هيئة التنسيق وأخواتها على خطى حزب البعث لحكم سوريا

وبعض الدول الإسلامية تلبسها أميركا كقفاز حرير، وذلك لاختراق الفصائل الإسلامية والثوار بحجة دعمهم، والحقيقة هي دراسة أمنية عنهم لانتقاء المعروفين بالتحزب المقيت والأنانية والجهل؛ لأن هؤلاء هم الطعم وحصان طروادة للقضاء على الثورة وشق صفها؛ كونهم محسوبين إسلاميين ولو كانوا غير ذلك لما وثق بهم أحد من الناس وفشل تمرير مخططاتهم.

عربي بوست
تم النشر: 2016/09/16 الساعة 03:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/09/16 الساعة 03:41 بتوقيت غرينتش

بعد جلاء فرنسا، تناوب على حكم سوريا كل من حزبي الشعب والوطني؛ كونهما يملكان الكتلة البرلمانية الأكبر التي تفوضهما لتشكيل حكومة وانتخاب رئيس جمهورية، مع مشاركة لا تكاد تذكر لحزب البعث والحزب الاشتراكي والإخوان المسلمين والحزب القومي السوري والشيوعيين وغيرهم..

وكان سبب سيطرة حزب الشعب والحزب الوطني على البرلمان؛ كون بعض أعضائهما عُرفوا بالوطنية ونضالهم ضد المستعمر، وبعضهم كانوا أعضاء بالمحافل الماسونية التي كانت منتشرة بسوريا حتى نهاية الأربعينات، وأغلبهم يمثل الطبقة البرجوازية والإقطاعية بسوريا، وخاصة المدن الكبيرة واستغل هؤلاء البرلمان والحكومة لسن القوانين لخدمة مصالحها على حساب الدولة وبقية الشعب وكان بعضهم يردد أن هذا ثمرة نضالهم ضد الفرنسي !

ونتيجة لذلك الفساد الإداري والسياسي، تدهورت حالة الشعب وخاصة الطبقة المتوسطة والفقيرة، مما أدى لمظاهرات عارمة على مستوى سوريا تطالب بإسقاط الحكومة والبرلمان، وعجزت الشرطة عن قمعها فاستعانت الحكومة بالجيش فتدخَّل رئيس الأركان وقمع المظاهرات.

الأمر الذي مهد بعد أشهر لأول انقلاب عسكري بسوريا في آذار عام 1949م، حيث ذاق العسكر طعم السلطة عندما قمعوا المظاهرات وبرروا الانقلاب أمام الشعب بفساد الطبقة الحاكمة.

وحدث الانقلاب الثاني بعد مئة يوم ورجعت الحياة الدستورية للبلاد، ولكن الأحزاب لم تستفد من كيسها ورجعت لفسادها الاقتصادي وتناحرها، فاستغل الجيش ذلك وجاء الانقلاب الثالث بنفس الذريعة ليحكم البلاد بقبضة من حديد حتى سنة 1954م، حيث تم عزل قادة الانقلاب بميثاق حمص.

ورجعت الحياة البرلمانية شكلياً للبلاد، والأمر المهم أن المبارك لهذه الانقلابات العسكرية هم انطوان سعادة، زعيم الحزب القومي السوري، وميشيل عفلق، وأكرم الحوراني.. الذين اتحدوا بحزب البعث العربي الاشتراكي، حتى نُعت الحوراني بصديق العقداء، حيث كان وراء جميع الانقلابات وأدرك حزب البعث أنه لا يمكن الوصول للسلطة إلا عن طريق الجيش والانقلاب؛ لأنه كان منبوذاً شعبياً؛ بسبب توجهاته اليسارية والطائفية ومعاداته لتوجهات وعادات الشعب السوري كهيئة التنسيق اليوم، علاوة على عمالة قياداته للخارج مع واجهة من الوطنيين المغرر بهم كتقية لتمرير مخططاته على الجيش والشعب، فدأبت قياداته باختراق الجيش وتسييس الضباط والسيطرة على المواقع القيادية فيه، حتى تشكلت بما يسمى كتلة الضباط السياسيين.

وانقسم الجيش طائفياً وحزبياً بدسائس الطائفيين بحزب البعث، بينما كانت تغط أحزاب الأكثرية الشعبية بصراعاتها الجانبية -كحالها بثورتنا اليوم- ونأيها واحتقارها للجيش ولمن ينضم له وجاءت انتخابات 1954م البرلمانية ليحصل حزب البعث على ربع مقاعد البرلمان تقريباً، بعدما كان لا يحصل على أكثر من نائب أوحد، وهدد الجيش بفرض البعثيين بالحكومة أو الانقلاب، وكانت النتيجة حكومة توافقية ضعيفة، وبقي البعث يتغلغل بالجيش على أساس طائفي إيديولوجي مع واجهة من الوطنين السذج، وكذلك شعاراته البراقة بالإصلاح الزراعي وحقوق العمال والفلاحين والكادحين وتعرية فساد أحزاب البرجوازية والإقطاعية المشغولة بتناحرها ومصالحها الخاصة.

