أبي.. أسيحرقني الله في النار؟

حاولت وزوجتي خلال السنوات الخمس السابقة عدم الحديث مع ابنتَينا التوأم عن أي شيء من الغيبيات كالنار والجنة والعذاب والملائكة والجان أو حتى عن "العو" أو "البعبع" وغيرها من الأمور التي في اعتقادنا ليست بذات أهمية في تنشئة الطفل، كما أنها قد تربك الطفل وتخيفه، فكنا نعلم إحداهما الصدق ليس لتنجو من نار جهنم، وإنما لأنه فضيلة بحد ذاته، وكنا نمنعهما من إلقاء القمامة في غير الأماكن المخصصة ليس لأن الشرطي سيقبض عليهما، بل لأن القذارة ستشوه شوارعنا وحياتنا.

عربي بوست
تم النشر: 2017/09/22 الساعة 04:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/09/22 الساعة 04:17 بتوقيت غرينتش

سألتني ابنتي ذات الخمسة أعوام بخوف واضح: "أسيحرقني الله في النار لأنني لم أصم رمضان؟".

هذا ما أخبرها به أحد الأقارب مازحاً، أو ربما واعظاً لست أدري، لكن ما أيقنته فعلاً أن مهمتي كأب قد بدأت للتوّ، فقد توهمت قبل هذا السؤال أن تأسيس الأطفال في السنين الثلاث الأولى هو الأصعب والأهم، لكن هذا السؤال قد أيقظني من هذه الأحلام.

حاولت وزوجتي خلال السنوات الخمس السابقة عدم الحديث مع ابنتَينا التوأم عن أي شيء من الغيبيات كالنار والجنة والعذاب والملائكة والجان أو حتى عن "العو" أو "البعبع" وغيرها من الأمور التي في اعتقادنا ليست بذات أهمية في تنشئة الطفل، كما أنها قد تربك الطفل وتخيفه، فكنا نعلم إحداهما الصدق ليس لتنجو من نار جهنم، وإنما لأنه فضيلة بحد ذاته، وكنا نمنعهما من إلقاء القمامة في غير الأماكن المخصصة ليس لأن الشرطي سيقبض عليهما، بل لأن القذارة ستشوه شوارعنا وحياتنا.

كنا نجعلهما تواجهان مخاوفهما لقتلها في مهدها قبل أن تصبح عقدة تستمر معهما طيلة حياتهما، فعندما كانتا في الرابعة أخافتهما إحدى الفتيات من القطط السوداء.. فاشتريت لهما قطة سوداء لتلاعباها.

لكن وكما في كل حضارة تعاني من تدهور ثقافي وأخلاقي -كما الحال الذي تعيشه أمتنا حالياً- فإن صوت الخوف والجهل والخرافة والتطرف يعلو بشكل واضح على المنطق والفكر والثقافة، لكننا ظننا أننا سنستطيع عزلهما عن الجانب السلبي من البيئة الخارجية وبالتالي سنتمكن من التحكم في كل ما ستتعلمانه وسنستطيع غربلة كل معلومة ستتلقيانها، وهذا ما كنا نظن أنه أفضل لهما وبما يتوافق مع وجهة نظرنا للحياة وبما نظن أنه سيكفل لهما حياة سليمة ويحقق ما نطمح لهما أن تصلا إليه.

لكن مع زيادة إدراكهما ووعيهما شيئاً فشيئاً وتلقيهما المعلومات من مصادر كثيرة جداً كالتلفاز والإنترنت وتطبيقات الآيباد ومن الأقارب والأصدقاء، وغداً من المدرسة وغيرها بتّ أدرك حجم المسؤولية وصعوبة المهمة.

ها قد كبرت ابنتاي ودخلتا أول مؤسسة تعليمية، والتي تسبق التعليم الابتدائي وستتعلمان الكثير من الأمور ليس فقط من المعلمات بل من زميلاتهما في الصف، هذا الكم من المعلومات ربما لن نستطيع الإحاطة به كله وتنقيته من الشوائب والتحقق منه لكننا سنحاول.

إننا نذوب في مجتمعاتنا ونتبنى أفكارها ومعتقداتها وعاداتها شئنا أم أبينا، خاصة في مجتمع شرقي اجتماعي بطبعه كمجتمعنا، حيث على المرء ليحيا براحة بال أن يندمج بشكل كامل ويتبنى كل ما يفرزه المجتمع بخيره وشرّه.

إن الانعتاق من شباك عادات المجتمع السيئة ليس بالأمر السهل، فهي مهمة لم ينجح بها إلا الأنبياء والعظماء، وكل مَن حفر اسمه في سجل التاريخ.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد