ليلى و الذئب

متى سينتهي كل هذا؟ حين تكبر تلك الصغيرة؟ لا أعتقد، فجميعنا كنا صغاراً وكبرنا وعلمنا أن حكايات الطفولة خرافات، وأن القلوب التي تولد مريضة لا يعالجها شيء، لبسنا معطف ليلى الأحمر أم لا، لن يتغير في الذئاب شيء، ولن يكون "أن نكبر" شيئاً جميلاً أبداً، فيا سيدات العالم.. ارتدين الأحمر ولا تُبالين.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/04 الساعة 01:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/04 الساعة 01:53 بتوقيت غرينتش

استوقفني صوتها الصغير وهي تقول بكل حماسة "حين أكبر سـ.."، لم أعِر اهتماماً لأمانيها التي ملأت باقي كلامها، ولكن شدّني وقع جملة "حين أكبر" وتذكرت نفسي وأنا في عمرها بذات التفاؤل والأمل والشوق لأن أكبر.

كم كنت حالمة حينها، تملأ عيني رغبة شديدة في أن أرى المستقبل بسرعة، أشتاق إلى اكتمال أنوثتي وأنا أراقب طولي وعرضي وملامح تكويني منتظرة ذاك اليوم الذي سأصبح فيه آنسة مكتملة الجمال والأنوثة كي أنطلق وتنطلق معي الحياة.

لم أكن أعلم حينها بوجود الذئاب خارج قصة "ليلى والذئب"، واعتقدت وإن قد وُجد الذئاب حقاً فإن عدم ارتدائي لمعطف أحمر بقبعة كفيل بأن يحميني من ذاك الذئب، وحينما كبرت علمت أن الذئاب ليسوا كذئب ليلى ببشاعته، بل لهم من الوسامة والأناقة الكثير، فضلاً عن لباقة اللسان، وعلمت أن حرمان نفسي من ارتداء اللون الأحمر رغم عشقي له لن يحميني من نظراتهم المتوحشة.

كم وددت حينها أن أصرخ في وجه تلك الفتاة الصغيرة وأخبرها بحقيقة غدها الذي تنتظر، وأخبرها بوجود إملاءات لن تستطيع بسببها فعل كل ما تتمناه، وأن نسبة كبيرة من أمانيها سيغتالها الحرام والعيب والممنوع.

ستعلم حينما تكبر أن المشروع لها ليست هي من تحدده، بل غيرها من يفرضه عليها، وأن استمتاعها بالحياة سيكون بشروط، وانطلاقتها ستكون برِجل واحدة، وستعلم أن جسدها ليس ملكها، وأن وجود الآخر سيحتم عليها دسه بين طيات الملابس وسيزعجها وجود ذاك الآخر لدرجة تمنّي عدم وجوده.

كم كان كوني جميلاً حينما كنت صغيرة؛ أفعل ما أشاء دونما اتهامي بالسذاجة، ألاعب الغبار المتراقص على أشعة الشمس، أنام متى وأينما شئت لأصحو متى وأينما شئت، أكون أُماً لدميتي وأحياناً أختاً لها.. صانعة عالماً من الخيال الوردي لم تلوثه أيدي أحد بعد.

ستكبر وستكتشف أن كل ذلك حلم، ستكتشف أن ضحكتها العفوية قلة أدب وعدم كسر عينها في العديد من المواقف قلة حياء، وأن صوتها إن علا حتى بكلمة حق سيكون جرأة، والجرأة في مجتمعها عيب كبير، وأكبر المصائب لو أنها أحبت!! وكأن المجتمع يطالبها بتحديث قلبها لمواكبة التطور الإلكتروني فلا يحق لها إلا أن تبرمج قلبها على اختيارات المجتمع الضيق كما الموسع، وإن أخبرت "حبيبها" بوجود غيره في ماضيها يبدأ الآخر في السباحة بخياله الواسع المبني على ما اقترفه هو مع أخريات، هل كان ينتظر الزواج بالسيدة العذراء؟! في الوقت الذي قد يتفاخر فيه هو بعدد النساء اللاتي خرج معهن!!

ستعرف حينما تكبر أن صفة العهر تطلق على كل واحدة خالفت قوانين البشر الوضعية والوضيعة، وسيُطلب منها أن "احترمي نفسك"!! هذا ما سيخبرك به العالم أجمع وسيكون عليك حفظ تلك الجملة وتعليقها على الجدران المحيطة بحياتك! إنه لَمِن الرُقي أن يحترم المرء نفسه، ولكن احترامك لنفسك في عُرف مرضى النفوس والعقول هو أن تغلقي على نفسك داخل بوتقة تنصهرين داخلها ذاتياً إلى أن تضمحل كل مواهبك وطاقاتك وطموحاتك وآمالك وكل ما هو جميل في قلبك، اختنقي بالوجود فأنت مثل القنبلة الموقوتة التي تهدد وجود الآخر المسكين الضعيف البريء الذي يزعجه وجودك، احترمي نفسك واجعلي من يديك مكبحاً يوقفك في محطة واحدة في حياتك اسمها بيت الزوج الذي في أغلب الأحيان لن يكون من اختيارك أنت، شخص ما دق البيت من بابه، لا تعرفينه.. "اصمتي! ستعرفينه وستحبينه بعد الزواج"، وفجأة تجدين نفسك تصبين كل ما تملكين من مشاعر على شخص أصم وأبكم، هذا ليس بحب، هذا جُبّ أوقعتِ نفسك فيه، فالحب هو أن يختار قلبك قبل عقلك، الحب هو أن تسمع أذناك خُطى أحدهم في الشارع الخلفي لِحيّكم، في الشارع الذي حذرتك أمك من الذهاب إليه فيدق قلبك لتتبعي دقاته نحو الخلف بدلاً من الاستمرار في الركض أمام باب بيتكم في الشارع الأمامي الذي لن يمر منه سوى مَن يعجب سكان حيّك ذاك.

تعاني نفوسنا نحن البشر من وعكة ينكرها الجميع ويرفض العلاج، لو يتوقف البعض فقط عن النظر إلى أنفسهم بعين الكمال لاعتدل الحال، ولكن قلوبهم حبيسة صناديق قديمة مفاتيحها صدئة، ما يحتاجه البعض هو فقط الوقوف عراة أمام حقائقهم، أمام نقائصهم، والاعتراف بأن الكمال صفة إلهية يستحيل الوصول إليها، ولو أنهم بدأوا في ارتشاف المعرفة من كل ما حولهم بدل ادعاء أنهم أصل المعرفة لاكتمل المشهد الإنساني واتزنت الحياة.

متى سيتخلص البشر من عقدهم النفسية التي تملأهم ومن عقد التصنيف الساذج والازدواجية التي يعاني منها الكل، فضلاً عن مرض أنا على حق وأنت على باطل، أنت لا تعرف قدر ما أعرف، أنا الكبير وأنت الصغير، أنا الرجل وأنت المرأة؟!

اسمح لي أن أخبرك يا مَن تفكر بهذه الطريقة بأنك لست "رجلاً"، بل أنت رِجلٌ مكسورة وعاجزة، تقوم بتعليق نقصك على من تراهم أضعف منك، كبش فداء تُسقط عليه جميع مشاكلك النفسية والجسدية والأيديولوجية وكل إحباطاتك ونقائصك، فنحن سبب عدم انتظام سلوكك في الشارع وقولك للكلام البذيء، نحن سبب علاقتك المهزوزة مع الله، سبب الفتنة، سبب الكرب والحرب والجوع والفقر، سبب العلل والأمراض، نحن حقاً نستحق الحرق!

متى سينتهي كل هذا؟ حين تكبر تلك الصغيرة؟ لا أعتقد، فجميعنا كنا صغاراً وكبرنا وعلمنا أن حكايات الطفولة خرافات، وأن القلوب التي تولد مريضة لا يعالجها شيء، لبسنا معطف ليلى الأحمر أم لا، لن يتغير في الذئاب شيء، ولن يكون "أن نكبر" شيئاً جميلاً أبداً، فيا سيدات العالم.. ارتدين الأحمر ولا تُبالين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد