تلك هي معوقات المشاريع التنموية في الداخل السوري

إن محاولات دعم الصناعة السورية المعتمدة على المشاريع الصغيرة باتت الآن حلولاً عديمة الفائدة، ذلك لأن اللجوء في البداية إلى استخدام القوة المفرطة التي حولت الأزمة السياسية إلى حرب حقيقية، انعكست على المواطن والوضع الاقتصادي في عدة محاور، أهمها تراجع القدرة الشرائية للمواطن السوري، وانخفاض قيمة العملة الوطنية؛ حيث بلغ الآن سعر الدولار الواحد 517 ليرة في البنوك، ونحو 530 ليرة في السوق السوداء

عربي بوست
تم النشر: 2016/10/22 الساعة 01:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/10/22 الساعة 01:41 بتوقيت غرينتش

نحو ست سنوات من الحرب في سوريا أتت على الأخضر واليابس، وفي بلد يعد اقتصادها نامياً في الأساس، فإن حرباً ضروساً مثل التي تشهدها سوريا قد فتكت بمقومات البلاد الاقتصادية القائمة بشكل كبير على الزراعة ثم السياحة والصناعة إلى حد ما، وجميعها روافد اقتصادية تحتاج بلا شك إلى استقرار أمني للنمو.

اقتصاد الحرب
في بداية الأزمة السورية كانت المشاريع التنموية المتناهية الصغر الحل البديل للشعب السوري ضمن إطار "اقتصاد الحرب" الذي فرض نفسه على السوريين لمواجهة الأزمة الداخلية ومساعدة الأسر في مواجهة حالة باتت تتسم بانتشار البطالة والفقر ونقص الغذاء، بعد توقف المشاريع المتوسطة والكبيرة، وهروب رؤوس الأموال إلى خارج البلاد، مما أدى إلى خسارة أكثر من 2,33 مليون شخص عملهم في مختلف القطاعات، بحسب وكالة الأونروا التابعة لمنظمة الأمم المتحدة.

وبالفعل أنقذت تلك المشاريع التي نشأت في الداخل السوري وتقدر بنحو 300 ألف مشروع -بحسب محللين اقتصاديين- اعتماداً على الإمكانيات المتاحة والمتوافرة في البيئة المحيطة في مجالات الزراعة والتجارة وتربية الحيوانات وبعض المشاريع الصناعية والخدمية، آلاف الأسر في مناطق غير خاضعة لسيطرة النظام، بتمويل من جمعيات المجتمع المدني التي أسسها نشطاء سوريون، فشغلت الأيدي العاملة من جديد ولفترة ليست قصيرة في الحرف اليدوية بصناعة "السجاد، الفخار، الزجاج، الصابون، الأطباق.."، إضافة إلى الشواغل والورش الصناعية الصغيرة في مختلف المجالات حتى الحربية منها، بجانب الإنتاج الزراعي.

لبّت تلك المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر حاجات اجتماعية واقتصادية ملحّة في مناطق لم يعد ممكناً للمشاريع المتوسطة والكبيرة تأدية دورها الاقتصادي المطلوب فيها، في وقت تخلت فيه عنها الحكومة ورفعت مخصصاتها من الموازنة ودمرت بنيتها التحتية، وهي بذلك أسهمت بلا شك في حل مشكلات عدة، كالبطالة والفقر، ووفرت للمنتج قوت يومه، ولمستهلك يعاني ويلات الحرب سلعة بسعر مناسب. وكان الأمل يحدو أصحاب هذه المشاريع بأن تصبح نواة لمشاريع أكبر.

حرب على التنمية
لكن احتدام المعارك في سوريا، وبشكل خاص في شرق وشمال وجنوب البلاد، وتزايد الضرر الذي أصاب البنى التحتية بعد التدخل العسكري الروسي، الذي كان سمته "القصف العشوائي" الذي لا يفرق بين المدنيين والعسكريين، وبين ميادين القتال والأسواق، دمر أغلب هذه المشاريع، وأجبر أصحابها على التوقف نهائياً، فلا مجال للإنتاج والنقل والتسويق تحت القصف مع انعدام الأمان في ظل الحرب المستعرة، والبنى التحتية المدمرة، وخلو الأسواق من المشترين، بسبب صعوبة الحركة والتجوال.

وكان البنك الدولي قد قدر تكلفة إعادة إعمار مخلفات الحرب في سوريا بنحو 180 مليار دولار، في حين قدرها النظام السوري بنحو 200 مليار دولار.

أما الحصار المستمر من قوات النظام من جهة وتنظيم الدولة الإسلامية على المناطق السورية من جهة أخرى فتسبب أيضاً في رفع تكاليف الإنتاج، بسبب صعوبة نقل المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، مما أضاف أعباء مالية أخرى على أصحاب المشاريع المتناهية الصغر، وبالتالي توقفت مشاريع صغيرة أخرى معتمدة عليها وخسران أسواق خارجية.

كذلك فإن الكثير من مؤسسات المجتمع المدني في سوريا ركزت وتحولت هي الأخرى إلى عمليات الإغاثة والإنقاذ، وانصرفت عن الاهتمام بالمشاريع التنموية الصغيرة، وهي قد تكون مجبرة على ذلك من الجهات الداعمة، التي تشترط أن تظل المنظمات إغاثية وفقط، وذلك بسبب غياب التمويل المحلي، والاعتماد كلياً على التمويل الأجنبي، في حين لا تلبي مساعدات المنظمات الدولية المعنية بالشأن السوري دائماً حاجة السوريين من الغذاء والاحتياجات الأساسية.

