"لا أرى في هذا الوجود إلا الحرية، وكل ما سواها باطل"؛ مقولة لمحمد بن عبد الكريم الخطابي (1882-1963)، قائد المقاومة الريفية (شمال المغرب)، عبّد من خلالها الطريق إلى الحرية لبني جلدته في الريف وفِي المغرب برمّته، عندما واجه الآلتين الاستعماريتين الإسبانية والفرنسية عام 1921.
رفاة الخطابي، الذي يُعتبر رمزاً لحرب العصابات في العالم الحديث، حتى زاره الثائر الشهير تشي غيفارا أثناء مقامه في القاهرة بعد نفيه من بلاده، ليتعلم منه أساليب الحرب، مازالت في مقابر العباسية بمصر حيث دفن، رغم مطالب الكثيرين بنقلها إلى بلاده. وأمام ذلك، أعلن مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير (هيئة حكومية) عن قرب تشييد نصب تذكاري له.
نصف قرن.. تأخرتم كثيراً
أكثر من نصف قرن مرّ الآن على وفاة محمد بن عبد الكريم الخطابي في منفاه بالقاهرة، لكن رمزيته مازالت حاضرة بقوة في منطقة الريف، ازدادت خلال الأشهر الثمانية الأخيرة على الأقل، بالنظر لما تعيشه المنطقة من احتجاجات ذات مطالب اجتماعية واقتصادية وثقافية؛ يدخل في صلبها إعادة الاعتبار لتاريخ المنطقة ورموزها.
في غضون هذه الأحداث، أعلن مصطفى الكثيري، المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير (هيئة حكومية)، في لقاء مفتوح مع مؤسسة الفقيه التطواني بمدينة سلا غرب البلاد، الخميس 13 يوليو/تموز 2017، عن قرب تشييد نصب تذكاري للمجاهد المغربي، الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي.
المسؤول المغربي، كشف أن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، "بدأت التنسيق مع عائلة محمد بن عبد الكريم الخطابي، من أجل تشييد نصب تذكاري له في مسقط رأسه ببلدة أجدير".
مراقبون عدة في منطقة الريف، اعتبروا أن الخطوة تأخرت كثيراً، منهم ميمون أزيزا، الباحث في تاريخ الريف وأستاذ التاريخ بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس (وسط)، الذي أكد أن "النصب التذكاري للخطابي كان منذ سنوات مطلباً ملحّاً للباحثين والمجتمع المدني بالمنطقة خصوصاً".
ليس هذا فحسب، بل إن محمد بن عبد الكريم الخطابي، "يعدّ جزءاً من تاريخ منطقة الريف وذاكرتها، ما يستوجب رد الاعتبار له ومن خلاله للمنطقة"، يضيف الباحث في تاريخ الريف، في حديث لـ"عربي بوست".
لقد استمر حصار تاريخ المقاومة الريفية لسنوات، حتى أن السلطة السياسية تعاملت مع رمز هذه المقاومة بحذر شديد، لهذا يرى ميمون أزيزا، أن "المصالحة الحقيقة مع الريف، هي الكفّ عن اتهام كل حامل لفكر الخطابي بالانفصال، ثم تدريس تاريخ المقاومة الريفية التي قادها مولاي محند".
إضافة لكل المبادرات الرسمية الممكنة في هذا الاتجاه، يشدد ميمون أزيزا، الباحث في تاريخ الريف والأستاذ بجامعة مولاي إسماعيل، على "ضرورة أن يرى متحف الريف النور في أقرب الآجال، بالموازاة مع تفعيل مؤسسة محمد بن عبد الكريم الخطابي أيضاً".
في حياته وبعد مماته.. مازال منفياً
قبل سنوات وتحديداً عام 2004، أعلن المغرب تصالحه مع ماضيه، لكن الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي مازال إلى يومنا هذا هناك في مقبرة العباسية بالقاهرة، دون أن ينقل رفاته إلى المغرب. لماذا؟
ليس هناك جواب مقنع حتى الآن، فمسألة نقل رفات الخطابي "معقدّة لأنها تستوجب توافقاً بين أطراف عدة من بينها عائلة الزعيم"، كما يقول ميمون أزيزا، الباحث في تاريخ الريف، منبّهاً إلى أن "فكّ الحصار عن تاريخ الراحل يعدّ أولوية اليوم".
كذلك لم تحدّد أقرب المقربين إلى الراحل، ابنته عائشة الخطابي، تاريخاً معيناً لنقل رفات والدها، حين قالت بالحرف في حوار أجري معها مؤخراً؛ "أنا لا أريد أن يبقى رُفاته في مصر، لكن أن يُنقل إلى مسقط رأسه بأجدير أو إلى مكان آخر في المغرب، لم نُقرر في هذه المسألة بعد. أنا أخاف أن يُنقل إلى أجدير، فتكون زيارته من طرف الجميع أمراً صعباً. صحيح أن والدي ريفي، ولكنه مغربي قبل أن يكون ريفياً".
صحيح أن الخطابي، هو ابن منطقة الريف بالمغرب، لكنه في 06 فبراير 1963 "ودعته مصر وداع بطل من أبطال الكفاح العالميين ضد الاستعمار، ورمزاً من رموز التاريخ المعاصر"، يقول علي الإدريسي، في كتابه عبد الكريم الخطابي.. التاريخ المحاصر.
مقاومة هنا.. وهناك حركة تحريرية
في كتب التاريخ، وهو ما يذكره أيضاً علي الإدريسي في كتابه، أن الخطابي ساعده تكوينه العلمي الشرعي، على تعبئة قبائل الريف من كبدانة شرقاً إلى جبالة بالغرب، وبذلك أصبح بن عبد الكريم زعيماً لمقاومة الاستعمار الإسباني خاصة، فتم إعلان الثورة المسلحة على هذا المستعمر في يونيو 1921، كان أبرز إنجازاتها "انهيار جيش إسباني ضخم يتجاوز تعداده 20 ألف جندي بكامل عدّته الحديثة بين مثلث لم يكن أحد يذكره لا في الجغرافيا ولا في التاريخ؛ إنه مثلث إغريبن وأدهار أوبران وأنوال (مناطق في الريف)"، يضيف صاحب كتاب، عبد الكريم الخطابي.. التاريخ المحاصر.
تفاصيل كثيرة بين نصر وآخر، إثرها تحالفت إسبانيا وفرنسا ضد محمد بن عبد الكريم الخطابي ومقاومته لهزيمتها، فاستعانتا بإمدادات عسكرية هائلة وحاصرتاه وأنهكتاه بقنابل محرمة دولياً، فاستسلم عام 1926 خوفاً من سقوط مزيد من الشهداء واستمرار القتل.
ثم تحالفت الدولتان أيضاً، لإبعاد البطل الريفي عن الريف، فنُفي وعائلته إلى جزيرة لارينيون عام 1926، التي سيمضي فيها أزيد من عشرين سنة، لتقرر فرنسا بعد ذلك نقله إلى أراضيها، فمرت الباخرة التي كانت تقله ببورسعيد في بلاد الكنانة، وهناك سيستقر مولاي محند.
من هناك سيعمل قائد المقاومة الريفية -الذي تخرج من القرويين، وعمل قاضياً للقضاة ومحرراً صحافياً بصحيفة تيليغراما ديل ريف، التي كانت تصدر من مليلية المحتلة- على مواصلة نضاله من أجل الحرية، بمساندته للحركات التحررية في كل من الجزائر، وتونس، وليبيا، وغيرها.