أحكم الله صنعه في خلق الكون والإنسان، ونظم الكون وسخره للإنسان، وجعل للإنسان مهمتين في الحياة وجعلهما أمانةً في عنقه، وقد عرضهما على السماوات والأرض والجبال فأبين حملها فحملها الإنسان "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً" (الأحزاب: 72).
وكما أحكم الله خلق الإنسان وأحكم صنعه للكون، فقد أحكم الله قوانين وعلاقات الإنسان بغيره من المخلوقات، ونظم الله العلاقة بينه وبين ربه، وبينه وبين غيره من بني جنسه، فتنظيم العلاقة بينه وبين الله هي اعتقاده بأن الحاكمية لله، وتنظيم العلاقة بينه وبين حاكمه المتمثلة في الإمامة سواء كانت الإمامة دينية أم سياسية أم غيرها، ولكننا هنا نخص الإمامة السياسية؛ لأنها القاعدة التي تسير عليها جميع العلاقات الأخرى، إذا انتظمت الأولى فينتظم الباقي.
فالحاكمية: وهي تعني أن الله هو الحاكم الأوحد ذو السلطة المطلقة، وهذه الحاكمية نابعة من أنه الخالق للكون وللإنسان، وأنه مستحق للعبادة والطاعة من هذه الزاوية.
بل إن الطاعة حق ينفرد به الخالق حصرياً، ومن ثم يمنحه لمن شاء بالحدود التي يشاء، فالنبي والحاكم والأب والزوج طاعتهم ممنوحة ومشروطة.
وقد أمر الله أن يتحاكم المجتمع إلى شريعته التي تصلح لكل زمان ومكان، وهي تملك الصلاحية الكافية لتقويم وصلاح ونفع أي مجتمع بإشاعة العدل والنفع والخير والبعد عن الأهواء البشرية.
والإمامة: مأخوذة من الإمامة في الصلاة، ومنها امتد إلى المسؤولية السياسية؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة من بعده لم يفرقوا بين ما هو ديني وما هو سياسي، والحكم في الإسلام معناه حراسة الدين وسياسة الدنيا، وكما أن الإمام إذا أصاب في الصلاة يتبعه المصلون "إنما جُعل الإمام ليؤتم به"، وأما إذا أخطأ الإمام بنسيان أم بخطأ يرده المأمومون ويذكرونه بالخطأ إن أخطأ وبالنسيان إن نسي، فكذلك نظام الحكم في الإسلام، فالحاكم طالما يعمل لصالح الدين والمجتمع وجب على المحكومين طاعته، ولكن إن أخطأ أو حاد وجب عليهم رده ونصحه، فإن لم يرتد أو ينتصح وجب عليهم تغييره، كما قال أبوبكر الصديق في أول خطبة له بعد توليه الخلافة: "أيها الناس، إني وُليت عليكم ولست بخيركم، فإن أصبت فأعينوني، وإن أخطأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم".
والمجتمع المسلم: هو جموع المسلمين، فهم مسؤولون بالمشاركة مع الحاكم في حراسة الدين وسياسة الدنيا، ويجب عليهم نصحه والأخذ بيده ومساعدته إن أصاب وصلح، والمجتمع المسلم عنصره ووحدة بنائه الفرد المسلم، إذا صلح حال المجتمع، وإذا فسد وجب على المجتمع كله توجيه النصح له مراراً، فإن لم ينتصح وجب عليهم منعه ولو بالقوة، كما قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فإذا أراد الذين في أسفلها الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: وما لنا لا نخرق السفينة حتى لا نؤذي من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً".
هذا ما علمنا إياه ديننا الحنيف، فلعلنا نأخذ به حتى تنجو مجتمعاتنا المسلمة مما هي غارقة فيه من عوامل الهدم، ومن ما هي فيه من التأخر والتخلف؛ حتى نصبح خير أمة أُخرجت للناس، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر؛ لنحقق الغاية من خلق الله لنا، وهي عبادة الله وعمارة الأرض.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.