عادت قضية ارتداء النقاب لتطفو على السطح من جديد في تونس، وتثير الجدل بعد الأحداث الأمنية التي شهدتها مدينة بن قردان جنوب شرقي للبلاد قبل أسبوعين.
فقد تقدم مجموعة نواب من (كتلة الحرة) المنشقة عن حزب "نداء تونس" بمقترح قانوني مساء الجمعة 18 مارس/آذار الجاري، لمجلس نواب الشعب (البرلمان) يقضي بمنع ارتداء النقاب في الأماكن العامة.
ويهدف هذا المقترح المتعلق "بمنع إخفاء الوجه في الفضاءات العمومية"، بحسب ما جاء في بيان صادر عن كتلة الحرة إلى "حماية الأمن العام وحقوق الغير".
سجن وغرامات مالية
وتصل عقوبة من تتعمد ارتداء زي يخفي الوجه، بحسب نص المقترح، للسجن مدة 15 يوماً فضلاً عن غرامة مالية، كما يعاقب كل شخص يجبر امرأة على ارتداء هذا الزي بسنة سجناً أو بغرامة مالية على أن تتم مضاعفة العقوبة عند قيام شخص بإجبار فتاة قاصر على إخفاء وجهها بلباس بحيث تتم معاقبة المُجبر بسنتين سجناً.
قامت كتلة #الحرّة اليوم الجمعة 18 مارس 2016 بإيداع مقترح قانون بمكتب الضبط بمجلس نواب الشعب يتعلق ب " منع إخفاء الوجه …
Posted by Al Kotla Al Horra – الكتلة الحرّة on Friday, March 18, 2016
خطر على الأمن القومي
النائب عن "كتلة الحرة" الصحبي بن فرج، وهو أحد الذين تقدموا بالمشروع للمجلس، اعتبر أن حركتهم "قامت بواجب وطني حين تقدمت بهذا المقترح القانوني بهدف مناقشته والمصادقة عليه".
وأضاف لـ"عربي بوست"، "هذا الزي (النقاب) الذي يخفي معالم الوجه، أصبح يمثل خطراً حقيقيًّا على الأمن القومي العام في تونس وقد أظهرت النتائج بالملموس أن أغلب العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد تورطت فيها منقبات سواء على مستوى النقل أو التخفي أو تقديم الدعم اللوجستي ونقل المعلومات للإرهابيين، فضلاً عن انخراط بعضهن في العمليات الإرهابية على غرار ما بينته الأحداث الأخيرة في مدينة بن قردان".
وقبل أسبوعين استهدف مسلحون نُسبوا لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ثكنات عسكرية وأمنية في مدينة "بن قردان" الحدودية مع ليبيا، وأسفر الهجوم عن مقتل 49 مسلحاً، و12 من القوات الحكومية التي تصدت لهم وأحبطت الهجوم، بالإضافة إلى 7 مدنيين.
فكرة ليست جديدة
واعتبر بن فرج أن فكرة منع النقاب في تونس "ليست بالجديدة بل طرحت سابقاً، لكن مع تطور الأوضاع الأمنية بالبلاد وأخذها منحىً خطيراً، أصبح لا يمكن السكوت أو التغاضي عن هذه الظاهرة وأصبح لزاماً التصدي لها، وحظرها في الأماكن العامة بهدف حماية التونسيين"، على حد قوله.
وحول الانتقادات التي قد تطال المشروع بحجة التضييق على الحريات التي كفلها الدستور، برر النائب قائلاً "حظر النقاب ليس جديداً، وقد سبقتنا فيه دول لها تاريخ في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الفردية، على غرار فرنسا وبلجيكا، وأيدته حتى اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان".
وختم قائلا "الحريات ليست مطلقة طالما أن هذا الزي يخفي هوية الشخص وفيه حتى تعدٍّ على حرية الآخرين وتهديد لحياتهم، وفي النهاية نرجو أن يحظى هذا المقترح الذي تقدمنا به بإجماع أعضاء مجلس الشعب".
استغراب
القيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي، استغرب من المقترح الذي تقدمت به "كتلة الحرة"، واعتبر أن مشروع منع النقاب "ليس من أولويات لا مجلس الشعب ولا التونسيين حالياً، وأن هناك قضايا أهم"، على حد قوله.
وأضاف "المشروع لم أطّلع عليه صراحة، لكن ليس سهلاً أن يتم تمريره الآن، هناك خطوات لا بد من المرور بها على غرار لجنة الحقوق والحريات بالبرلمان وفي كل الحالات سيكون لنا موقف ورأي حينها".
الضرورات تبيح المحظورات
من جانبه استنكر المحامي والحقوقي حسن الغضباني مشروع قانون حظر النقاب، واعتبره "تعدياً على الحريات الشخصية للأفراد".
لكنه استدرك قائلاً "كوني رجل قانون لا يمكن أن أمنع شخصاً من ارتداء ما يريده، لكن في نفس الوقت، وفي حال مثّل هذا اللباس خطراً على الأمن العام، لا بد من الاحتياط من خلال كشف الوجه وإظهار الهوية في حال طلب من الشخص ذلك ولكن ليس بالمنع".
وشدد المحامي الغضباني، على أن الوضع الذي تمر به تونس كونه حساساً ودقيقاً "يستدعي أن تلتزم بعض المنقبات بالضوابط القانونية، على غرار كشف الوجه في المدارس والمستشفيات وكل المؤسسات الحكومية والخاصة".
وأضاف "أنا ضد أن يطلب من الفتاة المنقبة الكشف عن وجهها للتثبت من هويتها فترفض، حتى لو كان المبرر شرعيًّا لأن القاعدة الأصولية في الأحكام تنص على كون الضرورات تبيح المحظورات".
وكانت وزارة التربية في تونس قد منعت رسميًّا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ارتداء النقاب بكافة المؤسسات التربوية، كما تم إيقاف مدرسات منقبات عن العمل بعد إصرارهن على عدم كشف وجههن داخل مكان العمل.
وبعد أكثر من 3 عقود من المنع شهدت ظاهرة ارتداء الحجاب والنقاب في تونس إقبالاً كبيراً من الفتيات بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي وألغت "المنشور 108″ الذي يمنع ما سمي بـ"الزي الطائفي" داخل المؤسسات التابعة للدولة والذي أصدره الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة سنة 1981.