الموصل.. معركة انتهت وحرب جديدة بدأت

نعم تمت استعادة السيطرة على مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة؛ لتنتهي وبعد 9 أشهر أقذر معركة شهدها التاريخ المعاصر، بحسب وصف منظمة "هيومان رايتس ووتش"، ولكن حرباً جديدة ستبدأ، أو بدأت فعلاً، هكذا تكهنت صحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية، في مقال لها أشارت فيه إلى أن جعل العراق موحداً في ظل محاولات الكثير من القوى تفكيكه سيكون أمراً صعباً للغاية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/20 الساعة 01:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/20 الساعة 01:41 بتوقيت غرينتش

نعم تمت استعادة السيطرة على مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة؛ لتنتهي وبعد 9 أشهر أقذر معركة شهدها التاريخ المعاصر، بحسب وصف منظمة "هيومان رايتس ووتش"، ولكن حرباً جديدة ستبدأ، أو بدأت فعلاً، هكذا تكهنت صحيفة "الديلي تلغراف" البريطانية، في مقال لها أشارت فيه إلى أن جعل العراق موحداً في ظل محاولات الكثير من القوى تفكيكه سيكون أمراً صعباً للغاية.

الصحيفة استدلت إلى ما ذهبت إليه عبر متابعة طبيعة النقاشات السياسية التي تدور في البلاد بين الأحزاب المؤلفة للحكومة في بغداد، وكيف أنها تركزت على أسس الصراع على السلطة أكثر من الحديث عن اقتصاد البلاد المنهار أساساً، وكيفية النهوض قدماً بمستقبل العراق.

واقع ركزت عليه صحيفة "نيويورك تايمز الأميركية" هي الأخرى؛ حيث تساءلت عن كيفية ضمان هزيمة التنظيم بشكل حقيقي في ظل بقاء الأوضاع الحالية على ما هي عليه دون ضمانات، في إشارة لسياسات الإقصاء والتهميش وإفرازاتها التي تسببت بوجود جيش من النازحين قسراً ومعتقلين تعسفاً، مؤكدة أن إساءاتٍ الحكومة التي وَصفتها بالطائفيةِ وقواتِها الأمنيةِ والميليشياتِ المواليةِ لها ضد السُنّة كانت أبرز الدوافع التي أهلت الظروف لظهور داعش.

الصحيفة وضعت إصبعها على الجرح، ودحضت محاولات كانت تدفع للترويج في حصر أسباب تمدد التنظيم بتفشّي ظاهرة الفساد الإداري والتراجع الاقتصادي، وهو ما ذهب إليه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أحد أهم وأبرز شركاء العملية السياسية والمحافظين عليها بعد أن عدّها مكسباً لا يمكن أن يفرط به السياسيون الشيعة، وإن ثبت وباعتراف قادة فيهم بفشلهم في إدارة البلاد، فهذا الرجل يتغذى بشكل متزايد عبر حشد مزيد من الأنصار له من خلال الإيهام ومحاولة اقتناع الجمهور الساخط بأن الفساد لا الطائفية هو السبب الرئيسي لظهور داعش.

التكهنات الحالية حول كون الأسوأ في العراق لم يأتِ بعد لم تكن بجديدة، فقد سبق أن حذرت العديد من مراكز البحوث والدراسات ومنذ اللحظة الأولى لسماع أزيز أول رصاصة في المعركة من مرحلة ما بعد داعش في الموصل، فقبل نحو 10 أشهر نشرت صحيفة الـ"واشنطن بوست" الأميركية تقريراً، تناولت فيه الأوضاع المرتقبة التي تشهدها بعض المناطق، بعد مرحلة انحسار التنظيم، وكيف أن الحرب عليه ربما ستؤدي إلى بدء 10 حروب أخرى جديدة.

الكاتب "يعقوب عميدرور" ذهب بمخيلته لأبعد من ذلك، فوصف اليوم التالي لانتهاء المعركة بـ"قنبلة موقوتة"، وأن الأمر سيكون مخيفاً؛ حيث ستفتح بوابة جهنم، مستدلاً بذلك على أن المصالح المتناقضة للأطراف المشتركة في المعركة ستتحول لشلال دماء.

