حينما يصلي الملحد جيفارا خلف الشيخ السلفي

وتركني مسرعاً؛ كي يغلق المسجد، فخرجت قبله لست عابئاً بملامح وجهه القلقة، فذهب في طريق وذهبت في طريق آخر، وترك معي جيفارا وهمَّ الامتحان ولوم الشيطان لي على تضييع وقتي فيمن سيدخل النار ومَن سيدخل الجنة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/03/04 الساعة 01:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/03/04 الساعة 01:52 بتوقيت غرينتش

في إحدى الليالي الباردة التي تسبق امتحاناً من أصعب امتحاناتي في الكلية قررت أن أنزل لأصلي الفجر في المسجد، وكان قريباً إلى حد كبير من منزلي، وإذ بي أتوقف عن المذاكرة وأطرد الشيطان عن مخيلتي التي يتلاعب فيها مقرراً أن المذاكرة أهم، فالامتحان غداً ولديك فصل كامل لم تراجعه وبعد ذلك أخذ يحرضني على الصلاة في المنزل؛ لأن الجو بارد جداً، ولا يمكن أن تغامر بالنزول من تحت الغطاء الدافئ إلى صقيع شتاء ألاسكا الذي حل بمصر، فما كان مني أن اتخذت القرار الجريء بأن أنزل، فأخذت معطفي الضخم متجهاً إلى الصلاة.

السلام عليكم ورحمة الله انطلقت من الشيخ هادئة لتعلن عن نهاية الصلاة، فإذ بي أقوم مسرعاً إلى باب الخروج، ولكن وجدت مَن يقول لي: يا كابتن هلا انتظرت قليلاً، أريد أن أتحدث معك، وإذ به إمام المسجد يستأذنني لأنتظره حتى ينتهي من صلاته السنية الثانوية، المسجد يفرغ سريعاً من المصلين إلى أن انتهى الشيخ صاحب اللحية التي تقارب سرته وجسده القوي كمحارب قديم في الشيشان أتى الآن ليحاربني في المسجد.

بوجه عابس وعينين منتفختين من تأثير النوم ومحاولة باهتة لاستعراض الابتسامة، يحدثني الشيخ -كأننا نعرف بعضنا منذ فترة طويلة- موبخاً: ماذا ترتدي يا كابتن؟ هل تعرف ماذا تضعه على صدرك أم أنك كباقي الشباب -هداهم الله- يسير بلا وجهة؟ فنظرت إلى ما يشير إليه فوجدت صورة جيفارا مطبوعة باللون الأسود على الـ"تي شيرت" الأبيض الذي أرتديه تحت المعطف العظيم.

إنه ملحد لا يعترف بالله كخالق لهذا الكون، هل تترك كل التابعين والصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم وتقتدي بهذا الكافر؟ وجه الشيخ تحول إلى اللون الأحمر وبدأ الدم يتدفق في عروقه وصوته يرن بشكل مبالغ فيه في المسجد، وأنا لأول مرة أتعرض لهذا الموقف الغريب الذي يضعني في خانة المتهم الذي ارتكب ذنباً عظيماً بعدما كنت فارساً مغواراً هزم الشيطان في البرد القارس ونزل ليصلي الفجر، وها هو يقف كي يُحاسب في الوقت والمكان الخاطئين.

ينظر لي كأنه يريد أن يحرقني بعينيه أو يفعل بي ما فُعل بجيفارا قديماً حيث أعدم بالرصاص، هل يعلمونكم أن تتبعوا الملحدين؟ هل يغرسون فيكم كره الإسلام ومعاداة الحق؟ يا بني أنا لا أملك إلا أن أقول لك أن تخلع هذا الملحد مَن على صدرك وتلقيه في النار حيث مكانه الصحيح ولا ترتديه مرة أخرى لا في المسجد ولا خارج المسجد، وأدعو لك الله أن يهديك ويثبتك على الحق واليقين والاستمرار في صلاة الفجر جماعة معنا.
حاجباي كادا أن يمتزج شعرهما مع شعر رأسي لما يقوله الشيخ، فأنا لا أعرف كيف يحدثني هكذا! وكيف يُملي عليَّ ما أفعل، وكيف عرف أن جيفارا دخل النار والجحيم هو مستقره الدائم الآن؟ هل لديه واسطة قوية بين أهل النار؟! إنه يتحدث بثقة ليس بعدها ثقة وكأنني أحدث أحد العاملين في مكاتب المُغذبين في النار!!

أيها الشيخ.. هل الظلم حلال؟ لا أريدك أن تجاوب، أيها الشيخ لأن جيفارا أفنى حياته في سبيل رد الظلم عن الشعوب التي تعاني من الظالمين، إذا كان ملحداً فإن الله سوف يحاسبه على إلحاده وليس أنت، أما أنا فسوف أرتدي ما أشاء وأصلي بما أريد، فالأفضل لي أن أموت كجيفارا مجاهداً في غابات بوليفيا لتحرير العقول وتوعية الضمائر وفك أسر المغلوبين ومناصرة الشعوب الميتة بفعل الطغاة القابعين فوق العروش الظالمة، أريد أن أموت في الغابات نصيراً لمبدأ أضحي من أجله، ودع النهاية لرب النهايات وليس لك وللإخوة الذين يحتكرون الله تحت لحاهم.

الأفضل لي أن أكون جيفارا وألا أكون كحاكم يحج كل عام وفي مقابر سجونه الآلاف يدعون عليه والملايين يعانون من وجوده، كيف ينامون -هؤلاء الحكام- وهم ظالمون أيها الشيخ هلّا قلت لي؟ يصلون الجمعة ويبكون عند الدعاء كأنهم عارفون بالله وصفوة الولاة وهم في الأصل مجموعة من اللصوص السارقين للشعوب، هل الأفضل لي أن أكون كجيفارا أم كهؤلاء العارفين؟

لم يرد الشيخ ولن يرد؛ لأنه اعتقد أنني أحد العسس الجدد لهذا المسجد الذين يتابعون ماذا يحدث وماذا يقول الإمام، وهل يخطئ في القيادات الرشيدة أم لا؛ لذا اعتقد أنني أحاول استدراجه للحديث عن القيادات، فبتسَّم لي وقال: وأطيعوا أولي الأمر منكم وابعد عن الكفار طبعاً.

وتركني مسرعاً؛ كي يغلق المسجد، فخرجت قبله لست عابئاً بملامح وجهه القلقة، فذهب في طريق وذهبت في طريق آخر، وترك معي جيفارا وهمَّ الامتحان ولوم الشيطان لي على تضييع وقتي فيمن سيدخل النار ومَن سيدخل الجنة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد