كلمة ولي أمرنا.. أمير المؤمنين #جاستين_ترودو بمناسبة الذكرى 149 على تأسيس #كندا ??)، وما كانت سوى دقائق… حتى انهالت عليَّ الانتقادات والشتائم.
بعدها بأيام قليلة، خرج علينا نفس الرئيس ليُهنئ رعاياه المسلمين في كندا بمناسبة انتهاء شهر رمضان الفضيل، وحلول عيد الفطر المبارك، وقمت من خلال نفس الصفحة بنشر تلك الكلمة.. ولكن هذه المرة عنونتها بـ(#جاستين_ترودو … ولي أمر #كندا… يُهنِّئ رعيته من #المسلمين المؤمنين بمناسبة عيد الفطر المبارك ??)، لكن هذه المرة وعلى خلاف سابقتها، لم يأتني نقد واحد أو شتيمة، الأمر الذي قادني إلى إعادة النظر في كلا الموقفين وأسباب ردَّات الفعل المتفاوتة.
في الحقيقة إعادة النظر لم تكن لخطأ ارتكبته، فأنا ما زلت أعتقد أني لم أكن مُخطئاً في شيء، ولكن في محاولة لفهم طريقة العقل العربي وما يؤثر فيه من أفكار ومعتقدات، فما هو ذلك الشيء الذي جعل البعض يثور في المنشور الأول خلاف المنشور الثاني؟ فالمنشور الأول جاءت فيه كلمة (أمير المؤمنين) صريحة، بينما الثاني جاءت فيه ضمنية، وبين كلا المنشورين لا يوجد فرق في المعنى على الإطلاق.
ما خلصت إليه أنَّ المشكلة تكمن في المفاهيم والمصطلحات التي تؤثر على أفكارنا بشكل كبير خصوصاً الشرعية منها… أو ما نعتقد واهمين أنها شرعية، فالمشكلة لا تكمن في المفاهيم نفسها إنما في طريقة فهمنا لها، وهذه المشكلة تحولت اليوم إلى مُعضلة أفسدت علينا حياتنا وضيَّعت الكثير من الخير.
لو أخذنا مصطلح (أمير المؤمنين) مثالاً لتسليط الضوء على قضية التفكير والنظر إلى الأمور، لوجدنا أنَّ عددا مِن المسلمين ليس بالهين يعتقد بأنَّه مصطلح شرعي خاص بالأمير المسلم، وعندما نقول مصطلحا شرعيا فلا بد من أن يكون له مرجعية شرعية من القرآن الكريم والسُنَّة النبويَّة، مثل مصطلح (رضي الله عنه)، فهو جملة خبرية تفيد الدعاء، وهو الطلب من الله سبحانه وتعالى أن يرضى عن الصحابة الكرام، كما أنه يجوز الدعاء وطلب الرضا من الله لكل مسلم، حتى وإن لم يكن صحابياً، لقوله سبحانه { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ } الآيتان 7 و8 من سورة البيِّنة.
الشاهد مما سبق أنَّ هنالك ألقابا لا يمكن إطلاقها إلا على المسلمين بسبب مرجعيتها الشرعية الواضحة والتي تحوي في مضمونها دعاء بنيل رضى الله ودخول جنته، وفقاً لمعتقد أهل السُنَّة والجماعة، وهذا خلاف لقب (أمير المؤمنين) الذي يُفيد الإخبار عن الحال ولا يُفيد الدعاء، كما أنه ليس جملة شرعية من نصوص الكتاب والسُنَّة، فقد كان اجتهاداً من الصحابة عندما تولَّى عمر بن الخطاب ولاية المسلمين بعد عبدالله بن أبي قحافة؛ إذ قال عمر (كان أبو بكر يُقال له خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يُقال لي خليفة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم… يطول هذا؟) فقال له المغيرة بن شعبة: (أنت أميرنا ونحن المؤمنون… فأنت أمير المؤمنين)، قال عمر (فذاك إذاً).
لقب أمير المؤمنين ليس لقباً شرعياً، وأي زعيم في العالم لديه فئة من المسلمين في شعبه يرعى شوونهم ويوفر لهم الأمن والحماية وحرية الاعتقاد والعبادة يمكنه أن ينال هذا اللقب بجدارة، فهو أميرهم في بلده الذي يحكمه مهما كان دينه أو ملته، فأنا لم أقل إنه يجوز لغير المسلم أن يكون أميراً عليهم في بلادهم الإسلامية، ولكن في بلده الذي هاجر إليه المسلمون طوعاً، واليوم في كندا أصبح هناك مليون ونصف المليون مسلم تحت رعاية وليِ أمرها.
من الجدير بالذكر أنَّ لقب (أمير المؤمنين) لا يحمل في معناه لقب (خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم) الذي ناله حصراً أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، فلو كان الأمر كذلك لوقعنا في مشكلة أعوص… وهو إطلاق لقب (أمير المؤمنين) على مُجرمي الخلافة مِن بني أميَّة والعباس وعثمان، فمجرميهم لم يستحقوا لقب (خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم) لا من قريب ولا من بعيد.
أنا متأكد تماماً مِن أنَّ الذين انتقدوا إطلاقي لقب (أمير المؤمنين) على رئيس وزراء كندا كانت نيتهم طيبة، وحميتهم على الإسلام هي التي دفعتهم إلى ذلك، ورائع أن يكون للمسلمين غيرة على دينهم، ولكن الأروع أن تكون تلك الغيرة نابعة عن فهم ولشيء يستحق!
ألقاكم – بإذن الله – يوم السبت القادم 16 يوليو/ تموز في حوار مرئي مباشر عبر صفحتي على الفيسبوك لمناقشة فكرة المقال نقاشاً حضارياً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.