مجلة "فورين بوليسي" الأميركية بدورها نشرت مقالاً لـ"ريناد منصور"، الباحث في معهد "تشاتهام هاوس"، قال فيه إن نهاية داعش ستبرز النزاعات المضمرة بين القوى السياسية في العراق، وإن المسار المحتمل لما بعد داعش في العراق سيبقى غير واضح، فحدة التصريحات وتبادل الاتهامات بدأت وتيرتها تتصاعد بين الفرقاء كقادة الأحزاب في كردستان العراق والأحزاب المنضوية تحت لواء التحالف الوطني الشيعي،

وزعماء في ميليشيا الحشد، فضلاً عن قوات الحشد العشائري السني، ولطالما كانت مدينة كركوك الغنية بالنفط نقطة الخلاف وفتيل الأزمة، وليس بعيداً عن أروقة الحكومة فطهران سارعت الخطى للحفاظ على مكاسبها وفقاً للمجلة الأميركية؛ حيث ستعمل على تمكين حلفائها الذين تثق بهم، ومن بينهم نوري المالكي، وقادة في الحشد، مثل: هادي العامري، وقيس الخزعلي، وأبو مهدي المهندس، أما واشنطن وكعادتها في التخبط فستركز على تمكين حيدر العبادي.

انجلى غبار المعركة؛ ليصدم الجميع بمشاهد في مدينة الموصل وصفتها منظمة "أطباء بلا حدود" كأنها صور من الحرب العالمية الثانية، بل وغرد ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي في هاشتاغ حمل عنوان "هيروشيما_الموصل"، وقالوا فيه إن أقدم مدينة في التاريخ لم يبق منها حجر فوق حجر، دمار لم يكن صدفة وبالذات في الجانب الأيمن للمدينة الذي لا أطماع لسلطات كردستان العراق فيه؛ لكونه خارج إطار ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها، كما أن التصريح الأخير لنائب قائد الحرس الثوري الإيراني "حسين سلامي"،

الذي قال فيه إن أذرع المقاومة كما سماها، اكتملت في شرق البحر المتوسط بعد إعلان العبادي بساعات النصر في المعركة، وهو ما يؤكد أن الأمر دُبّر بليل، فالجانب الأيمن للموصل يعد بوابة طهران صوب حلفائها في سوريا ولبنان، ولا إشكال في تسوية الأرض، وفتح طريق معبد بأشلاء المدنيين، فالأقصى الذي تسعى لتحريره طهران أكثر قدسية وكرامة، حسب قول عرّابي الثورة الخمينية، وأن المعركة كانت قضية أمة، كما وصفها زعيم ميليشيا حزب الله اللبناني "حسن نصر الله".

وبطيّ صفحة الموصل والسيطرة على الحدود السورية – العراقية فقد اكتمل "الهلال الشيعي" الذي لم يؤرق ويقلق إدارة ترامب، التي صدعت رؤوسنا وهي تحذر من الإرهاب الإيراني، فالأمر لا يعدو كونه سوى تسويق إعلامي لا يصدقه سوى الساذجين والحالمين فوق الشجر.

استمرار الأزمات والتصدعات والصراعات في المنطقة يعد دجاجة تبيض ذهباً لواشنطن، وما صفقة بيع الأسلحة بقيمة 110 مليارات دولار إلى دول خليجية مؤخراً إلا نزر بسيط من حقيقة ما يدفع من جزية مقابل رضا وقبول سيد البيت الأبيض، أما القواعد العسكرية التي أنشأها البنتاغون في بادية الشام بين العراق وسوريا والأردن، بحسب ما كشفته صحيفة "الديلي بيست" الأميركية، بذريعة قطع الطريق أمام خط الوصل الإيراني، فهي مدفوعة الثمن مسبقاً، وهو إجراء عده مراقبون بالضحك على الذقون، فبدلاً من أن تسعى واشنطن لقطع رأس الأفعى في عقر دارها فهي تلاحق ذنبها وتلاعبه بالاعتماد على شركاء محليين في مكافحة الإرهاب، مكنها من تحقيق النصر بتكاليف أقل، حسب تحقيق لصحيفة الواشنطن بوست.

إذن ما زال هناك عمل طويل، وإعلان استعادة مدينة الموصل لا يعني أبداً نهاية تنظيم الدولة، كما صرح بذلك قائد التحالف الدولي "ستيفن تاونسند"، الذي أكد أن القوات الأميركية لن تغادرَ العراقَ بعد مرحلة داعش، ولن يخفض البنتاغون عددَ جنوده هناك، أي بمعنى آخر فطالما آبار الخليج والعراق غزيرة بالنفط، فإن المنطقة ستبقى في مهب الريح، وتحت وصاية من يرون أن خطأ جيوغيرافاً حدث حين وجد المخزون الأكبر للبترول في الشرق الأوسط.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد