تعهّدت قطر، الإثنين 21 يناير/كانون الثاني 2019، بدعم الاقتصاد اللبناني المُتعثّر بشراء سندات حكومية بقيمة 500 مليون دولار، وهي خطوة تُمثّل تحدياً لدور السعودية المنافسة باعتبارها الراعي المالي لبيروت منذ فترة طويلة.
ويُعد شراء قطر للسندات الحكومية اللبنانية جزءاً من حملة دبلوماسية وتجارية مُتّبعة منذ أن قطعت السعودية و3 دول أخرى العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة وفرضت مقاطعة اقتصادية في يونيو/حزيران 2017. وتقول مجموعة الدول، التي تقودها السعودية، إنَّ قطر تشجّع التطرف في المنطقة وتتحالف بشكل وثيق للغاية مع إيران- وهي اتهامات نفتها قطر.
صحيفة Wall Street Journal الأمريكية أشارت في تقرير لها إلى أن الاستثمار القطري في لبنان دفع الدوحة بصورة أكبر للانخراط في المشهد السياسي المُنقسم المُعقد في بيروت، حيث يصارع الوكلاء السعوديون حزب الله، القوة العسكرية والسياسية المدعومة من إيران.
دور أكثر تأثيراً لقطر
الصحيفة الأمريكية تشير في تقريرها إلى أن الاستثمارات القطرية في لبنان قد تسمح للدوحة بأداء دور أكثر تأثيراً في لبنان في الوقت الذي تدهورت فيه تحالفات كلا البلدين في العالم العربي.
وطالما كانت السعودية تُمثّل دور الراعي العربي الخليجي التقليدي للبنان، لكن في عام 2016، علّقت الرياض حزمة مساعدات بقيمة 3 مليار دولار احتجاجاً على صعود حزب الله.
وتوتّرت العلاقة مرة أخرى عندما استقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أواخر عام 2017 عندما سافر في رحلة إلى الرياض، ما أثار اتهامات في لبنان بأنَّ السعوديين قد خطفوه.
ونفى مسؤولون سعوديون وسعد الحريري، الذي تراجع بعد ذلك عن استقالته، أنَّه كان مجبراً على تقديم استقالته أو محتجزاً رغماً عنه.
وستمنح قطر لبنان، من خلال شراء سنداتها، فسحة للتنفس تشتد الحاجة إليه في وقت يعاني فيه اقتصادها جراء الحرب الأهلية السورية على الحدود المجاورة، وارتفاع هائل في مستويات الدين العام وانخفاض في معدلات السياحة والاستثمار السعودي والإماراتي.
منير راشد، الخبير الاقتصادي اللبناني، يرى أنَّ "الاستثمار القطري سيمنح تطمينات لسوق السندات"، مضيفاً أنَّ شراء قطر السندات من بائعين أجانب وليس من بنوك محلية كان أمراً مهماً لإظهار أنَّ السوق الدولية لا تزال راغبة في الاستثمار بلبنان.
دعم بلا اشتراطات
كان المستثمرون يبيعون سندات الحكومة اللبنانية المقوّمة بالدولار في أعقاب المخاوف من إعادة هيكلة ديون البلاد، الأمر الذي تسبّب في حدوث أكبر زيادة في العائدات منذ عام 2015. وقد تراجعت تلك المخاوف بعد أن أوضحت وزارة المالية اللبنانية أنَّ ديونها ستدفع في موعدها المُحدّد، لكن لا تزال النظرة المستقبلية للمالية اللبنانية تبدو قاتمة.
يُعد الدين العام في لبنان واحداً من أعلى نسب الدين العام في العالم، إذ يرتفع إلى أكثر من 150% إلى الناتج المحلي الإجمالي لأنّها تتحمّل المزيد من الديون لسد ثغرات في الميزانية.
تعاني لبنان من حالة جمود سياسي متأزمة. لم تتشكّل حكومة منذ أن عززت انتخابات مايو/أيَّار وجوداً قوياً لحزب الله في البرلمان، مما أطلق سلسلة من الخلافات الداخلية الطاحنة لم يتم حلها بعد.
قدَّم البنك الدولي والاتحاد الأوروبي وقوى إقليمية، من بينها السعودية، حزمة من المساعدات قيمتها 11 مليار دولار للبنان في عام 2018. لكنّ ذلك الدعم المالي كان يتوقّف على تشكيل لبنان حكومة فعّالة عاملة وتنفيذ إصلاحات اقتصادية مؤلمة.
لكن الدعم القطري سيمنح لبنان دعماً نقدياً دون اشتراط حكومة جديدة، التي قد يستغرق تشكيلها شهوراً. ووُضعت اللمسات النهائية على الاستثمار القطري يوم الأحد 20 يناير/كانون الثاني، عندما التقى أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع الرئيس اللبناني ميشال عون.
وقال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية القطرية: "إنَّ المنطقة بحاجة إلى لبنان قوي ومزدهر".
لم يُدلِ مسؤولون سعوديون على الفور بتعليق رداً على تلك المسألة.
قال إحسان خومان، رئيس قسم الأبحاث والاستراتيجيات لأسواق الشرق الأوسط وإفريقيا لدى مجموعة MUFG المصرفية اليابانية، إنَّ الاقتصاد اللبناني لا يزال بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات بعيدة المدى ليتعافى من جديد.
ووصف الدعم القطري بأنَّه "خطوة تحظى بالترحيب، لكنَّه لن يساهم إلا في إرجاء تداعيات تعثّر الاقتصاد اللبناني لأن لبنان تواجه تحديات هيكلية".
ليست المرة الأولى
يذكر أنَّ قطر ساعدت لبنان في أوقات الاضطرابات السياسية والاقتصادية في الماضي. فبعد أن دمرت الحرب اللبنانية-الإسرائيلية عام 2006 معظم البنية التحتية اللبنانية، تدخّلت قطر، جنباً إلى جنب مع السعودية، وموّلت مشاريع تنموية.
وفي عام 2008، اجتمعت فصائل لبنان المتحاربة في قطر لإنهاء مأزق سياسي تشهده البلاد، الأمر الذي مهّد الطريق لإجراء انتخابات رئاسية.
وقد اندفعت قطر نحو ترسيخ تحالفاتها منذ المقاطعة التي تقودها السعودية. إذ أعلنت الدوحة في عام 2018 إنَّها ستستثمر 15 مليار دولار في اقتصاد تركيا واعتمدت على الواردات الإيرانية واستخدام المجال الجوي الإيراني.
وتعهّدت قطر في يونيو/حزيران باستثمار 500 مليون دولار في الأردن، بعد أيام فقط من تعهّد السعودية ودولة الإمارات والكويت بتقديم مبلغ 2.5 مليار دولار لدعم عمان. وفي وقت سابق من عام 2018، وعدت قطر، إلى جانب دول أخرى، بتقديم قروض واستثمارات بقيمة مليار دولار للمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد العراقي.