وبقي الأمر كذلك حتى تمكن البعث من جميع مفاصل الجيش، فجاء الأمر الخارجي بساعة الصفر وانقلب البعث بالعراق وسوريا سنة 1963م، ومن شدة فرح السفير الأميركي بالعراق بنجاح الانقلاب، سكب زجاجة الشمبانيا على رأسه بدل أن يشربها، فجهودهم بإدارة البعث من الخلف أتت أكلها بعد حوالي عقدين من الإعداد، وبدأ الضباط الطائفيون بمصادرة أراضي الأكثرية وتوزيعها على جماعتهم باسم قانون الإصلاح الزراعي، وكذلك تسريح ضباط الأكثرية ثم ضباط بقية الأقليات، ليصبح الجيش تحت سيطرة العلويين فقط بانقلاب شباط، وذلك بتشكيل مجلس عسكري الذي يسعى الروس اليوم لاستنساخه.

وكانت وزارتا الدفاع والداخلية محسومتين لحزب البعث للتخلص من الضباط الشرفاء فيه؛ تمهيداً لانقلاب ما يسمى الحركة التصحيحية ليحكم بعدها الطائفيون باسم البعث، البلدَ بالإرهاب والعنف بمباركة عالمية، حتى اندلاع ثورة الكرامة السورية علي يد أطفال درعا.

واليوم التيارات الإسلامية والعلمانية سواء بالهيئات السياسية أو الفصائل الثورية تكرر نفس الخطأ والتناحر الذي فعله حزبي الشعب والوطني بعد جلاء الفرنسي لمصالح إيديولوجية وخلافات فقهية وحزبية ضيقة غير مدركة لخطورة المرحلة والمخططات الدولية لسوريا والمنطقة.

وكان جراء ذلك أن كرهت الحاضنة الشعبية تناحر هؤلاء والتزم بعضها الحياد الإيجابي وربما السلبي، وصار البعض يتمنى أي بديل غيرهم كما فعل الشعب بعد الجلاء، وانتفض ضد فساد حزبي الشعب والوطني، رغم سابقتهم بالنضال ضد الفرنسي ودعم الشعب العسكر للتخلص منهم، الأمر الذي أدخل سوريا بنفق مظلم، وذلك بسبب سلوك الطعمة الحاكمة حينها واليوم هذه لعبة مدروسة بدعم أمثال هؤلاء المؤدلجين والقادة الفاسدين كي ييأس الثوار ويتخلوا عن الثورة ويشاركوا النظام ولسان حالهم ليس بالإمكان أفضل مما كان فلنحذر من ذلك فثورتنا بخير.

وبعض الدول الإسلامية تلبسها أميركا كقفاز حرير، وذلك لاختراق الفصائل الإسلامية والثوار بحجة دعمهم، والحقيقة هي دراسة أمنية عنهم لانتقاء المعروفين بالتحزب المقيت والأنانية والجهل؛ لأن هؤلاء هم الطعم وحصان طروادة للقضاء على الثورة وشق صفها؛ كونهم محسوبين إسلاميين ولو كانوا غير ذلك لما وثق بهم أحد من الناس وفشل تمرير مخططاتهم.

بالمقابل هيئة التنسيق وأخواتها تسير على نفس خطى حزب البعث الطائفي الذي استطاع بعد حوالي عقدين من الجلاء التغلل بالجيش وبالتالي الانقلاب وحكم البلد، بعدما كان نكرة ومنبوذاً من الجميع، فهناك تبنٍّ دولي إقليمي وعربي لهيئة التنسيق، ونقطة الضعف لديهم هي عدم وجود فصائل تتبنى فكر هيئة التنسيق وتدعمهم في حال جاءت لحظة الصفر للتخلص من رأس النظام ومشاركة بقية النظام بإدارة البلد كالجيش والأجهزة الأمنية، وبالتالي إعطاء شرعية لهذه الأجهزة المجرمة بمسح تاريخها واستئنافه من جديد بتصفية جميع الفصائل والشرفاء، وذلك بعد دعشنتها ثم التخلص من المغرر بهم الذين شاركوهم وأعطوهم شرعية.

والسياسة المتبعة حالياً للوصول لهذه الطبخة هي تقوية الذراع العسكرية لهيئة التنسيق ذات الأغلبية بالهيئة العليا، حيث الذراع السياسية جاهزة وتتألف من هيئة التنسيق والمنشقين عنها، والذين يقفون على الحياد السلبي وفلول النظام وأشخاص تم إرسالهم لأميركا وأوربا عن طريق دول الجوار بعد دراسة شخصيتهم وفكرهم خلال عملهم وخاصة الإغاثي، لإعدادهم لدورات قيادية لمستقبل سوريا.

وتقوم الذراع العسكرية بانتقاء بعض قادة الحر بمواصفات معينة أغلبهم أميّ وغير متعلم وانتهازي، وربما مقبول اجتماعي، وذلك لسهولة تمرير المخططات من خلالهم؛ بسبب جهلهم وإغداق الأموال عليهم لشراء جميع الأسلحة والذخائر بالسوق السوداء؛ كي لا يصل لها الشرفاء، والطلب منها القيام بمعارك على الفصائل المخلصة بعد دعشنتها كما حصل بالجنوب، حيث تم اعتماد خمسة فصائل وتدسيمها ودعمها وللأسف أصبحت خنجراً بظهر الثوار وتصفي حتى من يقوم بمعارك ضد النظام وأصبحت تحرس حدود الجولان والأردن والسويداء ومواقع النظام، بحجة الهدنة.

والخطير بالأمر أن هذه الفصائل ممثلة بهيئات عليا محسوبة على الثورة، وأصبحت الذراع التنفيذية الفعلية لهيئة التنسيق، حيث قادتها ليس أكثر من بيادق، وتحريك الفصيل أصبح بيد المخابرات الأميركية، والبنتاغون الذي شرع منذ قرابة سنتين بانتقاء عناصر من هذه الفصائل وتدريبهم بدول الجوار لهم مواصفات معينة وأهمها عدم الالتزام الأخلاقي والديني وسهولة السيطرة عليهم، حيث هناك فريق مختص بدراستهم وترشيحهم للتدريب لزجهم مستقبلاً ببعض الفصائل.

بالمقابل التضييق على بقية فصائل الحر وحتى إيقاف دعمها أو دعمها بشيء لا يذكر لاحتوائها، والطلب منها الانضمام لتلك الفصائل المبرمجة، وأيضاً العمل على استنزاف الفصائل الإسلامية ومن معها بمعارك جانبية بأن تسلط عليهم فصائل تحت اسم داعش عميلة ومصنوعة على عين النظام ومدعومة من نفس الداعمين للفصائل السالف ذكرها، وتقوم بالتكفير والترويج أنها مبايعة لداعش للبس الأمر على من يقاتلها أنهم خوارج..

وللأسف نجح هذا المخطط باستنزاف تلك الفصائل والمخطط مرسوم حتى 3-5 سنوات مقبلة، وذلك بتدسيم الفصائل الملتزمة بالهدنة الذراع العسكرية لهيئة التنسيق وأخواتها واستنزاف البقية، ولا حل لإيقاف هذا المخطط الخطير والاستنزاف والموت البطيء، إلا بنبذ الهدنة وفتح جميع الجبهات عاجلاً وخاصة جبهة الساحل ودمشق والجنوب، أو سيكون المصير الاستنزاف وتمثيليات التسليم التي ستحصل بعدة مناطق والعودة لحضن النظام كما حصل بداريا، وقريباً بالمعضمية بعد صمود إسطوري لمدة خمسة أعوام أدهشت العالم.

وعموماً هذا مخطط محكوم عليه بالفشل مسبقاً وتجربة حفتر ليبيا وتونس لا تزال شاهدة، ولكن سيكلفنا ثورة مضادة وكل من تسول له نفسه مشاركة هذا النظام بعدما فعله بأعراضنا ودمائنا وبلدنا بحجة إزاحة بعض الضباط المجرمين ورئيسهم، فخيانته مضاعفة وسيكون مصيره الإعدام، لأنه خان الثوار والدماء والأمانة، فالعالم لن يقبل إلا بحكم عسكري لبلادنا، وليس ذلك فحسب بل بقيادات عميلة له ولا عزاء لبعض التيارات الإسلامية إذا استغلها الآخرون لهذا المخطط، فمصيرها سيكون أسوأ من مصير النظام.

ويبدو أن الهزيمة النفسية والفكرية للبعض جعلتهم يتصرفون بلاوعي، فالقارئ للخريطة الثورية يدرك أن النظام شبه منتهٍ، وفتح عدة جهات نوعية بآن واحد سيكون الثوار بقلب دمشق خلال ساعات حيث إيران وميليشاتها شبه منتهية، وما حصل بحلب أكبر شاهد ولا حل لإنقاذ النظام وإطالة عمره ريثما يتم إنتاج بديل عسكري، إلا بالسيطرة على فصائل الثورة التي قبلت الهدنة وخانت الدماء.

وليعلم الجميع أنه لا انتهاء للصراع بسوريا إلا بطريقين، إما تطبيق مبادرة الملك عبدالله آل سعود التي أطلقها بمؤتمر القمة العربية ببيروت، أو انتصار حتمي للثورة -حتى لو استمررنا ربع قرن كالثورة السورية الكبرى- وقوات عربية وأممية بالجولان.

فهل محرم علينا كشعب أن نقيم نظام عدالة وحرية وننتخب ممثلينا وفق نظام انتخابي عادل بعيداً عن العسكر والأحزاب المعلبة سواء دينية أو علمانية التي لم تجلب غير الويلات وهدم المؤسسات.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد