورهما النجمان الأميركي ليوناردو دي كابريو والإنكليزية كيت وينسلت بمشاهد مثيرة في أثناء غرق السفينة، أسرت خيال رواد دور العرض في كل مكان.
ولا عجب أنَّ الفيلم الذي لم يتغاض عن أي تفصيلٍ في إنتاجه الذي تكلف نحو 207 مليون دولار أميركي فاز بـ11 جائزة أوسكار، وأصبح ثاني أكثر فيلم تحقيقاً للإيرادات في التاريخ.
وللاحتفال بذكرى مرور عشرين عاماً على طرح الفيلم في المملكة المتحدة عام 1998، تكشف صحيفة The Daily Mail البريطانية معلوماتٍ جديدة عن النجوم والممثلين المساعدين، وإحصاءات وأسرار الفيلم الذي يزداد إعجاب الجمهور به بمرور الزمن.
1- عدوى في الجهاز الهضمي أبعدت دي نيرو عن الفيلم
عُرض على النجم الأميركي روبرت دي نيرو دور قبطان السفينة "القبطان سميث"، لكنَّه رفض العرض لأنه كان مصاباً بعدوى في الجهاز الهضمي، في حين كانت النجمة الأميركية ليندساي لوهان -التي كانت حينها طفلةً واعدة تبلغ من العمر 9 سنوات- على وشك الحصول على دور صديقة جاك الصغيرة "كورا كارتميل"، لكنَّها رُفضت بسبب تعارض شعرها الأحمر مع شعر روز الكستنائي.
وفي العام الماضي كشف ريس طومسون (25 عاماً) الذي حصل على دورٍ صغيرٍ لراكب طفل لم يُحدد اسمه ويعمل الآن مديراً في مجال التسويق الإلكتروني أنَّه حصل على شيكات نقدية تبلغ قيمتها أكثر من 27 ألف دولار أميركي كانت كافية له للالتحاق بجامعة وشراء سيارة.
2- مخرج بمزاجٍ خاص
يمكن نسب كثير من نجاح الفيلم لمخرجه الكندي جيمس كاميرون، الذي زعمت وينسلت أنَّه يملك مزاجاً لا يمكنك تصديقه، معترفةً أنَّها كانت خائفةً منه للغاية في بعض الأحيان.
وأشرف كاميرون -الذي فاز بثلاث جوائز أوسكار عن فيلم تيتانيك: جائزة أفضل فيلم وجائزة أفضل مخرج وجائزة أفضل مونتاج- بنفسه على التفاصيل الإضافية للفيلم (الممثلون أصحاب الأدوار الصغيرة والصامتة) من أجل تقديمها بأسماءٍ وقصصٍ حقيقيةٍ لركاب السفينة ليجعل أدائهم أكثر واقعية.
وفي المشاهد التي يرسم فيها جاك صوراً لروز، كانت تلك الرسومات هي رسومات كاميرون اليدوية لمشاهد الفيلم -يستطيع المخرج الرسم، بينما لا يبرع فيه دي كابريو- ورسم بنفسه صورةً كاملة لوينسلت وهي عارية (ارتدت ثوب سباحة لتحافظ على حشمتها).
واعترف المخرج الكندي البالغ من العمر 63 عاماً -الذي يُعد غواصاً معتمداً وأخرج عدداً من أفلام الحركة الشهيرة مثل The Terminator وAliens- أنَّ دوافعه تجاه إخراج فيلم عن غرق سفينة كبيرة كانت هي الرغبة في الغوص إلى الحطام الحقيقي لسفينة تيتانيك، التي لم تُكتشف بقايا حطامها حتى عام 1985.
وفي عامي 2001 و2005، غاص كاميرون وفريقه مراتٍ عدة في غواصات لالتقاط صور حطام تيتانيك الذي يقع على بُعد أكثر من 3 كيلومترات أسفل المحيط الأطلنطي باستخدام أحدث أنظمة التصوير بالكاميرا. وأسفرت رحلتهم عام 2001 عن فيلمٍ وثائقي اسمه Ghosts Of The Abyss.
3- مشاهد الفيلم كانت حقيقية وليست خدعاً سينمائية
كان تيتانيك آخر فيلم إثارة ضخم تُصوَّر مشاهده بطريقةٍ تقليدية بدلاً من استخدام الخدع السينمائية، وهو ما كان أحد أسباب وصول كلفة إنتاجه إلى نحو 207 مليون دولار أميركي (وهو ما كان أكثر بنحو 25% من تكلفة بناء سفينة تيتانيك الحقيقية التي بلغت نحو 7.5 مليون دولار أميركي عام 1909).
اشترى القائمون على الفيلم قطعة أرض مساحتها 40 فداناً في المكسيك، بُني عليها حوض بمساحة ملعبي كرة قدم وعمق 90 قدماً ويسع نحو 17 مليون غالون من المياه، وذلك ليحمل الهيكل الخارجي لسفينة تيتانيك المكونة من عشرة طوابق بعد أن أُعيدَ بناؤها.
وغُمر الحوض مباشرةً بمياهٍ من المحيط الهادئ، مع وضع المعدات على رافعات هيدروليكية لتميل بنحو ست درجات لتقليد حركة الأمواج.
واحتوى القسم الأمامي للسفينة على آلية تسمح لها بالغرق لمسافة 30 قدماً مع إمكانية ارتفاع السطح الأعلى بتسعين درجة في الوقت ذاته، وهو ما كان ضرورياً للمشاهد التي انقسمت فيها السفينة إلى نصفين.
وقال الأميركي راسل كاربنتر مدير تصوير الفيلم: "كانت السفينة ضخمة للغاية، والكثير مما فعلناه يُنفَّذ الآن باستخدام تقنيات الحاسوب. لكن في تيتانيك، وعندما ترى السفينة التي يبلغ ارتفاعها 800 قدم، تأكد أنَّها سفينة حقيقية يبلغ ارتفاعها 800 قدم، وعندما ترى 500 ممثل إضافي يركضون على سطح السفينة، تأكد أنَّهم 500 ممثل بالفعل".
تسبب حجم المياه في ضغوطٍ لا مفر منها؛ في مشهد اصطدام المياه بسلم السفينة الكبير على سبيل المثال، كان لا بد أن يتم التصوير على مرحلةٍ واحدةٍ لأنَّ المياه كان بإمكانها أن تدمر معدات التصوير بالكامل.
4- كيت وينسلت أُصيبت بانخفاض في درجة حرارة جسمها
صُورت المشاهد التي كان يعاني فيها الركاب وسط مياه المحيط في حوض مياه يبلغ عمقه 3 أقدام ويحتوي على 350 ألف غالونٍ من المياه، التي أصر كاميرون على تسخينها حتى 80 درجة، مدعياً "أنَّه كان مثل حوض سباحة في الواقع"، وأنَّ الأنفاس الباردة المتجمدة للممثلين أُضيفت لاحقاً بواسطة تأثيراتٍ خاصة.
وربما تختلف وينسلت مع ذلك، إذ رفضت أن ترتدي بذلة غوص أسفل ملابسها كي يبدو ارتعاشها أكثر إقناعاً، لتصاب بعدها بانخفاضٍ في درجة حرارة جسمها.
وحافظ عشرون منقذاً على سلامة طاقم عمل الفيلم، ولكن أي شخص فكر في الخروج من المياه لكسر الملل كان مهدداً بالاستبعاد.
وكان موقع تصوير الفيلم الساحلي يعني أنَّ معظم المناظر المُطلة على المحيط كانت حقيقية، ولتصوير الركاب الذين غرقوا، جرى تحويل الممثلين إلى جُثثٍ مُجمدةٍ باستخدام مسحوقٍ يتحول إلى بلورات عند تعرضه للماء، ووُضع شمعٌ على شعرهم وملابسهم ليبدو مظهرهم الجليدي أكثر واقعية.
5- 11 جائزة أوسكار وإيرادات بقيمة 2.5 مليار دولار
حتى الآن، حقق تيتانيك إيراداتٍ مذهلة بقيمة 2.5 مليار دولار أميركي في جميع أنحاء العالم، وهو الرقم الذي تخطاه فقط فيلم الخيال العلمي Avatar عام 2009 (الذي أخرجه جيمس كاميرون أيضاً).
تطابق حجم إيرادات الفيلم مع قدر الجوائز التي حصدها؛ ففي عام 1998، رُشِّحَ تيتانيك للفوز بأربع عشرة جائزة أوسكار، وفاز بإحدى عشرة، وهو نجاحٌ لم يتخطاه أي فيلمٍ قط ويضاهيه فيلمان آخران فقط وهما: Ben-Hur عام 1959، وThe Lord Of The Rings: The Return of the King عام 2003.
6- واقعية خلدت في الذاكرة
بذل كاميرون كل ما في وسعه ليضمن أن يكون فيلمه نسخةً واقعية من مأساة غرق السفينة تيتانيك قدر الإمكان. كانت سفينة تيتانيك مملوكة لشركة النقل البريطانية "وايت ستار لاين"، التي اندمجت لاحقاً مع شركة كونارد التي ساعدت كاميرون في استنساخ أثاث السفينة.
وكانت فكرة اللوح الخشبي الذي استلقت عليه روز بعد غرق السفينة في الفيلم تعود إلى قطعة أثرية حقيقية بقيت من حطام السفينة، ومعروضة الآن في متحف المحيط الأطلسي البحري بمدينة هاليفاكس عاصمة مقاطعة نوفا سكوشا الكندية.
وفي المشهد الأخير، عندما قابلت روز جاك، تشير عقارب الساعة على الدرج الموجود خلفهما إلى الساعة الثانية وعشرين دقيقة صباحاً -وهو الوقت الذي غرقت فيه السفينة الحقيقية بالضبط.
ولم يكن كاميرون يعلم أنَّه كان هناك شخص حقيقي يُدعى جوزيف داوسون -وليس جاك داوسون- على متن السفينة الحقيقية إلا بعد تصوير الفيلم.
7- أناقة كلاسيكية مُبللة
يرجع جزء من الإعجاب الشديد بفيلم تيتانيك إلى أزياء الممثلين، التي تطلبت طاقم عمل مكون من 50 مصمم أزياء في العام الواحد لتصميمها.
واستعادت ديبورا لين سكوت مصممة الأزياء الأميركية -التي طافت حول العالم لجمع قطع أصلية من العصر الإدواردي لمساعدتها في تحقيق التفاصيل المطلوبة- ذكرياتها قائلةً: "كان حجم العمل لا يُصدق".
وواجهت ديبورا معاناةً شاقة إضافية بسبب تعرض طاقم ممثلي الفيلم للبلل باستمرار، إذ قالت: "كان من الممكن أن يكون لدينا فجأة 700 شخص أو أكثر في الماء".
وأضافت قائلةً: "اضطررنا إلى صنع سترات نجاة لمعظمهم، ولم تُصنع دائماً دفعةً واحدة؛ لذلك كانت لدينا غرفة عملاقة تشبه خزانة تسخين حيث يمكن للملابس أن تجف، وارتدى الجميع بذلات غوص، وكان يمكن أن يستغرق الأمر ساعات عدة حتى يصبح الممثلون جاهزين".
وتابعت قائلةً: "أتذكر في أحد الأيام أنَّه كانت هناك مجموعة من أشخاص أنيقين للغاية في قارب نجاة، جميعهم يرتدي ملابس أصلية: قفازات وأحذية ومجوهرات وكل شيء. وقرر جيم (كاميرون) أنَّه يريد المزيد من الأشخاص في المياه؛ لذلك ألقاهم فيها! أُصيب طاقم تصميم الأزياء بالصدمة والرعب، وكدتُ أن أتعرض لأزمةٍ قلبية".
وكانت جميع الفساتين الـ24 التي ارتدتها روز من مقاس 8، رغم أنَّها ارتدت في المشاهد الأخيرة معطفاً مقاس 12 كي يجعلها تبدو أكثر عرضة للخطر.
8- هل تكره سيلين ديون أغنية الفيلم الرئيسية؟
أصبحت أغنية الفيلم الختامية الرائعة (وإن كانت مبتذلة بعض الشيء) التي تحمل اسم My Heart Will Go On مرادفةً للأحداث الدرامية في الفيلم ونجاحه بشكل عام.
كان كاميرون عاشق موسيقى الهيفي ميتال معارضاً بشدة لإدراج أي أغنيات من فئة الموسيقى الكلاسيكية للفيلم في بداية الأمر، ناهيك عن أغنية تقليدية من فئة موسيقى البوب.
وكتب جيمس هورنر المؤلف الموسيقي الأميركي أغنية الفيلم الرئيسية بالتعاون مع الشاعر الغنائي الأميركي ويل جينينغز، ورتبا سراً موعداً لتسجيل الأغنية مع نجمة الغناء الكندية سيلين ديون.
وبعد استماعه لمقدمة الأغنية، وافق كاميرون -بعد ضغطٍ من شركة الإنتاج لاستخدام كل أدوات التسويق المتاحة أياً كانت ليحقق فيلمه باهظ التكاليف نجاحاً تجارياً- على إدراج الأغنية بالفيلم.
ورغم فوزها بجائزة الأوسكار لأفضل أغنية أصلية عام 1998 وبيع 15 مليون نسخة منها في جميع أنحاء العالم، لم تحظَ الأغنية بالإشادة الكافية عالمياً.
إذ قالت وينسلت أنَّها لا تستمع إلى الأغنية أبداً، وربما لا تكون ديون إحدى المعجبات بها أيضاً؛ بسبب تعليقها الذي يحتمل الغامض عندما قيل لها إنَّ وينسلت تريد التقيؤ في كل مرة تستمع إلى الأغنية، إذ قالت: "الحمد لله أنَّها لم تضطر إلى غنائها!"