لا تعد الخشية الفلسطينية من طرح قرية "أبو ديس"، كعاصمة لهم، بديلاً عن مدينة القدس، جديدة، فقد قدمت إسرائيل هذا العرض في سنوات التسعينيات من القرن الماضي، وهو ما رفضه الفلسطينيون بشدة في حينه.
واليوم، تقول تقارير صحفية عديدة، إن ما يسمى "صفقة القرن"، التي تعدها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تشتمل على جعل هذه القرية عاصمة لدولة فلسطين، بديلاً عن القدس.
ويقول مسؤولون فلسطينيون لوكالة الأناضول، إن الولايات المتحدة الأميركية لم تعرض رسمياً ما تسميه "صفقة القرن"؛ ومن ثم "لا يمكن القول إن الإدارة الأميركية الجديدة عرضت أن تكون أبو ديس عاصمة للدولة فلسطين بديلاً عن القدس الشرقية".
وفي خطابه أمام المجلس المركزي الفلسطيني، مساء الأحد 14 يناير/كانون الثاني 2018، أكد الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، رفضه التام لأي بديل عن مدينة القدس.
وقال: "القدس هي أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين، هي عاصمتنا الأبدية شاء من شاء وأبى من أبى، ونحن هنا نلتقي لنحمي القدس ولندافع عنها".
وأضاف عباس: "نحن في لحظة فارقة وخطيرة ومستقبلنا كله على المحك، إذا ذهبت القدس فماذا تريدون بعدها؟! هل تريدون دولة عاصمتها أبو ديس؟! هيك (هكذا) عرضوا علينا ولا أعلم أين؟!"، دون أن يقدم مزيداً من التفاصيل.
قرية أبو ديس
تقع قرية أبو ديس شرق القدس، وتتعرض أراضيها منذ عقود لعمليات مصادرة واسعة من قِبل السلطات الإسرائيلية.
ومنعت إسرائيل توسُّع القرية شرقاً، قبل أن تفصلها عن مركز مدينة القدس الشرقية بجدار أسمنتي.
يقول هاني حلبية، أحد سكان القرية، لوكالة الأناضول: "أبو ديس قرية صغيرة جداً ولا امتداد جغرافياً لها، فقد أقام الاحتلال جدار الفصل العنصري من ناحيتها الغربية فعزلها عن مدينة القدس، وأقام المستوطنات والطرق الالتفافية فعزلها من ناحيتها الشرقية، ومن جنوبها تقع بلدة السواحرة الشرقية ومن شمالها بلدة العيزرية".
وأضاف حلبية، وهو الناطق بلسان "لجان المقاومة الشعبية"، في البلدة: "مساحة أبو ديس لا تتجاوز 4 كيلومترات مربعة مكتظة بالسكان، وخلافاً للبلدات المجاورة فهي لا تصلح لأن تكون حتى بلدة، فما بالك أن تكون عاصمة!".
ولفت حلبية إلى أن عدد سكان أبو ديس 14 ألف نسمة، يُضاف إليهم 10 آلاف نسمة من خارجها يعملون، أو هم طلاب في جامعة القدس المقامة على أراضي القرية.
وقال حلبية: "سكان أبو ديس يرفضون رفضاً قاطعاً أن تكون قريتهم عاصمةً للدولة الفلسطينية، وقد كانوا أول من هبّ ضد القرار الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما زالت الاحتجاجات مستمرة حتى اليوم".
وأضاف حلبية: "بالنسبة لنا، فإن القدس الشرقية المحتلة عام 1967 هي عاصمة الدولة الفلسطينية، وأبو ديس لا يمكن بأي حال أن تكون عاصمة بديلة".
نشأة القرية
يقول المجلس المحلي لقرية أبو ديس على موقعه الإلكتروني، الذي اطلع عليه مراسل وكالة الأناضول، إن القرية "من القرى التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي قبل تحريره مدينة القدس عام 1187م".
ويقول: "كانت البلدة بالإضافة إلى البلدات المجاورة، مقراً لجيشه وقاعدة متقدمة لشن الهجمات على الصليبيين في مدينة القدس بغرض تحريرها من أيديهم، على الرغم من قربها من مدينة القدس".
ولفت الموقع إلى أن اسم القرية هو "تركي".
ويضيف: "اسم أبو ديس له صلة وثيقة بعمل سكان أبو ديس قديماً، فكلمة (ديس) تركية الأصل تعني قش".
ويقول أصحاب هذا القول إن صناعة الحصير، ازدهرت فيها ازدهاراً كبيراً، وبهذا يكون معنى أبو ديس "أبو قش".
وأشار إلى أن السلطات الإسرائيلية صادرت نحو 24 ألف دونم (الدونم 1000 متر مربع)، من أراضي القرية؛ لإقامة مستوطنات بينها الكتلة الاستيطانية "معاليه أدوميم"، التي تعتبر من كبرى المستوطنات في الضفة الغربية .
وأقامت السلطة الفلسطينية في عام 1994 محافظة القدس والعديد من المؤسسات الرسمية الفلسطينية في هذه القرية؛ نظراً لقربها من مركز مدينة القدس الشرقية.
واستمر مقر المحافظة فيها إلى الانتفاضة الثانية عام 2000، حيث اقتحمت القوات الإسرائيلية المقر وأغلقته، قبل أن يتحول قبل سنوات إلى بلدة الرام في شمال القدس.
ولكن في عام 2009، أقامت السلطات الإسرائيلية جداراً أسمنتياً على أراضي القرية، عزلها نهائياً من ناحيتها الغربية عن مركز مدينة القدس الشرقية.
وبُعيد قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، بداية الشهر الماضي، شهدت القرية مواجهات عنيفة بين الشبان الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية.
القدس الشرقية
يؤكد الفلسطينيون أن هناك فرقاً كبيراً بين أبو ديس، ومدينة القدس، فالقرية ليست سوى بلدة صغيرة تقع في ضواحي المدينة.
فالقدس الشرقية، بالمفهوم الفلسطيني، هي البلدة القديمة من المدينة التي تشمل المسجد الأقصى، والأحياء الفلسطينية التي تحيط بها من نواحيها الشرقية والجنوبية والشمالية، والتي يقدر عدد سكانها بنحو 350 ألفاً.
وأبو ديس، غير مشمولة بالحدود التي رسمتها إسرائيل للقدس الشرقية في أعقاب احتلالها المدينة في عام 1967.
وتصنَّف قرية أبو ديس، من قِبل إسرائيل، على أنها منطقة تتبع الضفة الغربية، حيث ألحقتها الحكومة الإسرائيلية بعد الاحتلال عام 1967 بمحافظة بيت لحم.
ويقدم الشيخ عكرمة صبري، خطيب المسجد الأقصى، شرحاً حول مدينة القدس، حيث يقول: "نحن نعني بالقدس البلدة القديمة بأسوارها والتي تضم المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وسائر المقدسات الإسلامية والمسيحية، وهي البلدة التي تسلَّمها الخليفة عمر بن الخطاب من صفرونيوس عام 636 ميلادية".
وأضاف الشيخ صبري: "ثم ازداد عدد السكان وارتفع العمران، وأقيمت أحياء سكنية حول البلدة القديمة من الجهات الأربع الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية، فألحقت هذه الأحياء بالبلدة القديمة التي هي الأصل… هذه هي مدينة القدس".
مؤشر خطير
ويحذر الشيخ صبري من تبعات اقتراح أبو ديس عاصمةً لفلسطين بديلاً عن القدس.
ويضيف: "الاقتراح بأن تكون أبو ديس عاصمةً للدولة الفلسطينية مؤشر خطير، يعني التنازل عن القدس، ونحن لن نقبل به بأي حال من الأحوال، ولا يجوز أن يتم طرح مثل هذه الحلول الانهزامية التنازلية".
وأبو ديس، هي مسقط رأس أحمد قريع "أبو علاء"، رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق والرئيس الأول للمجلس التشريعي (البرلمان) الفلسطيني والمفاوض الفلسطيني البارز الذي توصل إلى اتفاق أوسلو، وما زال يقيم في القرية حتى الآن.
كما أن أبو ديس هي مسقط رأس أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، الذي يقيم الآن في مدينة أريحا (شرق الضفة).