أثار قرار بدأت حكومة الرئيس اليمني هادي صرف رواتب أكثر من 200 ألف من الجنود الكثير من الدهشة عن حقيقة هذه الأرقام التي تتحدث عن جيش كبير لا وجود له على الأرض خلال المعارك.
الحكومة اليمنية التابعة للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي للمرة الأولى، في صرف رواتب الجنود اليمنيين في المؤسستين الأمنية والعسكرية بالمناطق والمحافظات الخاضعة لسيطرتها، فيما بدا أنه محاولة لتعزيز صورة أن البلد المفكك والذي يعيش حرباً أهلية، يملك جيشاً نظامياً.
وقال مسؤولون حكوميون في تصريحات خلال اليومين الماضيين، إن الحكومة تسعى وفق الممكن إلى أن تبني جيشاً مؤهلاً، ولاؤه للوطن بعيداً عن الولاءات المناطقية والمذهبية والشخصية.
وتأتي تلك الخطوة بعد أشهر من امتناع جماعة الحوثيين وحزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح اللذين يسيطران على العاصمة اليمنية، والبنك المركزي، عن صرف الرواتب والأجور للضباط والعسكريين الذين يقاتلون في صفوف القوات الحكومية.
جيوش ضخمة وحرب مستمرة
يوم الثلاثاء 6 ديسمبر/كانون الأول 2016، قال رئيس الحكومة اليمنية أحمد عبيد بن دغر، إن الجهات المالية في الحكومة ستصرف الرواتب لأكثر من مائتي ألف ضابط وجندي تابعين للقوات الحكومية.
وتظهر تلك المعلومة التي أفصح عنها المسؤول الحكومي الأول، عن الحجم الضخم من الترسانة العسكرية والأمنية التي تشكلت في ظرف عامين، علاوة على عدد رجال المقاومة الشعبية الذين يساندون القوات الحكومية ويقاتلون في صفوفها.
كما يبيّن ذلك مدى عمق الأزمة اليمنية، والموقف العسكري الذي يستند عليه الطرفين، فمن المرجح أن مسلحي جماعة الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، لن يقلوا عدداً، عن حجم القوات الحكومية، رغم أنه لا توجد إحصائية دقيقة بذلك.
ويحشد الحوثيون بشكل متواصل رجال القبائل في المعارك في تعز (جنوب غرب اليمن)، وصعدة (أقصى الشمال)، مما يمثل نكسة لآمال وقف الحرب الدائرة من 20 شهراً والتي خلفت كارثة إنسانية، وتسبب في قتل أكثر من 10 آلاف شخص.
وعلى مدى الأسبوعين الماضيين، دعا الحوثيون رجال القبائل لـ"النكف القبلي"، وعلى إثر ذلك حشدوا المئات من المسلحين قرب باب المندب وبالقرب من الحدود السعودية.
و"النكف القبلي" هي دعوة بين القبائل لنصرة المظلوم، وعلى إثرها يهب رجال القبائل للقتال بدافع النخوة.
جيش زائف
على الجانب الآخر، استغرب مدونون ونشطاء على الشبكات الاجتماعية من العدد الهائل من عناصر القوات العسكرية الذي أعلن والمفترض أنه يقاتل الحوثيين، بإسناد جوي عال المستوى من قِبل قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
ووصف الكاتب مروان الغفوري الجيش اليمني بأنه "زائف"، واستشهد بعدد من الوقائع التي وقف خلالها الجيش الحكومي اليمني عاجزاً منذ أشهر، ومن بينها تأمين محافظة عدن العاصمة المؤقتة للبلاد (جنوبي اليمن)، التي ما تزال تشهد اضطرابات أمنية متكررة.
وقال "جيش بهذه الضخامة، يساوي تقريباً جيش الإمبراطورية اليابانية حالياً ويساوي بالضبط عدد جنود الإمبراطورية الرومانية في أعظم مراحلها.. ومع ذلك فهو يخاف من الاقتراب من نقيل بن غيلان (شرق صنعاء).. إما أنه جيش زائف.. أو أنه جيش زائف.. أو جيش مزيف!".
الأرقام الوهمية
أعادت تلك المعلومة عن ضخامة الجيش اليمني على الورق وغيابه عن الأرض، للأذهان المشكلة المتلازمة للجيش اليمني منذ قيام الثورة في البلاد عام 1962، والمتمثلة في أن الكشوفات العسكرية تكون في الأغلب أرقاماً وهمية.
وخلال الـ10 سنوات منذ بدء تشكيل القوات المسلحة اليمنية، سقطت الحكومات المتعاقبة بسبب رواتب الجيش.
ففي عام 1972 سقطت حكومة محسن العيني بفعل ضغوطات عسكرية وقبلية، بعد أن طالب حينها بتدقيق الكشوفات المالية الخاصة بالقوات العسكرية والأمنية.
وعقب انتفاضة الربيع العربي في اليمن، أجرى الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي حركة تصحيح داخل المعسكرات، وحينذاك، بدأت لجنة عسكرية في تدقيق الكشوفات، واتضح لاحقاً أن قادة المعسكرات كانوا يسجلون أسماءً وهميّة في كشوفات المعسكرات، ليتسلموا رواتب هذه الأسماء الوهمية، وكان ذلك طريقا للثراء الفاحش.
وقال صادق الخولاني وهو أحد الضباط في الدائرة المالية، لـ"عربي بوست"، إن أحد القادة العسكريين في جنوب اليمن، كان لديه أكثر من 243 اسماً وهمياً في كشوفات الرواتب.
وأضاف "تلك الميزانية تذهب له ومجموعة من الضباط، فالفساد كان يصل إلى وزير الدفاع والرئيس السابق علي عبدالله صالح، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن".
وتابع "هذه العملية ستستمر في الحكومة الشرعية في الوقت الحالي، حتى نعرف معنى وجود دولة حقيقية".
وبحسب الخولاني، فإن من يسيطر على الجيش الحكومي هي نفسها القيادات التي كانت تسيطر عليه قبل الحرب، وفسادها ما يزال يفخخ أي خطوة لتشكيل جيش وطني حقيقي، يحمي الدولة، وأضاف "بعد خمس سنوات انظر مجدداً إلى طبيعة الجيش وولاءه".
نحتاج إلى جيش كبير
في المقابل، قلل مصدر عسكري في رئاسة الأركان اليمنية من حجم المخاوف التي أُثيرت مع إعلان الحكومة عن الحجم الهائل من الجنود، الذين يستهلكون 30% من ميزانية الدولة عديمة الموارد.
وقال المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ"عربي بوست"، إن "العدد ليس كبيراً، لأن الجيش السابق تعرض للانهيار نتيجة لمنهجية الرئيس السابق في بناء ذلك الجيش على أسس مناطقية وجهوية وربط قيادتها بشخصه، وعندما اقتربت الميليشيا من العاصمة وجه قطاعا كبيرا ورئيسيا في الجيش بالانخراط في صفوفها".
وتابع "من الطبيعي أن تحتاج الحكومة إلى عدد كبير من الجنود خصوصاً وأن لديها جبهات قتال في عدة محافظات".
وأردف "بالنسبة للأسماء الوهمية، فالحكومة شكلت لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء للإشراف على عملية الصرف وتأسيس قاعدة بيانات صحيحة وخالية من الفساد، وهناك إجراءات محددة لدى قيادة الجيش والحكومة لتفادي الاختلالات".
وبحسب المصدر العسكري فإن ضخامة حجم القوات العسكرية مرهون بانضمام العشرات من المدنيين بشكل متواصل إلى قوام القوات الحكومية.
وقال "لا يخفى على أحد أن هناك عددا لا بأس به من الموظفين المدنيين وطلبة الجامعات وأصحاب الأعمال الحرة انخرطوا ضمن تشكيلات الجيش لاستعادة الدولة وحينما تغمد الأسلحة وتنتهي الحرب سوف يعود هؤلاء الى أعمالهم ووظائفهم الطبيعية".