فيلبس.. بولت.. أم اوينز.. من أعظم رياضي أولمبي على الإطلاق؟

في أحد أيام أولمبياد ريو الرمادية الرطبة، كان هذا الحديث يضفي بريقاً على كل ركن من أركان الحديقة الأوليمبية. هل يُعد مايكل فيلبس أعظم الرياضيين الأوليمبيين على الإطلاق؟ يبدو أن السبَّاح الأميركي صاحب الميداليات الذهبية البالغ عددها 28 ميدالية سينهي هذا النقاش، فلا أحد يملك نصف ميدالياته. لكن هذا الجواب قد يحقر من شأن العجائب التي شهدتها المئة وعشرون عاماً السابقة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/15 الساعة 08:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/15 الساعة 08:16 بتوقيت غرينتش

مع ارتفاع حرارة منافسات أولمبياد "ريو دي جانيرو 2016" في البرازيل، يتكرر الجدل حول هوية أفضل رياضي أولمبي عرفه التاريخ.

فهل يُعد مايكل فيلبس أعظم رياضي أولمبي على الإطلاق؟ يبدو السبَّاح الأميركي صاحب الميداليات الذهبية البالغ عددها 28 ميدالية قريباً من حسم النقاش لصالحه، فلا أحد يملك نصف ميدالياته!

لكن الاعتماد على عدد الميداليات كمقياس وحيد لاختيار الرياضي الأفضل يقلل من شأن المعجزات التي شهدتها الـ 120 عاماً السابقة، بحسب تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC.

هؤلاء أصحاب أكثر الميداليات


إذا جرى الحديث عن مبارزة بالأرقام، فإليك بعض من المنافسين البارزين على الساحة الأولمبية الذين حصدوا أعداداً كبيرة من الميداليات:

– لاعبة الجمباز الأوكرانية المولد لاريسا لاتينينا (18 ميدالية، منها 9 ذهبيات)

– لاعب الجمباز السوفييتي نيكولاي اندريانوف (15 ميدالية، منها 7 ذهبيات)

– السباح الأميركي مارك سبيتز (9 ذهبيات وفضية وبرونزية)


من جانبه، مُنع الرياضي جيسي اوينز، الفائز بأربع ميداليات ذهبية في أولمبياد "برلين 1936″، من فرصة أخرى للفوز جراء الصراع العالمي والتفرقة التي عانى منها الأميركيون السود حين عاد إلى الولايات المتحدة قادماً من ألمانيا.

كما كان بإمكان عداء المسافات بافو نورمي (9 ذهبيات و3 فضيات في الفترة ما بين 1920 و1928) الفوز بالمزيد من الميداليات لو لم يستبعده المسؤولون من سباق 10 آلاف متر في باريس لأسباب صحية، قبل أن يُمنَع من المشاركة في أولمبياد 1932 لخرقه القواعد الصارمة المنظِمة لأوضاع الهواة بعدما تلقى نفقات السفر مرة واحدة لحضور أحد اللقاءات.

وهناك أيضاً المزيد ممن فازوا كثيراً بالرغم من ظروفهم الصحية الصعبة، لكنهم ربما لم يواجهوا تحديات مضنية بسبب الزمن الذي نافسوا فيه.

إذ تغلب الرياضي الأميركي راي اوري على شلل الأطفال والمقعد المتحرك ليفوز بثلاث ذهبيات في باريس 1900، وثلاثة أخرى في سانت لويس بعد أربعة أعوام، قبل أن يضيف إليها اثنتين في 1908، لكن المقارنة بينه وبين أبطال القرن الـ 21 مع فوزه في منافسات الوثب العالي والثلاثي ليس منصفاً.

ماذا عن الذين تألقوا في العديد من الفعاليات لكنهم لم يفوزوا إلا بذهبية وحيدة؟ مثل البريطاني دالي ثومبسون الذي أثبت مرتين أنه أعظم رياضيي العالم في العشاري (ألعاب القوى)، الأولى في أولمبياد "موسكو 1980" وعمره 22 عاماً، والثانية في لوس آنجلوس بعدها بأربع سنوات، متغلباً على خصوم أقوى وأكثر ضخامة عبر 10 فعاليات جرت على مدار يومين.

بالطبع، لا تتساوى كل الميداليات، ولا يستطيع جميع الأولمبيين المشاركة في سباق لنفس المسافة بأنماط مختلفة، القليل منهم فقط من يمكنهم المشاركة في التتابع، لذا نحن نحتاج إلى أكثر من مجرد الحساب.

الهيمنة عبر العصور


ربما لن يصل أحد لما وصل إليه نورمي، ليس لأنه كان يعدو قبل دخول شرق أفريقيا على خط المنافسة فحسب، بل لأنه لم ينل سوى 26 دقيقةً فقط من الراحة بين سباقي النهائي لمسافة 1500 متر و5000 متر اللذين فاز بهما في العام 1924، لكنه كان مجالاً أصغر وأقل تنوعاً من الذي سيواجهه هشام الكروج في 2004 عند فوزه بذات السباقين.


وهناك أيضاً كارل لويس بذهبياته التسع التي حصدها خلال 4 أولمبيادات في 12 عاماً – حقق 7 منها في منافسات فردية -، وهو الذي دفعت هيمنته على أولمبياد لوس آنجلوس في 1984 الكتلة الشرقية لمقاطعة المنافسات التي سيشارك بها.

لكنه كان قد صُنِّف الأول على العالم في سباق المئة متر في المواسم الثلاث السابقة، كما فاز بمنافسات 100 متر، و4×100 والوثب الطويل في بطولة العالم الافتتاحية في العام الذي سبقه، متغلباً على أفضل الرياضيين العالميين.

كما يستحق هؤلاء الذين يحافظون على تفوقهم عبر الألعاب الأولمبية وضد أجيال مختلفة من المنافسين، الكثير من الثناء والتقدير، ومن بينهم المُجّدِّف البريطاني السير ستيف ريدجريف الفائز بـ 5 ميداليات في 5 دورات للألعاب الأولمبية.

وكذلك بريجيت فيشر لاعبة الكانو-كاياك الألمانية الفائزة التي حصدت 8 ميداليات خلال 3 دورات للألعاب الأولمبية على الرغم من غيابها عن ألعاب لوس آنجلوس كجزء من المقاطعة، وهناك أيضاً آلادار غيريفيتس الذي فاز بميداليات نفس المنافسة لـ 6 مرات، بينما فصلت 28 عاماً بين ميداليته الأولى والأخيرة.

إنجازات تتجاوز الرياضة


لا تُحصَد كل الميداليات بنفس الطريقة، ولا يبلغ صدى كل منها ذات النقطة على مستوى العالم، إذ لا يشتهر اوينز بعدد ميدالياته الذهبية فقط، بل أيضاً بالرسالة التي بعث بها في أولمبياد كُرِس لبث القيم الملتوية للاشتراكية القومية وأفكار هتلر البغيضة عن التفوق الآري.

فيما حصلت لاعبة ألعاب القوى الهولندية فاني بلانكرز كوين الهولندية على توقيع اوينز حين نافست في برلين عندما كانت تبلغ من العمر 18 عاماً فقط، لتفوز بعد ذلك بأربع ميداليات في الألعاب الأولمبية الأولى التي تلت الحرب في لندن 1948، وهي أم لطفلين، ولم تتحفظ فقط بشأن استخدام مواهبها الرياضية (مُنِعَت من المشاركة في الوثب الطويل والعالي لأن الرياضيين لم يكن يُسَمح لهم وقتها إلا بالمشاركة في أربع فعاليات على الأكثر)، بل بذلت جهداً هائلاً لمساندة رياضات النساء.


ماذا عن العداء الجامايكي الأسطوري يوسين بولت الذي فاز بذهبيته الأولى في ألعاب "بكين 2008" بينما كان فيلبس يحصد 8 ميداليات؟ فلم يركض أحد مثل بولت من قبل، ولم يحلم أحد بالأوقات التي حققها.

ففي عصر طغت عليه فضائح المنشطات، حين عوقب أسرع 4 رجال على مر العصور لاستخدامهم المنشطات، حمل بولت رياضته أحياناً وأعاد تعريفها في أوقاتٍ أخرى، إذ كان لبولت، مثل محمد علي الأولمبي صاحب الكاريزما الذي سبقه، أثر هائل على العالم لم يبلغه أحد.

كما أنه بنهاية ألعاب "ريو دي جانيرو"، قد ترتفع حصيلته من الميداليات الذهبية إلى 9، لكن الرقم لا يعبر لا عن تألقه ولا عن الإلهام الذي مثَّله.

كيف يفعلونها؟


لا يتعلق الأمر بالفوز فقط، بل بالطريقة التي تفوز بها، إذ لا ترتكز شهرة لاعبة الجمباز الرومانية ناديا كومانتشي على ذهبياتها الـ 5 وفضياتها الـ 3 والميدالية البرونزية التي حصدتها فقط، بل على العلامات الكاملة (10/10) التي قادتها لتلك الألقاب.



اليوم لن تحصل كومانتشي على نفس النتيجة، إذ إن ما تستطيع الأميركية سيمون بايلز – على سبيل المثال – القيام به يفوق حركات كومانتشي صعوبةً، لكنه لا يحصل على نفس النتيجة العددية، وهو ما يسلط الضوء على خطأ آخر في المقارنات العابرة للأجيال.

لكنه يظهر كيف يمكن أن يكون الذوق حاسماً ومؤثراً في إعجابنا بالأولمبيين العظماء، أو اللامبالاة أيضاً!

الأمر ذاته ينطبق على عداء المسافات التشيكي اميل زاتوبيك الذي فاز بذهبيته الثالثة في أولمبياد 1952 في سباق الماراثون الذي لم يشارك به من قبل، راكضاً بجوار المرشح البريطاني جيم بيترز متسائلاً عما إذا كانا يركضان سريعاً بما يكفي.

وهناك الجرأة، والتصميم الذي يقترب من حافة الجنون، كما في حالة الأميركي آل اورتير، الحائز على ذهبية رمي القرص في أربع فعاليات متتابعة على الرغم من تعرضه لحادث سيارة كاد أن يودي بحياته، مجيباً الطبيب الذي نصحه بالاعتزال لأسباب صحية: "هذه هي الأولمبياد.. تموت قبل أن تنسحب".

وهناك أيضاً جعل المستحيل مملاً ورتيباً، فقد حطم بولت الأرقام القياسية العالمية بعد تناوله غذاءً من قطع الدجاج، برباط حذاء غير معقود وراكضاً الأمتار الـ 10 الأخيرة بذراعين مفتوحتين وابتسامة واسعة. لم يوجد من يشبهه إلى الآن.

الأسطورة.. استمرار العظمة


الاهتمام الحقيقي بأفعال الرياضيين الأولمبيين، ودفعهم للتفوق على الآخرين الذين حققوا الكثير من الإنجازات، لا يعتمد فقط على الاستمتاع باللحظة بل على استمرار الـتألق الذهبي.

إذ جاءت نتيجة تحليل المواد المحظورة إيجابية بالنسبة للويس لثلاث مرات قبل دورة الألعاب الأولمبية عام 1988، ليُمنَع من المشاركة في أولمبياد سيول أولاً قبل أن يتم الاكتفاء بالتحذير، وبالنسبة للبعض، تقلل هذه الاكتشافات من بريق تلك الميداليات.

أما فيلبس، في أولمبياده الخامس، فهو رجل مختلف عن الشخص الذي غادر لندن 2012 للاعتزال، إذ إنه أكثر انفتاحاً واجتماعيةً، وسعادةً كما يبدو، وهو ما قد يدفعك للتأثر به.

لذا فإن الطريقة الوحيدة لتستقر على الرياضي الأولمبي الأعظم هو أن تختاره أنت، ربما تنبع العظمة من الأفعال العامة، لكنها لا تترسخ إلا بناء على المحبة الخاصة.

هذا الموضوع مترجم عن موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا

تحميل المزيد