كان سيغموند فرويد، صاحب مدرسة التحليل النفسي، موفقاً إلى حد بعيد في الغوص في أعماق النفس البشرية، موضحاً ما يعانيه الإنسان من عقد الماضي، فيظل أسيراً لها بالكبر وتتحكم بالمستقبل، عندما أجد خمسينياً أوشك أن يصير جداً ما زال يتحدث عن تفضيل والده لشقيقه، أعرف أن سيغموند فرويد لم يكن مبالغاً وغير منطقي كما اتهمه البعض.
ورغم اعتباري لفرويد أنه من أهم رواد علم النفس، فإنني اكتشفت عالماً آخر إنه كما قيل عنه الألم والأمل، اليأس والرجاء، الفوز والهزيمة، إنه فيكتور فرانكل مؤسس نظرية العلاج بالمعنى.
يمكننا هنا أن نتحدث عن تفاصيل النظرية العلمية، ونشرح العلاج بالمعنى logo therapy، ونوضح الركائز التي يقوم عليها هذا العلاج، ولكن لأن الأمر إنساني بحت وشخصي يتعلق بي وبكل من تمسك بالحياة، فسنتناوله بطريقة مختلفة شيئاً ما، فالإنسان عندما يجد معنى للحياة، يجد الوسيلة للاستمرار والمبرر للمقاومة ويولد بداخله الصبر وكأنه يرى هدفه عين اليقين، فطالما لديك معنى تعيش من أجله، فإنك ستتحمل المعاناة بأي حال، ستعرف كيف يولد من اليأس الرجاء.
إنها ليست عبارات إنشائية رنانة، فرانكل لم يؤسس نظريته في رفاهية المكاتب والمعامل، بل أسسها بمعسكرات النازية بعد أن فقد كل شيء، كتبها تحت التعذيب والجوع والألم؛ ليقرر أن لا يستسلم للموت، وإننا إن كان لنا ما نعيش من أجله ونخبئه في قلوبنا ونحميه ونردده بألسنتا سيصمد العقل والقلب والجسد مهما كانت الضغوط.
لا يقبل على الانتحار مَن يحمل على كتفه معنى يحارب من أجله، لا يكتئب محب، لا ينهزم مؤمن، فالإنسان بدون عائلة يكون خفيفاً من المسؤوليات والالتزامات، ولكنه يحتاج للثقل حتى لا يذهب مع عواصف الحياة، فعادة ما يشد الله أزرنا بمن نحب كما دعا سيدنا موسى الله أن يشدد أزره بأخيه هارون، وكما ربط على قلب سيدنا محمد بحب ودعم زوجته السيدة خديجة وعمه عبد المطلب، وكما رزق زكريا يحيى ولم يتركه فرداً وهو خير الوارثين، فالله الذي سمى نفسه الوارث لا يرضى لك بالوحدة، ويعتبر الإيمان من أهم عوامل خلق المعنى فأنت تؤمن بهدف معين وقيمة للحياة وتسعى إليها، وتعلم أن العدالة الإلهية لن تخذلك أبداً، بالإضافة لكونك تؤمن بأن قوة هائلة تقف خلفك، فهو دائماً أقرب إليك من حبل الوريد.
إن من أهم أركان العلاج بالمعنى، إرادة المعنى فبقدر مطالبة الإنسان بأعمال الإرادة لخلق المعنى وتغيير الواقع، إلا أن عليه أن يؤمن أيضاً بإرادة القدر، ويكون لديك تقبل لفكرة أن القدر الذي خرق سفينة حياتك، ما خرقها ليهلك أهلها بل لينجيها وينجي أهلها، أن تقبل بفكرة أن حلمك الذي قتل كان سيهلكك إن تحقق، وأن الله أراد أن يبدلك حلماً آخر باراً بك، كانت أحلامي كثيرة، ولكن الوقت قتل الحلم، كما يسرق الحلم الوقت؛ ليظهر لي حلم جديد وهو الكتابة ليعيد لنفسي وهجها بعد أن ملأها الفتور والملل، فأشعر مع كل مقالة أنني على موعد سعيد مع القدر أنتظره، فيعود إليّ شغف الحياة.
وقد تظن أن الناجح بالضرورة لديه معنى، والفاشل ليس لديه، ولكن فرانكل قال: إن هناك الناجح الذي لديه معنى، وهذا الشخص عادة يستمر في نجاحه وكلما هُدم له بيت بنى آخر، وهناك الناجح الذي يعتاد النجاح فيمله ويفقد معناه وقد يدخل نفسه في تجارب مدمرة فقط؛ لأنه يحتاج لما يحرك مياه حياته الراكده، وهناك الفاشل الذي لديه معنى وستجده يسبح رغم العواصف، يبتسم رغم الألم، ولا يعرف إلى المحاولة سبيلاً، وهناك الفاشل الذي ليس لديه معنى، وللأسف هو أكثر الناس عُرضة للاستسلام ولليأس.
ومهما كان حالك صديقي فلا سبيل للحياة إلا بالحلم، مهما اشتد اليأس استدعِ حلمك وتوكَّأ عليه حتى وإن لم تجد إلا حلماً أعرج.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.