إضافة إلى ذلك، فإن أغلب المناطق السورية حالياً، إما ضمن سيطرة النظام، أو تحكم جهات مسلحة أخرى سيطرتها عليها، فلا أحد يستطيع التحكم بها أو التحرك فيها بحرية.

ترويج النظام للمشاريع التنموية
النظام يعي أيضاً خطورة الوضع الاقتصادي الحالي بعد خروج عدد من الحقول النفطية من تحت يديه، إثر سيطرة قوات المعارضة عليها مبكراً، فقد تراجع الإنتاج النفطي في سوريا من 370 ألف برميل عام 2001، إلى ما يعادل 10 آلاف برميل يومياً، ومن 24 مليون متر مكعب من الغاز إلى 15 مليون متر مكعب حتى نهاية 2015، بحسب بيانات شركة BP النفطية، بالإضافة إلى تراجع واردات السياحة بنسبة 98 في المائة، أما في مجال الزراعة والثروة الحيوانية فتراجع الإنتاج الزراعي إلى 35 في المائة، وتراجع الإنتاج الحيواني إلى 40 في المائة.

فسعى النظام إلى الترويج للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر في المناطق الخاضعة لسيطرته لإنعاش الاقتصاد، باعتبار أنها العمود الفقري الذي سيقوم عليه اقتصاد البلاد الآن، فأصدر بشار الأسد، مطلع العام الحالي، قانوناً بإنشاء "هيئة تنمية المشروعات الصغيرة" في دمشق؛ لدعم الإنتاج المحلي وتنميته وتطويره وزيادة إنتاجيته، وكثر الحديث عن توفير منح "القروض التشغيلية للقطاعات الإنتاجية" من جديد من قِبل المصارف العامة والخاصة، بعد أن توقف صرفها قبل اندلاع الثورة السورية بنحو عام، لكن تظل سلبيات هذه القروض أنها قصيرة الأجل ومعدلات فائدتها مرتفعة، مما يجعل الإقبال عليها مخاطرة في ظل عدم استقرار الأوضاع في البلاد، خصوصاً إن علمنا أن الملاحقين ممن لم يسددوا قيمة هذه القروض بالآلاف.

ولا شك فإن الترويج لإقامة مثل هذه المشاريع أمر جيد لدعم الاقتصاد في أي دولة، خصوصاً أن 90 في المائة من دول العالم تعتمد في اقتصادها على المشاريع الصغيرة، لكن السؤال هنا: لماذا لم يضع النظام هذا الأمر نصب عينيه قبل تخريب الاقتصاد الوطني والبنى التحتية لسوريا؟

إن محاولات دعم الصناعة السورية المعتمدة على المشاريع الصغيرة باتت الآن حلولاً عديمة الفائدة، ذلك لأن اللجوء في البداية إلى استخدام القوة المفرطة التي حولت الأزمة السياسية إلى حرب حقيقية، انعكست على المواطن والوضع الاقتصادي في عدة محاور، أهمها تراجع القدرة الشرائية للمواطن السوري، وانخفاض قيمة العملة الوطنية؛ حيث بلغ الآن سعر الدولار الواحد 517 ليرة في البنوك، ونحو 530 ليرة في السوق السوداء، بسبب انهيار الصادرات، وتراجع الاحتياطي النقدي، والاعتماد على الاستيراد الذي بات يقدر بنحو 3.7 مليار دولار، في حين لا تمثل الصادرات 10 في المائة من هذه القيمة، إضافة إلى إشكالية السلع المهربة بسبب عدم إحكام السيطرة على الحدود، فقد فقدت الحكومة السورية سيطرتها على معظم المعابر مع تركيا والعراق والأردن.

وفي أبريل/نيسان من العام الحالي، أعلن البنك الدولي تراجع احتياطي سوريا من العملات الأجنبية من 20 مليار دولار قبل الحرب إلى 700 مليون دولار حالياً.
متى نتحدث إذاً عن التنمية في سوريا؟

في بلد هدمت الحرب فيه مدناً بأكملها ومحت تراثاً عاش لأكثر من خمسة آلاف عام، ويعيش أهلها وضعاً إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً مأساوياً، يتوقف الحديث عن الرغبة في تحقيق "التنمية" الحقيقية على احتواء الحرب وإيجاد حل سياسي لإنهاء النزاع الدائر منذ نحو ست سنوات، وإعادة إعمار البنية التحتية والمؤسسات، وتوفير رأس المال الاجتماعي للمتضررين لتحقيق تنمية مستدامة.

لكن إلى حين تحقُّق هذا الأمر، فلا بد من تكاتف الجهود الدولية لضمان بيئة آمنة لانطلاق هذه المشاريع وتوفير التمويل والتأهيل والتدريب لمساعدة الشعب السوري على الصمود عبر تمكينهم من تأمين احتياجاتهم الأساسية، ومن يعلم فقد تصبح هذه المشاريع فيما بعد نواة الاقتصاد السوري في سوريا الجديدة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد