الإنسان ما أكثر أعداؤه

ونعود للإنسان هذا المخلوق المحاط بالأعداء من كل اتجاه، حتى داخل الإنسان، فبين جنبيه هناك النفس التي إن لم تسيطر عليها باتت ألد عدو للإنسان، فتضيعه بالدنيا والآخرة، هذه النفس التي تزين لك الشهوات، وترغبك بها

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/18 الساعة 06:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/18 الساعة 06:08 بتوقيت غرينتش

الإنسان هذا المخلوق المحاط بالأعداء من كل اتجاه عن يمينه وشماله من أمامه وخلفه بداخله وخارجه، وحتى عندما خلق وجد عدواً مباشراً، وهو الشيطان؛ ذلك العدو الأزلي الذي أقسم وتوعّد آدم وذريته إلى يوم القيامة أن يقعد لهم بالمرصاد، ويضلهم ويوسوس لهم ارتكاب المعاصي، وفي الأرض أشعلت أقسى عداوة كانت بين الأخوين قابيل وهابيل، وقيدت أول جريمة بتاريخ الإنسانية عندما قتل قابيل أخاه هابيل، ومهما كان الإنسان طيباً ومحباً للخير والعطاء، لكنه سيجد له عدواً يكره فيه تميزه، ويبغض جميل صفاته، وأعجبتني مقولة (كسب الأعداء أيسر وأسرع من كسب الأصدقاء)، وأيسر أنواع الأعداء هو العدو الظاهر الذي يواجهك بمشاعره والمعلن لعدائه لك، فعرفته وأدركت خطره، فأصابك الحذر منه، وأعطاك فرصة أن تملك رد الفعل المناسب، وأصعب أنواع العداوة ما كان مبطناً لا تدركه الأبصار، ولا يتصوره عقل أو يخطر ببال، أو يرد في حديث نفس، كعدو بثوب صديق، يظهر لك المودة والمحبة، يعرف ما يجول بخاطرك، فيعرف كيف يصيبك بمقتل، أو صديق انقلب إلى عدو، وأصابت الحكمة: احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرَّة.

ونعود للإنسان هذا المخلوق المحاط بالأعداء من كل اتجاه، حتى داخل الإنسان، فبين جنبيه هناك النفس التي إن لم تسيطر عليها باتت ألد عدو للإنسان، فتضيعه بالدنيا والآخرة، هذه النفس التي تزين لك الشهوات، وترغبك بها، فكم من شخص أحب أن يفقد وزنه فسولت له نفسه طيب طعام فخر ملبياً لها ففشل بفقدان الوزن، أو سولت له نفسه السرقة فضعف وخسر قيمته أمام ذاته وأمام الآخرين، وحمل وزراً وكبيرة عند الله، وكم من إنسان زنى واعتدى على حقوق الخلق بدافع من النفس، وما أشد تأثير النفس إن تقاطعت وغايات الشيطان وتحالفت معه، هنا الخسران المبين.

وننتقل لعدو آخر في مسيرة الإنسان وهو التسويف وهو مصدر شقاء، وعدو رئيسي للإنجاز والنجاح والفلاح، وكثيراً ما رددنا: لا تؤجل عمل اليوم للغد، لكن ما أكثر ما أجلنا للغد، ولو كان بإمكاني أن أحذف كلمة من اللغة أو المعاجم، لكانت (سوف)؛ لأنها تحول بين المرء والفلاح في دينه ودنياه، كم مرة أجلت توبة وزكاة وصلاة وعمل خير، ففاتك خير كثير، وكم مرة قلت غداً سوف أبدأ تعلم لغة، أو سوف أطور معارفي، فضاعت من بين يديك فرصة عمل مهمة أو ارتقاء مكانة أفضل، والمسوفون هم أبناء اللحظة والحاضر يعيشون فقط يومهم، أما أصحاب الهمم ومن ينظرون للمستقبل، لكن بعمل الحاضر، متسلحون بقوة الآن وليس غداً.

نعم قوة الآن التي تجعلهم يتحدون الصعاب والمشقة وتعب اليوم حتى يرتاحوا بالغد، هذه القوة هي قوة الأبطال مَن يشعرون أنهم لم يخلقوا عبثاً، وعدوك قد يكون أنت بالمجمل، ضعف الثقة بالنفس، والخوف والقلق، وعقد المقارنات بينك وبين الآخرين، وعادة لا تأتي بخير فأنت نسيج وحدك، مميز بصفاتك ومقارنتك مع الآخرين، فأنت تهين وتقلل من نفسك، وأما بالآخرة فهناك أعداء سيوجعونك حقاً، أعداء لم تتصور للحظة أنهم سينقلبون عليك، وهم لسانك وعيناك ويداك ورجلاك، نعم هو جسدك الذي سخره الله لك سيشهد عليك إن استعملته بغير ما أمر الله، يقول الله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد