توق الإنسان للرغائب والمشتهيات يدفعه للسعي الدؤوب، مشمراً عن ساعدي الجد والاجتهاد، طبعاً هناك أشواق مشروعة محبوبة مطلوبة في الدين والدنيا، وهناك أشواق شريرة منكرة سلبية، وقد يصل المرء إلى رغائبه المشروعة بطرق مشروعة، وهذا جيد وجميل، وقد يصل إلى رغائبه المشروعة بطرق مخالفة لقوانين الأرض والسماء.
"الغاية تبرر الوسيلة" هذه الفكرة المريضة التي أسس عليها "مكيافيللي" كتابه "الأمير"، حطمت الكثير من المفاهيم الراقية، تعني الفكرة أنه طالما كان الهدف نبيلاً بإمكانك أن تصل إليه عن طريق أي طريق!!، وهذا لعمرك خطأ مطلق.
لا يجوز البتة أن تذهب إلى الحج (الغاية)، بمال مسروق من الأيتام مثلاً (الوسيلة).
الغاية نهائياً لا تبرر الوسيلة، يطلب الإسلام العظيم منك أن تكون غاياتك نبيلة ووسائلك لتحقيق هذه الغايات نبيلة أيضاً.
ولا بد عند هذه النقطة بالذات تذكر سيرة سيد البشر عليه الصلاة والسلام؛ حيث ثبت أنه صلى الله عليه وسلم (ما كذب حتى وإن كان مازحاً)، ما كذب لا على أصدقائه، ولا على أعدائه، ما كذب نهائياً أبداً في كل حياته ولا مرة، مع أننا نعرف أنه كان قائداً عسكرياً هماماً خاض الكثير من الحروب ووقّع اتفاقيات صلح وهدنة، وهذا يستدعي المراوغة واللف والدوران، إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يستخدم هذه الأساليب الملتوية؛ لأنه سيد المستقيمين، وسيد الصادقين، وسيد الأخلاقيين عليه الصلاة والسلام.
نخلص من كل هذا إلى أن المؤمن بالله جل جلاله، يجب أن يضع نصب عينيه أن عليه السعي الحثيث نحو معالي الأمور بطرق شرعية راقية لا تخدش القوانين الأرضية ولا السماوية بل لا تقترب من حدودها.
وإذا عدنا للإجابة عن سؤالنا الابتدائي المؤسس لهناءة العيش، كيف تجذب كل ما تريد إلى حياتك؟ فإننا نرى أن القرآن الكريم قد أجاب ببلاغة وبساطة:
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاستغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) (الليل 5 – 10).
من أراد أن يتنعم بالخيرات واللذائذ، عليه أن يقدمها هو أولاً للآخرين: فأما مَن أعطى… فسنيسره لليسرى.
يامن تبحث عن مكاسب دنيوية من مجد ومال وصيت طيب بين الناس، ضخ أنت أولاً الإيجابيات والمسرات، وهي تلقائياً ستعود إليك وفق مبدأ الدوران.
أقصر طريق للحصول على السعادة هو إسعاد الآخرين..
أقصر طريق لجذب كل ما تريد إلى حياتك، هو أن تعطي – فأما مَن أعطى – للآخرين كل ما يحتاجونه.
تخيّل معي شكل الحياة، بعد أن يتحول كل منا إلى (معطٍ ومتقٍ ومصدق)، تخيّل طبيعة العلاقات الاجتماعية بين الناس كيف ستكون بعد (أعطى، اتقى، صدّق)…
ستتحول الأقدار إلى صالح كل المعطين المتقين المصدقين، سيغدق الله جل جلاله على الجميع بـ(اليسرى).
وهل يحتاج الإنسان في كل زمان ومكان شيئاً سوى تيسير أموره، والتفوق والتوفيق في كل ما يسعى إليه مادياً ومعنوياً؟
إن أعطينا الآخرين، سيعطينا الله.. إن اتقينا إغضاب الله، لن يغضبنا القدر.
إن صدّقنا الرسالات السماوية، ستتيسر أمورنا.. والعكس صحيح.. إن بخلنا على الآخرين بمالنا وبابتساماتنا وبأخلاقنا ككل، ستتعقد أمورنا.
إن استغنينا عن الله، بدل أن نستغني بالله، سيكلنا الله جل جلاله إلى أنفسنا..
إن تجاهلنا الأوامر الإلهية، وتهاونا في أداء العبادات المفروضة، فإن ما نرجوه من الدنيا ومن الآخرة سيهرب مبتعداً عنا..
إن أردت أن تجذب كل ما تريد إلى حياتك، اجعل العطاء نبراس حياتك.
إن أردت أن تحصل على كل ما تريد، امنح الآخرين كل ما يريدونه من ذوقك وأدبك ولطافتك الجمة.
ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.